أفكار وآراء

أوبك.. هل تتراجع عن سياسة الحد من الإنتاج؟

06 يونيو 2018
06 يونيو 2018

عبد العزيز محمود -

كل الشواهد تقول إن الاجتماع الـ١٧٤ لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) والمقرر عقده في فيينا بالنمسا يوم ٢٢ يونيو الجاري لن يكون عاديا، فأعضاء المنظمة (١٤ دولة) الذين يضخون ٤٤٪ من الإنتاج العالمي ويمتلكون ٧٣٪ من الاحتياطي العالمي مطالبون بإقرار زيادة في الإنتاج بمقدار مليون برميل يوميا استجابة لاقتراح سعودي روسي هدفه تهدئة مخاوف الدول المستهلكة من نقص المعروض والمخزون وارتفاع الأسعار.

وهو اقتراح سوف يثير جدلا داخل المنظمة لتعارضه مع اتفاق توصلت إليه أوبك والمنتجون المستقلون بقيادة روسيا والسلطنة، في أواخر عام ٢٠١٦ لتخفيض الإنتاج العالمي بمعدل مليون برميل يوميا، ومع دخوله حيز التنفيذ في يناير ٢٠١٧ ساهم في زيادة أسعار النفط بنسبة ٢٠٪ خلال العام الماضي.

كما أن الاقتراح يتعارض مع اتفاق آخر تم التوصل إليه في ديسمبر ٢٠١٧ بزيادة معدل تخفيض الإنتاج إلى ١.٨ مليون برميل يوميا حتى نهاية عام ٢٠١٨، مما ساهم في ارتفاع الأسعار إلى ما يقرب من 80 دولارا للبرميل في أبريل الماضي.

وهكذا من المقرر أن يجتمع أعضاء أوبك مع حلفائهم المنتجين المستقلين ومنهم روسيا والسلطنة في فيينا يوم ٢٣ يونيو الجاري لمناقشة كافة أبعاد القضية، فالزيادة المقترحة تستهدف بالدرجة الأولي تخفيف قلق الولايات المتحدة التي تحتل الترتيب الثالث في إنتاج النفط عالميا (٨.٧ مليون برميل يوميا)، من ارتفاع الأسعار إلى نحو٨٠ دولارا للبرميل، والذي تعتبره أمرا غير مقبول، ومن ثم نقص المعروض من النفط عالميا، وهو ما حاولت واشنطن تعويضه بزيادة إنتاجها من النفط الأمريكي الخام إلى ١.٤ مليون برميل في أواخر عام ٢٠١٧، مما تسبب في تراجع مخزون الخام الأمريكي المحلي إلى مستوى غير مسبوق.

والحقيقة أن نقص المعروض لم يكن نتيجة لسياسة الحد من الإنتاج، التي اتبعتها أوبك والمنتجون المستقلون، وإنما كان نتيجة لانهيار إنتاج فنزويلا من النفط في مطلع العام الجاري بنحو مليون برميل يوميا، في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية التي تواجهها حاليا.

وهكذا تراجع معدل الإنتاج العالمي بمقدار ٢.٧ مليون برميل يوميا، وهو رقم قابل للزيادة مع تراجع إمدادات نيجيريا وأنجولا، والمخاوف من تأثر إنتاج النفط الإيراني جراء العقوبات الأمريكية.

ووسط مخاوف من استنزاف قدر كبير من مخزون النفط الأمريكي، بشكل قد يهدد بتوقف شبكة الكهرباء الفيدرالية، وزيادة أسعار البنزين قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، غرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ٢٠ أبريل الماضي محذرا أوبك من الاستمرار في سياسة الحد من الإنتاج، باعتبارها السبب في ارتفاع أسعار النفط إلى مستوي لا يمكن قبوله.

صحيح أن هذا الارتفاع أنعش قطاع النفط الصخري الأمريكي، الذي نجح خلال عامين ونصف في كسب أسواق جديدة وتحقيق مكاسب، لكن استمراره يثير قلق الولايات المتحدة والدول الصناعية الأخرى، خاصة مع تراجع مخزون النفط والمعروض العالميين، وإعلان أوبك والمنتجين المستقلين أن اتفاق الحد من الإنتاج ربما يستمر خلال عام ٢٠١٩.

وأمام هذا الوضع المتأزم قررت السعودية التي تحتل الترتيب الأول في إنتاج النفط عالميا (١٠.٢ مليون برميل يوميا)، وروسيا التي تحتل الترتيب الثاني (٩.٥ مليون برميل يوميا)، التشاور حول إمكانية زيادة الإنتاج لتلبية احتياجات السوق وذلك على هامش فعاليات منتدى بطرسبرج الاقتصادي الذي عقد بموسكو في ٢٥ مايو الماضي.

وبدا واضحا أن الدول المعنية ترى أن الوقت قد حان لمراجعة سياسة الحد من الإنتاج، حفاظا على علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الصناعية، وتعويض الخسائر الناجمة عن التزامها باتفاق الحد من الإنتاج، والذي فتح المجال أمام منتجين آخرين مثل قطاع النفط الصخري الأمريكي وقطاع النفط الصيني، لتعزيز إنتاجهما وكسب حصة من السوق العالمي.

