1355448
1355448
روضة الصائم

المصنف: آداب تتلامس مع مفردات حياة المسلم

08 يونيو 2018
08 يونيو 2018

كتب عمانية -

القاهرة - العزب الطيب الطاهر -

ثمة متعة تجتاحنا خلال متابعة أبواب الجزء الثاني من كتاب المصنف لمؤلفه أبو بكر أحمد بن عبد الله بن موسى الكندي السمدي النزوي تتماس بصورة مباشرة مع مختلف مفردات حياة المسلم من تركيز على الزينة واللباس، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إليه، وهو رث الثياب فقال: ما بالك فقال: من كل قد آتاني الله فقال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أنعم الله على أمرئ نعمة فيجب أن يرى أثرها عليه».

ووفقا لقول عمر بن الخطاب الخليفة الراشد الثاني «إياكم ولبستين، لبسة مشوهة ولبسة محقورة وكانت العرب تقول العري الفادح خير من الزي الفاضح، ولا بأس إن وضع الرجل على رأسه أو بدنه طيبا من زعفران وغيره (مما يتناسب مع العصر) كما أنه على الرجل أن يهذب ثوبه ويجفف وجهه أو يحلق رأسه أو يلبس ثوبا مصبوغا أو يتحنى.

وثمة حديث شيق في الكتاب عن آداب المشي والقعود والقيام، فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يحتبى بيديه، وقيل إنه ما مد رجليه صلى الله عليه وسلم عند جليس له قط وليس من الأدب فعل هذا، فإنه يدل على التجبر والتهاون بالجليس، ومن المسائل التي يشير إليها المؤلف» أنه من كان راجلا فليمش في جانبي الطريق وإن كان راكبا» وفى الحكمة: «إياك واللجاجة والمشي في غير حاجة» وغير ذلك.

وتطرق الكتاب إلى آداب النوم وقواعد الأكل والشراب، وأظنها باتت مفقودة وفق المفهوم الإسلامي، فبتنا نعتمد على القواعد الغربية، ومن هذه الآداب عدم الإكثار من الالتفات إلى الموضع الذي يؤتى منه الطعام و«لاتكن آخر من يرفع يده عن الطعام، فتظهر الرغبة ولا تجلس في صدر المجلس فتظهر التقزز ولا في آخره فتظهر المهانة»، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أكل الطعام الساخن جدا، والأهم أن يكون الطعام حلالا طيبا، وتجنب ذم الطعام فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ما ذم طعاما قط فإن أعجبه أكله وإن كرهه تركه، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «لا تجعلوا بطونكم أوعية فتصير أودية».

ومن الآداب التي ينبه إليها الكتاب آداب القول، فمن الأدب ألا يرفع الرجل صوته، فقد قال الله -سبحانه وتعالى-: «إن أنكر الأصوات لصوت الحمير»، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «أبغضكم إليّ المتفيهق المكثار والملح المهذار أي المكثر الكلام وفي الحديث إذا تم العقل نقص الكلام ومن ضاق صدره اتسع لسانه».

ومن الضروري إعادة التذكير بمسألة الاستئذان في البيوت التي وردت ضمن الآداب العديدة التي تناولها كتاب المصنف في جزئه الثاني، فالآية القرآنية تقول: «يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسملوا علي أهلها»، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يدخل دارا من دور المسلمين سلم ثلاثا من الباب، فإذا ردوا السلام استأذن فإن أذن له دخل وإلا رجع مكانه، ويقول أيضا: «من لم يسلم فلا تأذنوا له ومن دخل ولم يسلم فقد عصى الله فليتب». إلى هذا الحد تشدد الإسلام في الدخول إلى البيوت، وهو ما يستوجب التركيز عليه في واقعنا الراهن.

ويتوقف الكتاب عند الصدق والكذب، منبها إلى ضرورة التمسك بالأول وتجنب الثاني، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: كيف يعرف الصادق؟ فقال: يعرف الصادقون بإمساكهم عن الأعمال التي أوعد الله عليها النار، ويعرف الكاذبون بانتهاكهم الأعمال التي أوعد الله عليها النار»، وثمة حديث بالغ الأهمية في هذا الصدد فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كاذبا»، ويقال: «ما من مضغة أحب إلى الله من اللسان إذا كان صادقا ولا مضغة أبغض إلى الله تعالى منه إذا كان كذوبا»، و«من كان الصدق سبيله كان الرضا من الله تعالى جائزته»، وكانت العرب تقول: «لسان الصدق مع العسرة خير من سوء الذكر مع اليسرة».

ويعيد الكتاب أحكام القرآن الكريم وأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، الناهية عن السخرية والتنابز بالألقاب، ونحن في حاجة إليها في زماننا بعد أن أصبحت مشاعا عبر وسائل الإعلام خاصة المحطات التلفزيونية التي يقدم بعضها في بلداننا برامج تحتوي على السخرية من البشر فيما يسمى ببرامج الكاميرا الخفية، فضلا عن أن الكثير من المسلسلات والأفلام وحتى البرامج الحوارية تتضمن الانتقاص من الناس وتحقيرهم، وغير ذلك من أمور جعلت التنابز بالألقاب سمة سائدة في مدارسنا وبين شبابنا.

وثمة أبواب في كتاب المصنف تتحدث عن الهجر والاعتذار والحب والبغض ونحو ذلك، من قيم وسمات باتت منتشرة في واقعنا الإسلامي، وتتطلب إعادة إنتاجها في هذا الواقع، خاصة مع اتساع مساحات الكراهية والقطيعة والهجر، وغياب ثقافة الاعتذار إلى جانب تناولها حق الوالدين، وهي إشكالية كبرى في المجتمعات الإسلامية التي يبدو أن بعضا من أبنائها نسي أو تناسى الآية الكريمة التي يقول فيها الرحمن الرحيم «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا»، «فلا تقل لهما أف»، «وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا»، وفي هذا يقول محمد بن جعفر لابنه «إن الله تعالى رضيني لك فحذرني فتنتك ولم يرهنك لي فأوصاك بي يا بني خير الأولاد من لم يدعه البر إلى الإفراط ولم يدعه التقصير إلى العقوق»، بالطبع مثل هذه المسألة تستوجب إعمالها بكثافة ضمن خطابنا الديني ومناهجنا التعليمية وخطابنا الإعلامي؛ لأن الواقع الإسلامي زاخر بكل ما يتعارض مع هذه الأحكام التي تحافظ على البنية الاجتماعية للأسرة المسلمة.

وهكذا يمضي الكتاب في أبوابه التي تقدم منظومة متكاملة من القواعد الدينية والمرتكزات الدنيوية التي من شأنها أن تسهم في التأسيس لانطلاق حضاري للمسلم المعاصر إن طبقناها بكفاءة وإخلاص.