روضة الصائم

سوء الظن من الكبائر والإسلام رغب في حسن الظن

05 يونيو 2018
05 يونيو 2018

نقائص إنسانية عالجها الإسلام -

القاهرة: محمد إسماعيل -

منذ أن خلق المولي - عز وجل - الأرض ومن عليها ظهرت معه مجموعة من النقائص الإنسانية التي مثلت بمرور الوقت مجموعة من الآفات القلبية والسلوكية التي تهدد المجتمعات المختلفة، ورغم أن كل الأديان السماوية وحتى الحضارات الإنسانية حاولت التعامل مع هذه النقائص وتهذيبها إلا أن معظمها ظل به تصور واضح هو في عدم طرحها للبدائل أو سبل العلاج إلا الإسلام، فقد جاء فياضا بالخير صداعا بالحق طافحا بالخلق الكريم، وقد أتي مناسبا لكل الأمم، مجتازا حدود الزمان والمكان، ليكون حلا لكل الأمراض القلبية والسلوكية. فهو قبل أن يحرم أو ينهي عن شيء وضع البديل له وبين للمسلمين كيفية علاجه؟! وإن الناظر في هذا الدين العظيم ليعرف حق المعرفة أنه وجد للبشرية جمعاء، ولا حياة كريمة لها بدونه... وعلى مدى أيام شهر رمضان المبارك نرصد النقائص الإنسانية وطريقة عالجها في ضوء القرآن والسنة.

يذكر الدكتور سعيد عبد العظيم في كتاب «خلق المسلم»، أن من أخطر النقائص التي تعتري النفس الإنسانية وتدمر صاحبها سوء الظن، والذي صنفه علماء الإسلام من الكبائر الباطنة، ومما يذم به العبد أعظم مما يذم على الزنا والسرقة وشرب الخمر، فقد يدفع إلى احتقار المسلم وعدم القيام بحقوقه، والتواني في إكرامه وإطالة اللسان في عرضه، وكل هذه مهلكات، وشأن المؤمن أن للناس المعاذير وذلك لسلامة باطنه، أما المنافق المتصف بنقيصة سوء الظن فهو الذي يطلب العيوب والزلات لخبث باطنه، وقد يسيئ العبد الظن بربه، وهذه أيضا كبيرة، بل هي أبلغ في الذنب من اليأس والقنوط لتجويزه على الله تعالي أشياء لا تليق بكرمه وجوده.

وأشار ابن القيم الجوزية -رحمه الله- في كتاب « مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين»، إلي أن أكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم فقل من يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته، وهو موجب حكمته وحمده، فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا، وليتب إلى الله تعالي ويستغفره من ظنه بربه ظن السوء، ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تعنتا على القدر، وملامة له. وقال سفيان الثوري: «الظن ظنان: ظن إثم، وظن ليس بإثم. فأما الذي هو إثم: فالذي يظن ظنا ويتكلم به، والذي ليس بإثم: فالذي يظن، ولا يتكلم به، والظن في كثير من الأمور مذموم، ولهذا قال تعالي: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا . إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا . إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)، (سورة يونس الآية: 36)، وأيضا قال الحق سبحانه وتعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)، (سورة الحجرات الآية:12).

وقال ابن قدامة: «فليس لك أن تظن بالمسلم شرا، إلا إذا انكشف أمر لا يحتمل التأويل». وبالتالي فالظن المحرم هو سوء الظن بالله تعالى، وسوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة، أما الظن المباح، فهو الذي يعرض في قلب المسلم في أخيه بسبب ما يوجب الريبة. وهذا الظن لا يحقق بمعنى لا يحكم به، ولا تجعله حقيقة.

وقد ذكر القرآن سوء الظن في مواضع كثيرة، فقال الله سبحانه وتعالي: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)، (سورة البقرة الآية: 78)، وقال سبحانه عن صاحب الجنتين: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا)، (سورة الكهف الآية: 35)، وقالت عاد لنبيهم هود: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)، (سورة الأعراف الآية: 66). إن الإسلام دين يدعو إلى حسن الظن بالناس والابتعاد كل البعد عن سوء الظن بهم، لأن سرائر الناس ودواخلهم لا يعلمها إلا الله تعالى وحده، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله علية وسلم-، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا». (أخرجه أحمد والبُخاري). فسوء الظن يؤدي إلى الخصومات والعداوات، وتقطع الصلات، قال تعالى: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا.) «سورة النجم الآية: 28».

يقول الإمام الغزالي -رحمه الله- في كتاب «إحياء علوم الدين»: كلامًا نفيسًا: «اعلم أن سوء الظن حرام مثل سوء القول فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير، فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن بأخيك.... «إلى أن يقول».. وسبب تحريم سوء الظن أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءًا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل فعند ذلك لا يمكنك ألا تعتقد ما علمته وشاهدته وما لم تشاهده بعينك ولم تسمعه بإذنك ثم وقع في قلبك فإنما الشيطان يلقيه إليك فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق».

وليس هناك أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من فضيلة حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد. إن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع، فلا تحمل الصدور غلاًّ ولا حقدًا، امتثالاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا...». وإذا كان أبناء المجتمع بهذه الصورة المشرقة فإن أعداءهم لا يطمعون فيهم أبدًا، ولن يستطيعوا أن يتبعوا معهم سياستهم المعروفة: فرِّق تَسُد ؛ لأن القلوب متآلفة، والنفوس صافية. وفى كتب التراث اهتمام بهذا الجانب العظيم من أخلاقيات الإسلام فقد كتب على بن محمد المصري كتاباً سماه (الأكياس في حسن الظن بالناس) وهو من أنفع الكتب في مجاله. قال رحمه الله: (أول وصية عليكم أيها الإخوان بحسن الظن بالمسلمين ما استطعتم) أي الزموا حسن الظن بالمسلمين فإنه باب من أبواب الخير. فقد روى أبو داود وحسنه عن أبى هريرة رضى الله عنهما: «حسن الظن من حسن العبادة»، وفي رواية: «من حسن عبادة المرء حسن ظنه». وأقوال السلف والخلف في مدح حسن الظن والحث عليه كثيرة: وكان الإمام الشافعي رحمه الله يقول: «من أحب أن يختم له بخير فليحسن الظن بالناس».