Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :علاجات الطب «السلوكي» .. رهاب المجتمع

05 يونيو 2018
05 يونيو 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

لا أذهب في هذه المناقشة إلى الولوج في عمق التخصص، فهذا أمره متروك للمتخصصين في تفاصيله الدقيقة، وإنما أقتصر في الطرح على حالة الـ«دهشة» التي تنتاب الكثير من الناس عندما يفصح عن فلان أنه يمر بوعكة صحية نفسية، وهذه الدهشة عائدة إلى صورة نمطية معممة على أن جميع من يمر بمثل هذه الحالة؛ نتيجة لأسباب كثيرة، ليس هنا مجال مناقشتها، يصنفهم المجتمع على أنهم وبصورة مباشرة «مجانين» يجب الابتعاد عنهم، والحذر منهم، والخوف من ردة فعلهم، وأنهم الأخطر على المجتمع من الناحية الأمنية الـ«مجتمعية» ولأن المختل عقليا في نظر المجتمع لا يعي ما يقوم به من أفعال قد تكون قاسية وخطيرة على من حوله، ونتيجة لهذه الصورة النمطية التي يلبسها أبناء المجتمع على المرضى النفسيين، استغلت هذه القناعة من قبل الانتهازيين، من أبناء المجتمع ذاته، ونقلت من حالتها الطبيعية بين أحضان المجتمع، إلى حالتها الـ«مصنعة» إن تصح التسمية إلى منصات القانون، وأعني بها المحاكم، حيث انه بقدرة التصرفات المعوجة، ينتقل مرتكب الجريمة من شخص سوي يجب أن يطبق عليه القانون ليأخذ جزاءه، إلى مختل عقلي يتجاوزه القانون، إلى أن تتقادم المسألة ويعود إلى حضن المجتمع الذي برأه بفعل هذه الصورة النمطية، وهناك أعمال درامية كثيرة جسدت هذه الصورة في أنصع تجلياتها، وإن كان في واقع الناس ظلت محدودة.

الأمراض النفسية هي واحدة من الأمراض المعرض لها أي إنسان نتيجة أسباب كثيرة، لن أتحدث عن بعضها خوف الوقوع في جهل المعلومة، ويمكن للمتخصصين التعقيب على هذا الطرح لتبيان مثل هذه الأسباب؛ لأن الغالبية العظمى من أبناء المجتمع لا يعون مثل هذه الأسباب، ولا يريدون في الأساس أن يتطرقوا إليها؛ لأنها في نظر الكثيرين منهم على أنها واحدة من الـ«رهاب» الذي سوف يفتعل أسئلة كثيرة من الطرف المتلقي، ولذلك تسمع: «معقولة فلان» عنده مرض نفسي، «هل سمعت عن فلان مرقد في مستشفى الأمراض النفسية»، «اليوم بالصدفة» رأيت فلان يخرج من عيادة الطب النفسي في المستشفى» وغيرها من العبارات، التي يسأل عنها باندهاش غريب، ولذلك أتصور؛ ولست متأكدا؛ أن مسمى «عيادة الطب السلوكي» جاءت للتخفيف على الناس من ضغط التسمية المحفزة للاندهاش في مسمى «عيادة الأمراض النفسية».

أتحدث هنا؛ ولست متخصصا في أي مجال من مجالات الطب، ولكنني ومن خلال القراءات المتنوعة أميل الى الرأي الذي يرى أن كثيرا من الأمراض العضوية التي نصاب بها؛ وأقول ربما؛ أن سببها مرض نفسي، فطوال الأربع والعشرين ساعة من حياتنا اليومية نعيش ضغوطات نفسية كثيرة، تتهاوى علينا من كل حدب وصوب، بدءا من أسرنا الصغيرة، مرورا ببيئات العمل، وصولا الى أحضان المجتمع الكبير، كل هذه الجهات التي تحيط بنا، تحقننا في اليوم بمختلف الضغوطات النفسية، ولأننا لا نؤمن بالجلوس مع متخصص نفسي ليزيح عنا الكثير من هذه الأعباء النفسية، فإننا نكتنزها في أعماقنا، فتتضخم، وتتوغل في جوانبنا، فتسبب لنا الضغوط المختلفة، فينعكس ذلك كله على أجهزتنا المختلفة؛ فتحدث تداعيات الأمراض العضوية المختلفة، أليس من يسير هذه الأجهزة الصغيرة الدقيقة هي مجموعة الأعصاب المتوغلة في تفاصيل جسمنا؟

نفتقد هنا أكثر إلى التوعية بأهمية العلاجات النفسية، ونحتاج أكثر إلى ترسيخ القناعات بأن من يذهب إلى طبيب نفسي ليس «مجنونا» ومن قدر له أن يكون مراجعا إلى إحدى عيادات الطب السلوكي أن يتخلص من «عقدة» المجتمع، ويصرح بذلك عن نفسه بكل أريحية، ويشجع الآخرين الى زيارة هذه العيادات، وأن فيها أطباء رائعين، ويحيطون مرضاهم بالود والإخاء، وأنهم ليسوا وحوشا ومضطربي سلوك «كما يشاع».