أفكار وآراء

هل الأمم المتحدة في مهب الريح ؟!

05 يونيو 2018
05 يونيو 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

منذ قيام الأمم المتحدة عام 1945 وإقرار ميثاقها في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية وهي تحمل رسالة ميثاقها الذي يختص بمعالجة القضايا الدولية والحروب والنزاعات المسلحة لتفادي أهوال الحربين العالميتين الأولى والثانية والتي دمرت أجزاء من العالم وخسر العالم أكثر من خمسين مليون إنسان.

ورغم أن مجلس الأمن الدولي ضم الدول المنتصرة في الحرب علاوة على انضمام الصين لاحقا ، إلا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة ضمت صوت الدول النامية والتي كأن الكثير منها يرزح تحت نيران الاستعمار خاصة في آسيا وإفريقيا والى حد ما أمريكا اللاتينية، ومن هنا كانت حيوية الأمم المتحدة السياسية نشطة بعد أن كونت تلك الدول النامية مجموعة الـ 77 والتي كانت تطويرا لحركة عدم الانحياز ، التي ولدت في مدينة باندونج عام 1955 من قبل الرؤساء عبد الناصر وتيتو ونهرو.

كانت منظمة الأمم المتحدة ذات فعالية واضحة وكان لها دور مع حركة عدم الانحياز في إنهاء الاستعمار وتشجيع حركات التحرر الوطني في إفريقيا والتي كانت آخرها في جنوب افريقيا حيث الفصل العنصري البغيض والذي انتهى الى ظهور جنوب افريقيا مستقله بقيادة نيلسون مانديلا علاوة على بقية الدول الأخرى في القارات الثلاث.

وقد شهدت السنوات الأخيرة انحسارا واضحا لدور الأمم المتحدة وبدأ الصراع على النفوذ من قبل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن خاصة الولايات المتحدة.

واشنطن والمقر الدائم

من الأحداث النادرة في تاريخ الأمم المتحدة هو نقل أحد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الى سويسرا بسبب رفض الولايات المتحدة إعطاء تأشيرات لبعض الوفود المشاركة ، التي لها عداء مع واشنطن وهنا تبرز مشكلة مقر الأمم المتحدة ، وهل بالإمكان النقاش مجددا لنقل مقر المنظمة الدولية من نيويورك الى جنيف أو فيينا حيث تعد سويسرا والنمسا من الدول الأكثر حيادا في العالم ؟

ولاشك أن الحديث عن مسألة نقل المقر يأتي بسبب السلوك الدبلوماسي الامريكي سواء في مجلس الأمن مؤخرا ، أو حتى في الجمعية العامة للأمم المتحدة خاصة وأن الموضوع يخص القضية الفلسطينية ، وأيضا في ظل وجود المندوبة الامريكية لدى الأمم المتحدة ، الدبلوماسية المتشددة نيكي هيلي.

خلال هذا الأسبوع سجلت دولة الكويت الشقيقة موقفا مشرفا ، وهي العضو غير الدائم في مجلس اللأمن الدولي ، عندما قدمت مشروعا متوازنا وموضوعيا حول أهمية استصدار قرار يدعو لحماية دولية للشعب الفلسطيني من آلة القتل الاسرائيلية التي حصدت أرواح العشرات في قطاع غزة ، وجرحت عدة آلاف ، خلال مظاهرات العودة رغم أن تلك المظاهرات سلمية ونقلتها وسائل الإعلام الدولية.

ومن الأمور المضحكة خلال مداولات مجلس الامن أن واشنطن استخدمت الفيتو ضد مشروع القرار الكويتي ، والذي حظي بتأييد عشر دول وامتناع أربع ، في حين أن المشروع الامريكي لم يحظ بتأييد المندوبة الامريكية ، وهي من المفارقات التي تعد هزيمة سياسية جديدة لواشنطن ورسالة جديدة من المجتمع الدولي ، بأن الانحياز السافر للولايات المتحدة مع الكيان الاسرائيلي أصبح مفضوحا من قبل حتى حلفاء واشنطن من الدول الغربية . وحتى كندا ومن هنا يأتي السؤال مجددا عما إذا كانت هذه الاستهانة الامريكية بميثاق الأمم المتحدة ، والإصرار على استخدام حق النقض الفيتو لتأييد الصلف الاسرائيلي ، ولمنع التنديد به ، يحتاج الى وقفة.

يبدو لي أن الولايات المتحدة بمثل هذه المواقف لم تعد طرفا يساهم لفاعلية في استقرار العالم بل إنها انحازت لإسرائيل من خلال قرارها الأحادي بنقل سفارتها في اسرائيل من تل ابيب الى مدينة القدس ، ومن هنا فإن السلوك الامريكي داخل أروقة الأمم المتحدة أصبح يلقى امتعاضا متزايدا من دول يزداد عددها في العالم.

إن السلوك السلبي الامريكي في الجمعية العامة وفي مجلس الامن هو الذي أضعف دور الأمم المتحدة حيث تريد واشنطن أن تهيمن على القرار الدولي ، ورأينا ذلك أثناء مناقشة الوضع في سوريا والتلاسن مع المندوب الروسي ، ومن هنا فإن التساؤل حول انحسار دور الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة يأتي من خلال المواقف الامريكية الى حد غير قليل ، والتي وصلت الى حد تهديد الدول الإفريقية والآسيوية ، إبان التصويت في الجمعية العامة حول موضوع قرار نقل السفارة الامريكية في اسرائيل الى القدس ، والتي كان التصويت خلالها بمثابة هزيمة دبلوماسية واضحة للولايات المتحدة .

