روضة الصائم

لقاء متجدد: علاقات اجتماعية «1»

05 يونيو 2018
05 يونيو 2018

أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة -

ما أحوج الإنسان إلى العلاقات الاجتماعية الحسنة، التي تشد الإنسان إلى غيره من بني جنسه، على أساس متين من تقوى الله تعالى واتباع وصاياه، وأساس النجاح في هذه العلاقات العفة والترفع عن الرذيلة والفحشاء، فإن الإنسان لم يخلق هملا ولم يترك سدى يلهو ويلعب ويرتع كما يهوى، وإنما خلق ليضطلع بأمانة وينوء بتكاليف ويسير على هدى في كل ما يأتي وما يذر.

وبما أن الإسلام هو دين الفطرة، فإن أحكامه وتعاليمه جميعا قائمة على المحافظة على الفطرة الزكية وتهذيبها وتخليصها وتنقيتها مما عسى أن يشوبها من شوائب الهوى، فلذلك يبني العلاقات كلها على العفة والطهارة، فإن الله يحب المطهرين، طهارة الظاهر والباطن والروح والجسم والحس والمشاعر، فلذلك شرع أحكاما شتى تتعلق بهذه الجوانب.

ومما شرع لأجل هذا الاستئذان، فليس لإنسان أيا كان أن يندفع إلى مسكن غيره أو يرسل نظره إلى ما بداخله من غير استئذان؛ حتى تطمئن القلوب وتهدأ النفوس وتصان المشاعر والأحاسيس من أن تشاب بشائبة مما يكدر صفوها، وهو ينقسم إلى نوعين: النوع الأول: الاستئذان العام. الذي يشمل عموم طبقات الناس على اختلاف أحوالهم، فإن هذا الاستئذان لا يتقيد بوقت ولا بحالة، فهو مطلوب من الصغير والكبير والذكر والأنثى في جميع الأحوال، وهو الذي يعنيه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، فليس لأحد أن يغشى بيت غيره ولو كان جاره أو قريبه أو صديقه وحميمه إلا بهذا الاستئذان الشرعي الذي يترتب عليه الاستئناس، لأن الدخول بدونه لا يتبعه إلا الاستيحاش سواء من الداخل أو المدخول عليه. أما الداخل: فإن الشعور بالوحشة يسري في نفسه بإحساسه أنه آذى وأزعج أهل الدار، بدخوله عليهم واطلاعه بدون إذنهم على ما يحرصون على ستره عن الأعين، فإن للبيوت عورات يجب أن تستر وتصان. وأما المدخول عليه: فإن الوحشة تسري في نفسه بهذا الدخول المفاجئ، وكثيرا ما ينحرج باطلاع الداخل على ما يخبئه من أسرار بيته وخصوصيات أسرته.