روضة الصائم

بيوت طاقة التقليدية وحارتها القديمة.. تشيع المحبة وتعزز الشعور بالانتماء وروح الجماعة

09 يونيو 2018
09 يونيو 2018

ذات طراز معماري فريد باردة صيفا دافئة شتاء -

تطلى بالنورة لامتصاص حرارة الشمس وسقفها مبني بأخشاب النارجيل وأشجار الصغوت -

طاقة: أحمد بن عامر المعشني -

بيوت طاقة التقليدية أو الحارة القديمة ذات طراز معماري فريد، وهي العمارة التقليدية التي كانت تشيع المحبة وتعزز الشعور بالانتماء وروح الجماعة وتقع في محافظة ظفار. ويعتمد في بنائها على الموارد المحلية حيث تبنى بحجارة الكلس (الجير) البيضاء، وحجمها عشر بوصات في عشرين بوصة تجعل البيت باردا في الصيف ودافئا في الشتاء. وتطلى البيوت بالنورة، وهي الجبس الذي يمنع امتصاص حرارة الشمس. أما السقف فيبنى بأخشاب شجرة النارجيل أو خشب شجرة الصغوت (المشاط الظفاري) وتصل بين كل لوحين متقاربين عيدان متراصة تسمى الركراك تستخرج من شجرة الثورن المحلية يفرش فوقها سعف شجرة النارجيل الذي يكبس عليه الطين. والطين على ضربين إما الطين الخطري الأبيض الذي يستخرج من السهل أو الطين الأحمر (اليبع) الذي يستخرج من أطراف المزارع. كما يستخدم الطين ملاطا بين الحجارة لتثبيت الجدار. ويكبس السطح كذلك بالطين حتى يصير أملس ومستويا بحيث تسيل مياه الأمطار بسهولة إلى الميزاب. ولبعض البيوت ثلاثة طوابق والباقي دون ذلك. أما عمق أساس المنزل (الساس) فعمقه قامة رجل أو يزيد. ويقوم بالبناء بضعة بنائين متمرسين بإشراف كبيرهم (الأستاذ) بدون استخدام أية خرائط أو رسومات. لكنهم يستخدمون آلتين فقط لضبط استقامة الجدار همها المسطرة الكبيرة ذات الضلعين ومثقال من الحديد مربوط بحبل دقيق.

وللبيوت التقليدية هذه العديد من المزايا، أولا يسهل الدفاع عنها فهي متكتلة ذات أزقة ضيقة وملتوية. ثانيا بسبب قرب البيوت من بعضها البعض فظلها يسقط على بعضها البعض فيبردها ويبرد الأزقة. ثالثا تواجه البيوت الجهة الجنوبية فتستفيد من نسيم البحر. وفي الوقت نفسه لا تتأثر بالغبار الذي تسفه الرياح الشمالية في الشتاء؛ لذا جعلت الحجرات في واجهة البيت وجوانبه وجعلت المطاهر والمطابخ في الجهة الشمالية. وجميع الأخشاب المستخدمة في البناء أو تلك التي تصنع منها النوافذ والأبواب جميعها لا تأكلها دودة الأرض (الأرضة). على سبيل المثال خشب شجرة الصغوت (المشاط الظفاري) وخشب شجرة الميطان (الزيتون البري).

ومن مظاهر الحياة اليومية في هذه البيوت التالي: أن سراجهم كان مسرجة الصيفة أي زيت الساردين، وكانت عبارة عن مشكاة من الفخار يغمس فيها فتيل المصباح (الفتيلة)، ثم استبدلت بمصباح الكاروسين (الفانوس) ومصباح السولار (التريك) حتى دخلت الكهرباء طاقة عام ١٩٧٥م من عهد النهضة المباركة. أما وقود الطبخ فكان الحطب الذي يجمعه ويبيعه سكان الجبل. وكانوا يستخدمون قدورا معدنية على أثاف ثلاث. ويجلبون الماء من الآبار في قلل من النحاس تسمى واحدها (الجحلة) ويخزن في زئر كبير من الفخار. ويبرد الماء بجعله في سقاء من جلد الشاه (العنيت) تعلق في الجدار في موضع معرض لتيارات الهواء أو بجعله في قلة صغيرة من الفخار. وكان غالب قوتهم السمك والأرز والتمر والخبز وألبان الشياه والبقر. ويخبز الخبز خبازات بالأجرة في تنور محفور في فناء الدار ظاهره من الفخار الأملس. وكانوا يجمرون بيوتهم ببخور اللبان الظفاري الذي يوضع في مجامر من الفخار محمولة باليد، وغالب عطرهم كان يستورد من بومباي (الهند) وعدن.وكانت لأهل طاقة عادات اجتماعية تعزز التراحم وروح الجماعة والشعور بالانتماء منها عادة المشاهرة في رمضان، وهي تبادل الزيارات بعد التراويح في الليالي الأول من الشهر للتهنئة بحلول الشهر الفضيل. ومنها (العواد) وهو تبادل الزيارات في أيام العيد للتهنئة بالعيد حيث يقدم المزور لزواره الحلوى والتمر والخبز الظفاري الجاف الرقيق (خبز القالب) واللحم المملح المطبوخ بشحمه (المعجين). ومنها عادة الجبانة، وهي مسيرة من صفوف متتالية بعد خطبة العيد من مسجد الشيخ العفيف إلى دار عالي الهمة الشريف علي بن محسن آل حفيظ. وينشد السائرون قصيدة وعظية للشيخ عبدالله الحداد رحمه الله ترديدها:

مدح النبي المختار يشفي القلوب

 وينجلي عنا جمع الكروب.

وتتبع المسيرة زفة زامل بالطبول والأبواق. وكان يشارك في الجبانة، مسيرة وزامل، كل ذكر في طاقة من الرجال والصبيان. ويتفرقون بعد تناول الطعام. وقبل الجبانة يتصافح الجميع بعد الخطبة. ومنها هبوت العيدين ويشارك فيها الرجال وكانت تقام في السيح (المسيلة). ومنها أي هذه العادات المصافحة الجماعية بعد صلاتي الفجر والعصر. ومنها (الطرح) حيث يجلس العريس أمام داره ويطرح الرجال تباعا في صحن واسع موضوع أمامه نقودا مساهمة منهم في تعويض نفقات الزواج.