Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :كرة الثلج.. مقاربة نسبية للواقع

08 يونيو 2018
08 يونيو 2018

بقلم: أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يأتي مصطلح «كرة الثلج» كإحدى الدلالات المعرفية التي يقاس عليها الكثير من أحداث الحياة، فقلما يكون حدث في حياتنا اليومية، ولا يخضع لمفهوم كرة الثلج، وهي الكرة المتراكمة بفعل التصاق حبات الثلج بها كلما ازدادت تدحرجا نحو المستوى المنخفض عما تكون عليه في لحظات تشكلها التي قد تطول؛ وقد تقصر؛ اعتمادا على مستوى هذا التدحرج.

نعيش على امتداد أعمارنا قضايا مختلفة، صغيرة أو كبيرة، مهمة أو بسيطة، وطنية أو إقليمية، عالمية أو محلية، اجتماعية، أو ثقافية، اقتصادية أو سياسية، وفي كل هذه القضايا على تعددها وتنوعها، واختلافها وتشابهها في بعض الظروف، في كل هذا تبدأ هذه القضايا صغيرة جدا، لا تكاد تذكر حتى على مستوى الأسرة الواحدة، ولكنها؛ في أغلب الأحيان؛ لا تقف عند مستوى معين؛ خاصة إذا توفر لها عوامل نمو، وتغذية، فتكبر لتصل إلى المجتمع، وقد تزداد لتصل إلى مساحة الإقليم، ومن ثم إلى المستوى الدولي، حيث العقدة الكبرى، ففي كل هذه المراحل، يكون بقدر كبرها وتدرج تضخيمها، يزداد تعقيدها، وإذا كانت في البدايات الأولى يكون لها أكثر من مخرج للحل، تصبح مع ازدياد كبرها وتعقدها أن لا مخرج لها لأي حل، وفي العالم اليوم هناك قضايا مهمة وصلت إلى طريق محدود لإيجاد حل لها، وإنما تتداول هكذا لإيجاد نوع من التضامن، وليس شرطا أن يكون تضامنا صادقا، وإنما تبقى فرصة لمساحة أكثر لتبادل المنافع من مختلف الأطراف، ولو على حساب أصحاب القضية الأصل، الذين يكتوون بنار قضيتهم مع كل فترة زمنية تمر.

نرصد تضخم «كرة الثلج» في كل محطاتنا اليومية، مع القريب ومع البعيد، مع الصديق ومع العدو؛ إن وجد؛ على مستوى محيط الأسرة، وعلى مستوى محيط المجتمع ككل، ومع مستوى الوطن الأكبر، وفي كل هذا الرصد، نعايش حالات من التقارب ومن التباعد، من المودة ومن العداوة، من الرضا ومن السخط، من المديح ومن الذم، في كل هذه المناخات الاجتماعية تظل ثيمة «كرة الثلج» حاضرة في جانبيها الإيجابي والسلبي، ونرى ذلك الطرق المستمر والمفضي إلى تصدع «كرة الثلج» هذه، وعلى الرغم من القناعة المترسخة بفكرة «كرة الثلج» إلا أنه في أحيان كثيرة يحدث التصدع، وهو جيد في حالة تغيير مفاهيم سلبية، وفي حالة التنازل عن المواقف المتصلبة، وفي حالة السعي إلى الصلاح، وفي حالة بناء قيم أكثر حيوية في صالح الجميع، ولكن هذا التصدع ليس جيدا في حالة أنه يؤدي إلى مزيد من الظلم، وإلى مزيد من المآسي، وإلى مزيد من فقدان الهوية الإنسانية واحترام الذات.

ولذلك ترتبك القيم الاجتماعية أكثر من غيرها عندما تتصدع عندها «كرة الثلج» بعد أن ظلت ردحا من الزمن على تماسكها، وترتبك القناعات الفردية عندما تتشظى «كرة الثلج» فيفقد الفرد توازنه، ويصاب بحالة إحباط، خاصة إذا كان هناك قناعة مطلقة بأن التغيير شبه مستحيل في الأمر الذي يعتقده كذلك، وهناك الكثيرون منا عندهم قناعات مطلقة بأشياء كثيرة في الحياة، وهؤلاء يكونون أكثر تأزما عندما تتصدع أو تتشظى «كرة الثلج» عندهم، حيث يبدأون من جديد في توليد قناعات جديدة مغايرة، وقد يفقدون الأمل فلا يؤمنون بأية قاعدة مطلقة في هذه الحياة.

كلنا نحتضن «كرة الثلج» الخاصة بنا ونبني عليها قناعات، وآمال وطموحات، لأننا أتحنا لها فرصة التضخم بين أعماقنا، حول أشياء كثيرة تحيط بنا؛ حيث نجد فيها تحقيق الكثير مما نصبو إلى تحقيقه، بدءا من ولوجنا المدارس في المراحل الأولى إلى المراحل الأخيرة، وكذلك الحال مع الوظيفة، ومع بناء الأسرة، ومع كل مشاريعنا الحياتية، والمهم هنا أن لا نتكور كثيرا على «كرة الثلج» هذه، ولا نتلبسها لباسا عضويا لا فكاك منه، وإنما علينا أن نتعامل معها بشيء من النسبية، مع قناعاتنا أن كل شيء قابل للتغيير.