التضامن الدولي والعرب

من خلال المتابعة لمداولات مجلس الامن ، يظهر التأييد الكبير للقضية الفلسطينية وللحقوق العادلة للشعب الفلسطيني ، ولعل كلمات المندوب البوليفي كانت شجاعة وواضحة وفضحت الممارسات الإجرامية لاسرائيل ، في قتل المدنيين في قطاع غزة ومدن الضفة الغربية ، حتى المسعفين لم يسلموا من آلة القتل الاسرائيلية حيث كانت الشهيدة الفلسطينية « رزان النجار» أبرز ضحاياها ، حيث استشهدت عندما كانت تقوم بدورها الانساني لإنقاذ المصابين من جراء آلة القتل الاسرائيلية ، وتم استهدافها بدم بارد.

المجموعة العربية في الجمعية العامة لابد أن تستثمر التأييد الكبير من دول العالم ضد سلوك اسرائيل الشائن ، وضد السياسة الامريكية المنحازة والتي تعدت القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة ، فإدارة الرئيس ترامب يبدو أن لها موقفا حيال الأمم المتحدة ، كما أنها لا تدفع المستحقات التي عليها للمنظمة الدولية ، ويبدو أن هناك استخفافا بدور الأمم المتحدة على المستوى الدولي ، حيث إن هناك أصواتا يمينية متشددة في الكونجرس والإدارة تتحدث عن مدى استفادة واشنطن من هذه المنظمة !! وقد يقوم ترامب بخطوة غير متوقعة ، كما انسحب من منظمة اليونسكو واتفاقية المناخ وايضا من الاتفاق النووي مع ايران ، وهو الآن يفرض رسوما تجارية على الدول الاوروبية والصين بسبب واردات الصلب والالمنيوم ، ممهدا لإمكانية حدوث حرب تجارية بين ضفتي الاطلنطي.

لابد من فضح إسرائيل وممارستها الرعناء وأن يتم توثيق جرائمها ضد المدنيين والتحقيق فيها من قبل المحكمة الجنائية الدولية وهو الأمر الذي تعمل عليه دولة فلسطين ولعل عقد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر القادم يكون مناسبا لتحرك دبلوماسي عربي وبالتنسيق مع الدول الاسلامية والاتحاد الإفريقي والاتحاد الآسيوي لتشكيل تكتل سياسي يعيد للأذهان قوة وهيبة حركة عدم الانحياز قبل عقود .

انحسار دور الأمم المتحدة

من الواضح أن هناك حربا أمريكية ضد القضية الفلسطينية ، من جانب إدارة ترامب ، والذي يساعد واشنطن في هذا الاتجاه هو الضعف العربي الذي وصل الى مستويات غير مسبوقة ، حيث الخلافات المتواصلة والحروب الاهلية والتشرذم وانحسار دور الجامعة العربية ، مما جعل واشنطن تستفيد من هذا التفكك العربي وتعمل على استدامته، حتى تبيع المزيد من صفقات السلاح وتستنزف الموارد العربية ، والتي ينبغي استغلالها لصالح التنمية و بناء الانسان العربي ولعل الأزمة الخليجية هي أحد النماذج في هذا الإطار.

ويبدو أن العرب يعملون بطريقة تزيد من أمد تلك الخصومات فيما بينهم ، ويتم استغلال ذلك من جانب واشنطن والآخرين في الغرب والشرق ورأينا أمثلة عديدة حول تنافس امريكي وروسي على بيع السلاح لدول المنطقة مما يعطي الايحاء بأن واشنطن لا تريد حلا للأزمات العربية كما أن العرب يعتقدون أن واشنطن سوف تنتصر لهم وهذا تحليل بعيد عن الحقيقة.

الولايات المتحدة تنتصر لاسرائيل ، وهذا واضح من خلال مواقفها تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة وفي ظل الضعف الواضح وانحسار دور الأمم المتحدة ، فإن الرهان بلا شك سوف يكون على الشعب الفلسطيني الذي يقدم بطولات تسجل في التاريخ في مواجهة آلة قتل لا تحترم الانسانية ولا القوانين التي تحرم قتل المدنيين ، وتبقى اسرائيل كيانا مارقا لا يعترف بالقوانين ولا الشرعية الدولية وتقف الأمم المتحدة خلال سبعة عقود عاجزة لا تستطيع حتى تطبيق قرارتها بسبب الانحياز الامريكي السافر لإسرائيل.

وإذا استمرت الأمم المتحدة بهذا الوضع ، فسوف يقتصر دورها على عمليات الإغاثة والأدوار الإنسانية ، وهي مهمة ، وحتى هذه الأخيرة فشلت فيها في فلسطين المحتلة فلم تستطع حماية الشعب الفلسطيني من آلة القتل الاسرائيلية ، ومن هنا فإن دول العالم لابد أن ترفع صوتها مطالبة بأن يتم احترام قرارات مجلس الامن ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، حتى يتم تفويت الفرصة على أية محاولات لتصفية القضية الفلسطينية . ورغم كل هذا الانحياز ضد الفلسطينيين ، فإن القضية الفلسطينية سوف تبقى صامدة بفعل النضال والكفاح من جانب الشعب الفلسطيني ، ووقوف الأحرار في العالم مع هذه القضية المهمة ، وإذا لم تتخذ دول العالم موقفا متماسكا ضد السلوك الامريكي في الأمم المتحدة، فإن مصير هذه المنظمة قد لا يكون أفضل حالا من عصبة الأمم ، ولنا في التاريخ عبر ودروس.