907543
907543
روضة الصائم

لقاء متجدد :تحذير للفتاة المسلمة

08 يونيو 2018
08 يونيو 2018

أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة -

ما أحسن هذا التحذير للفتاة المسلمة من الاغترار بمظاهر الحضارة الغربية، والتقليد الأعمى لها، والانسياق وراء زخرفها، ونسيان القيم والفضائل التي تصون المرأة وفطرتها الزكية، وما أبلغ تحذيره لها من حَمَل لا يلبث أن يتحول إلى غول أغول، فكم لهذا من شاهد بيّن فيما اطلعنا عليه من واقع الفتيات اللاتي غرر بهن، فكن ضحايا هذا التغرير، فكأين من فتاة غريرة نصب لها شاب طائش أرعن شباكا من كلماته المعسولة الواعدة، التي هي أرق من نسيم السحر، وأهنأ من الماء الفرات، وأطيب من الزهر الفواح بروضة غناء باكرها قطر الندى، فازدادت نضارة وطيبا، حتى أسر قلبها الذائب عندما تخيلته فارس أحلامها الأوحد وبطل آمالها المسدد، فاعتقدت أنها ستجد عنده نعيمها وخلدها، فما كان منها إلا أن أسلست له قيادها وسلمته نفسها، فإذا به يتحول إلى ذئب مسعور لا يرق لضحيته، ولا يزيده تضرعها وبكاؤها إلا قسوة وضراوة، إذ لا هم له إلا أن ينشب أنيابه ومخالبه في أي ضحية يتمكن منها، وإلى أرقم أقرع لو نفث نفثة من سمه في محيطات البحار لأودى بكل ما في سطحها وأعماقها، وتحولت إلى بحار ميتة، فغدت تلك الضحية تتقطع ألما وتذوب ندما، ولات ساعة مندم، بعدما رزأها في أعز ما تملك وأغلى ما تدَّخر، ولربما خلف في أحشائها جنينا يزعجها بما تحسه في صمته وسكونه من أنينه وعويله للمستقبل الأسود الذي ينتظره، فإما حياة كلها تعاسة وشقاء وعنت وبلاء واحتقار وازدراء وإما وأدٌ في مصحات الإجهاض. وقد لا يكفيه أن يرزأها عرضها ويدوس شرفها بل قد يرزؤها حياتها، وكل ما عسى أن تملك من مال.

فلست أنسى تلك الفتاة التي ألحت على أن تفضي إليَّ بسرها، الذي كانت تكنه بين حنايا صدرها، وتبثني همومها المؤرقة، وتعرض عليَّ مشكلتها المعقدة المستعصية، ومأساتها البالغة المحزنة، وقد أزاحت الستار عن سرها المعمى التي لم تطلع عليه أقرب قرابتها وأخص خاصتها، وهي أنها تحقق لها حلم أن تجد وظيفة تغدق عليها ريعا سخيا، وكان من بين زملائها شاب مظهره الطِّـيْبُ والوَدَاعَة، وهو يحمل بين جنبيه قلب سبع فتاك، فأظهر لها حبا عميقا وإخلاصا بالغا، وبسط لها من الآمال بساطا نثرت عليه ورود فواحة، فتخيلته أنه أملها الوحيد، حتى نسيت حنان أبيها الحاني ولطف أمها الرؤوم، فاستدرجها إلى أن رزأها في عفتها وشرفها، وتبين لها فيما بعد أنه مصاب بمرض فقدان المناعة المكتسب، وقد نقل إليها هذا الداء العضال، ولم يكتف بهذا بل كانت عرضة لتهديده بأنه سيفضحها ويقدم ضدها شكوى بأنها هي التي نقلت إليه هذا الداء، إلى أن عوضته بمبلغ هائل اضطرت أن تقترضه من مصرف ربوي، فلم تجد إلا أن تستكين له وتستجيب لجشعه، إذ المرأة غالبا تكون أسيرة الضعف وعرضة الابتزاز والاحتيال، وظلت غير قادرة على البوح بسرها، وهي تكدح في عملها وكل ما ينتج عنه يلتهم بألسنة النار الموقدة في أتون المعاملة الربوية المشؤومة، وأهلها يسألونها عن راتبها الشهري الذي كانوا يعلقون عليه آمالهم ويسيل من أجله لعابهم، وإذا بهم لا يجدون منه شروى نقير، وهي غير قادرة أن تبوح لهم بما يقضقض حيزومها، ويقض عليها مضجعها ويطير بلبها، فقد أصبحت بين نيران ملتهبة، فهي لم تعد تطمح أن تكون ربة بيت وأن تسعد بزواج وأمومة، فإن علتها التي نقلها إليها ذلك السبع الكاسر تحول دون ذلك، كما أنها لم تعد تستفيد من عملها شيئا، ولا تستطيع أن تفيد به أسرتها.