أفكار وآراء

الخطة «ب» الأمريكية غــــير عملية !!

06 يونيو 2018
06 يونيو 2018

آرون ديفيد ميلر وريتشارد سوكولوسكي - يو إس أيه توداي -

ترجـــــمة: قاســــــم مكـــــــي -

في الفيلم الإعلامي الساخر (الشبكة)، يصرخ على الهواء مباشرة وبأعلى صوته مذيع الربط هاوارد بيل الذي فقد توازنه النفسي وهو يواجه إنهاء خدمته (التلفزيونية) «لقد جن جنوني. كفاية. لم أعد أحتمل المزيد من هذا». وفي حديثه يوم الاثنين (21 مايو) عن استراتيجية الرئيس ترامب «الجديدة» تجاه إيران بدا أن وزير الخارجية مايك بومبيو يتقمص (يستنسخ روح) هاوارد بيل. فقد تحدث عن سلسلة من «الكفايات» من شاكلة «كفاية» تكديس الثروة لمصلحة قطاعات محددة من الإيرانيين «وكفاية» إطلاق الهجمات الصاروخية على هضبة الجولان وسواها «وكفاية» التمدد المجاني للنفوذ الإيراني. المحصلة النهائية التي خرجنا بها من حديثه هي أنه رسم مطالب خيالية من المؤكد تقريبا أن ترفضها إيران ولا تملك الإدارة الأمريكية القدرة على تحقيقها. أدناه ملاحظاتنا حول حديث بومبيو:

أولا: طغيان الأقوال على الأفعال. حديث بومبيو مَثلَه مَثَل العديد من مبادرات الإدارة الأمريكية طغت فيه اللغة البلاغية على البيان المحدد والواضح. ففي «أمريكا ترامب» يعلى الرئيس من سقف الطموحاتٍ مثل إشاراته إلى «أفضل الصفقات إطلاقا» للسلام الفلسطيني الإسرائيلي وأيضا «نزع التسلح النووي التام الذي لا يمكن العودة عنه والقابل للتحقق في كوريا الشمالية». لكن الإدارة الأمريكية تجهل كيفية تحقيق هذه الأهداف لأنها أهداف غير واقعية. لقد تلى بومبيو سلسلة مطولة من الأنشطة (الإيرانية) الضارة - حسب رأيه - لكنه لخص كيفية التصدي لها في قائمة قصيرة نسبيا من الخطوات التي يلزم اتخاذها. هنالك خطة مفصلة للضغط على الحكم الإيراني اقتصاديا وماليا لكنه لا يقدم شيئا حول كيفية منع إيران من «تمددها الإقليمي». ثانيا، لا جدال في أن حديث بومبيو كان دعوة إلى التغيير. من الممكن أن تلحق الولايات المتحدة ضررا اقتصاديا بليغا بإيران. لكن الاعتقاد بأنه يمكنها إخضاع النظام أو التحريض على تحرك جماهيري وشعبي ضده، ينطوي على قدر كبير من التفكير السحري. فالحكومة على استعداد لمطالبة الشعب بتحمل المزيد من المعاناة كما يمكنها السيطرة على الشارع. كيف يمكن أن يكون رد فعل الإدارة الأمريكية إذا اندلعت ثورة خضراء جديدة. الأرجح أنها سترد بالدعم المعنوي وليس المادي للتحريض على الثورة. وهو ما يؤكد مرة أخرى أن الإدارة الأمريكية، كما حدث في تعاملاتها مع بلدان أخرى، نمر من ورق.

ثالثا: دعا بومبيو البلدان الأخرى إلى مساندة الحرب الاقتصادية على إيران. قد يحصل على المساعدة من بعض حلفاء أمريكا في المنطقة مثل إسرائيل وسواها والذين يسعدهم أن يجرجروا الولايات المتحدة إلى خوض معاركهم ضد إيران لكن ليس لديهم الكثير الذي يمكن أن يساهموا به في هذه الحملة. لم يذكر بومبيو في حديثه، لسبب وجيه، الصين أو أوروبا أو روسيا والتي ستتعامل مع أي تغيير وكأنه بلاء. يمكن لإدارة ترامب بل من المحتمل أن تحاول استخدام نفوذها الاقتصادي لإكراه الحلفاء الأوروبيين على التعاون، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى شرخ كبير آخر في العلاقة عبر الأطلسية. لكن لدى روسيا والصين خيارات في مواصلة التجارة والاستثمار في إيران مما يخفف من أثر العقوبات.

رابعا: أين اللحم في شطيرة الهامبورجر؟ الكلام سهل. والرئيس ترامب يجيد لغة العنتريات لكن حين يثور النقع ينكص على عقبيه. لقد أكد بومبيو على هدف الإدارة الأمريكية في احتواء وتقليص نفوذ إيران ووجودها العسكري في أرجاء المنطقة. لكنه لم يقدم أية استراتيجية شاملة ومستدامة لتحقيقه ولم يكن لديه شيء ليقوله حول الكيفية التي سترد بها الولايات المتحدة حين تلجأ إيران، بدلا عن الإذعان، إلى مقاومة هذه الجهود بقدرات ليست هينة وحلفاء حول المنطقة. وإذا اتبعت الولايات المتحدة خطة بومبيو بالفعل فلن تعد هذه الخطة سوى بالمزيد من التوتر وعدم الاستقرار والصراع في أرجاء المنطقة، وربما بحرب أمريكية مع إيران.

خامسا: سياسة وليس خطة سياسية. وأخيرا، تكشف استراتيجية ما بعد اتفاق إيران (الخطة ب) عن انتصار (وعود) الحملة الانتخابية والسياسة الداخلية على سياسة الأمن القومي الحصيفة. فسواء تعلق الأمر بالانسحاب من شراكة عبر المحيط الهادي في التجارة واتفاقية باريس للمناخ أو فرض حظر على السفر إلى الولايات المتحدة أو وضع رسوم جمركية على صادرات الحلفاء الفولاذ والألومنيوم أو التخلي عن الاتفاق النووي مع إيران، يبدو أن إدارة ترامب حاذقة في الإتيان بحلول لمشاكل لا تعاني منها أمريكا والإضرار بالمصلحة الوطنية وفاء لوعود الحملة الانتخابية وإظهار أن ترامب ليس أوباما. لقد اشتهر عن دوايت آيزنهاور الذي خطط ونظم غزو الحلفاء لأوروبا في الحرب العالمية الثانية قوله «في الإعداد للمعركة دائما ما وجدت أن الخطط غير مفيدة لكن التخطيط لا غنى عنه». وعما قريب سيتضح أن خطة بومبيو لاتساوي الورقة التي كتبت عليها. وستعود إلى طاولة التخطيط لإحلالها بالخطة (ج)

  • الكاتبان ميلر نائب رئيس مركز وودرو ويلسون للعلماء ومستشار سابق بوزارة الخارجية الأمريكية ومفاوض في الشرق الأوسط ومؤلف كتاب بعنوان «نهاية العظمة: لماذا لا يمكن أن يكون لأمريكا (ولا تريد) رئيسا عظيما آخر» وسوكولوسكي زميل أول بوقف كارنيجي للسلم العالمي وعمل بوزارة الخارجية لمدة 37 عاما.