روضة الصائم

ضوابط وأسس اختيار الزوجة

07 يونيو 2018
07 يونيو 2018

أحكام الأسرة -

د.صالح بن سعيد الحوسني -

عقد الزواج بين الرجل والمرأة هو عقد مهم في حياة الإنسان ولذا فقد وصفه الله تعالى بالميثاق الغليظ، لأن هذا العقد يحتاج إلى شروط متعددة حتى يقوم، وكذلك فهو عقد يتصف بصفة الديمومة والبقاء من غير حاجة للتجديد، فبمجرد العقد تصبح تلك المرأة زوجا للرجل مدة الحياة، ولذا كان من المهم قبل الإقدام على اختيار النصف الآخر كثرة التأني وعدم الاستعجال وإعادة النظر حتى يتبين لكلا الزوجين مناسبة الطرف الآخر بعد إعلان الموافقة من كلا الطرفين.

وقد جاءت الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم موضحة جملة من الأسس والمعايير التي يمكن من خلالها اختيار المرأة المناسبة ومن ذلك ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وبجانب هذه المعايير المذكورة في الحديث فإن هناك جملة من المحددات التي ينبغي مراعاتها عند ارتباط الرجل بالمرأة والعكس كذلك.

والناظر في الحديث السابق يرى أن النبي الكريم يذكر جملة من الصفات التي عادة ما تُرّغب الرجل في المرأة، وأولها المال الذي هو قوام الحياة، وقد جُبلت النفوس على حبه والاستكثار منه كما في قوله تعالى: (وتحبون المال حبا جما)، وقوله تعالى: (وإنه لحب الخير لشديد)، فالمرأة الغنية تدفع بعض الناس للاقتران بها رغبة فيما عندها من مال، ولربما كان ذلك المال عونا لهما في تلبية الكثير من متطلبات الحياة المختلفة خاصة إن دفعت له شيئا من مالها؛ قال تعالى: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا). والصفة الثانية التي جاءت في الحديث الشريف هي الحسب؛ وهو أثر من آثار النسب الرفيع، وهي مأخوذة من الحساب؛ أي ما يُحسب به للإنسان من شرفه وما عنده من مفاخر ومآثر ومجد وسؤدد، وعادة ما يحب الأبناء التشبه بالآباء، وكان من عادة العرب قبل الإسلام المفاخرة بالآباء والأجداد وذكر مناقبهم ومحاسنهم، وجاءت بعض الأحاديث تؤكد هذا المعنى، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم»، وقال أحد الحكماء: إذا أردت أن تتزوج فانظر إلى خالها وعمها، وانظر إلى أبيها وأخيها، فإنها سوف تأتيك بأحدهما، وهذا في غالب الأحوال فقد يكون الأمر بخلاف ذلك.

والصفة الثالثة التي ذكرها الحديث والتي تُرغب الرجل في المرأة هي الجمال، ومن هنا حث الشرع على مريد الزواج أن ينظر للمرأة قبل زواجه بها، كما في حديث عن المغيرة بن شعبة لما أراد أن يتزوج امرأة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام: «اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما»، لأن الجمال مطلب فطري لدى الجميع، وبهذا الجمال يستطيع الرجل أن يحصن نفسه، ويملأ قلبه بزوجه ويصد نفسه عن الحرام، وكذا الحال بالمرأة.

والجمال رغم أهميته إلا أنه أمر يتفاوت من شخص لآخر، فما قد يراه البعض جمالا يراه البعض الآخر قبحا وهكذا؛ وهذا من رحمة الله تعالى بعباده إذ لو كان المعيار واحدا يتفق عليه كل الناس لوقع بينهم الشجار بل ويتعدى ذلك للاقتتال في سبيل الوصول إلى ذلك المعيار المشترك، وهو ما يعني الوقوع في الحرج العظيم، ومن جانب آخر يقع إهمال غير الجميلة التي لا تتصف بصفات المرأة الجميلة.

ومما وجب الإرشاد إليه أن الخاطب إن كان جُلّ همه البحث عن الجمال من غير نظر في خلق أو دين فمآل ذلك فساد وخراب، وفي الحديث «إياكم وخضراء الدمن، فقيل: يا رسول الله، وما خضراء الدمن، قال: المرأة الحسناء في منبت السوء»، فكم من رجل اغتر بجمال المرأة ولما تزوجها اكتشف أنها عديمة الخلق والدين فصيرت حياته تعاسة وجحيما لا يطاق.

والمعيار الذي أوصى به النبي الكريم في حديثه السابق هو الدين؛ الذي هو مصدر كل سعادة، وأساس كل فلاح ورشاد، وهو منبع الفضائل والأخلاق الراقية والصفات الحسنة الرائقة، فإن وجد الدين متمثلا في خلق الوالدين أثمر ذلك في الأبناء، وتخلق الأبناء بخلق الآباء، وسار اللاحق على خطى السابق.

وبجانب هذه الصفات لا بد من التوافق بين الزوجين في جملة من المعايير من أهمها القيم والمبادئ، والاتجاهات، والطبيعة والمزاج، والأعراف والعادات، وغيرها، ويدخل في ذلك التقارب الفكري والعلمي بين الزوجين، وأيضا التقارب في السن قدر الإمكان، وكل ذلك يتضح بالسؤال عن شريك الحياة، ومما يرغب الرجل في المرأة أكثر كون المرأة بكرا لم يسبق لها الزواج، وهو ادعى لطاعة الزوج والتفاني في خدمته.