وفي تطور لاحق عقد وزراء نفط السعودية والكويت ودولة الإمارات والجزائر والسلطنة (ومعروف أن السلطنة ليست عضوا في أوبك لكنها عضو في كونسرتيوم المنتجين المستقلين) اجتماعا في الكويت يوم ٢ يونيو الجاري لمناقشة الزيادة المقترحة في الإنتاج في إطار التعامل مع متغيرات السوق.

وكان التحدي هو كيفية إقرار هذه الزيادة، التي تقدر مبدئيا بنحو مليون برميل يوميا، دون أن يشكل ذلك تراجعا عن اتفاق الحد من الإنتاج، الذي توافقت عليه ٢٢ دولة منتجة للنفط من أعضاء منظمة أوبك وشركاؤهم من المنتجين المستقلين، وهو اتفاق نجح خلال عامين ونصف العام من تطبيقه في تقليص الفجوة بين العرض والطلب، وإنعاش الأسعار التي كانت قد بلغت أدني مستوى لها في عام ٢٠١٦ (٢٥ دولارا للبرميل) لتصل إلى نحو ٨٠ دولارا للبرميل في مايو الماضي.

والمؤكد أن التراجع عن هذا الاتفاق سوف يثير جدلا داخل أوبك، وتحالف المنتجين المستقلين، وتحديدا من جانب الدول التي لا يمكنها زيادة الإنتاج بسبب العقوبات أو الأزمات السياسية والاقتصادية أو ضعف الإمكانات مثل فنزويلا وإيران ونيجيريا، والتي سوف تتأثر بالانخفاض المتوقع في الأسعار، دون أن تتمكن من تعويض ذلك بزيادة الإنتاج.

ففنزويلا التي تحتل الترتيب الحادي عشر في الإنتاج عالميا، تواجه انهيارا غير مسبوق في إنتاجها من النفط خلال النصف الأول من عام ٢٠١٨، في ظل أزمتها السياسية والاقتصادية الراهنة، مما يعني أن أي زيادة في الإنتاج العالمي، سوف تؤدي إلى تسريع انهيارها المالي بسبب تراجع العائدات مع الانخفاض المتوقع في الأسعار.

أما إيران التي تحتل الترتيب الثامن في الإنتاج العالمي، فقد تضطر إلى خفض إنتاجها بنحو مليون برميل يوميا، كما حدث بين عامي ٢٠١١ و٢٠١٦، في حال انخفض الطلب على النفط الإيراني جراء العقوبات الأمريكية.

وتواجه نيجيريا التي تحتل الترتيب ١٥ في الإنتاج العالمي، انخفاضا في إنتاجها بسبب أعمال العنف التي تستهدف صناعتها النفطية، بلغ نحو مائة ألف برميل يوميا خلال مايو الماضي.

وفي ظل هذه الأوضاع المرتبكة قد يكون من الصعب التوصل إلى توافق حول زيادة الإنتاج داخل أوبك وتحالف المنتجين المستقلين، لكن من الممكن التوصل إلى حل وسط يحقق زيادة الإنتاج، دون أن يترتب على ذلك انهيار في الأسعار.

وبعبارة أخرى يمكن تحديد الزيادة المقترحة في الإنتاج، بشكل لا يتجاوز السقف المتفق عليه للإنتاج العالمي بين أوبك والمنتجين المستقلين، والذي تم التوصل إليه في ديسمبر الماضي، مع تقسيم حصص الزيادة بين الدول الراغبة في زيادة إنتاجها، ووضع آلية لمراقبة الالتزام.

ولعل هذا ما دفع السعودية وروسيا إلى محاولة إقناع الدول المنتجة قبل اجتماع أوبك المقبل بأن الزيادة المقترحة تحقق مصالح كل الأطراف، فهي تستجيب لمطالب الولايات المتحدة والدول الصناعية الكبرى، وكارتل شركات النفط العملاقة التي تسيطر على ٨٥٪ من احتياطيات النفط في العالم (بريتش بتروليوم، وشيفرون، واكسون موبيل، ورويال داتش شل)، وكلها تدعو لزيادة الإنتاج لتعويض الانخفاض في الإنتاج العالمي، كما تتماشى في الوقت نفسه مع سياسة الحد من الإنتاج التي توافقت عليها الدول المنتجة.

كما شاركت الإمارات التي تتولي رئاسة أوبك خلال عام ٢٠١٨ في هذه العملية عبر التأكيد على أن الزيادة المقترحة لا تعني التراجع عن اتفاق الحد من الإنتاج، حيث سيتم الاحتفاظ بسقف للإنتاج الكلي، لكنها سوف تتضمن تخفيف القيود المفروضة على المنتجين القادرين علي زيادة الإنتاج، لتعويض النقص في المعروض العالمي.

وفي حالة عدم التوصل إلى توافق، لوحت السعودية وروسيا بأنهما ستمضيان منفردتين أو مع دول أخري في زيادة الإنتاج، مما سيؤدي لتراجع جديد في أسعار النفط، التي سجلت انخفاضا بلغ ٤.٥٪ خلال الأسبوع الأول من يونيو الجاري، فيما شكل أكبر انخفاض من نوعه خلال عام.

ويظل السؤال مطروحا هل تتوافق أوبك والمنتجين المستقلين على الزيادة المقترحة في الإنتاج، أم يتكرر ما حدث في يونيو ٢٠١١ حين فشلت أوبك في الاتفاق علي اقتراح مماثل بعد معارضة إيران والعراق وفنزويلا والإكوادور؟