1352878
1352878
روضة الصائم

العامري: دواعي التأجيلات لا بد أن تأخذ الطابع القانوني.. والتأخيــــــر في بعض القضايا له ما يبرره

05 يونيو 2018
05 يونيو 2018

الأهداف السامية للقضاء تحقيق العدالة الناجزة بين الخصوم بدقة وجودة في الأحكام وسرعة الوقت -

أجرى اللقاء:  سالم بن حمدان الحسيني -

أكد فضيلة الشيخ الدكتور ثاني بن سالم بن مبارك العامري قاضي محكمة استئناف ورئيس الإدارة العامة للمحاكم أن الأهداف السامية للقضاء هو تحقيق العدالة الناجزة بين الخصوم بدقة وجودة في الأحكام وسرعة في الوقت، وأن المنظومة القضائية في السلطنة تبذل قصارى جهدها في سبيل تحقيق ذلك الهدف. موضحا أن التأخير في الفصل في بعض الدعاوى له ما يبرره حيث أن عملية التقاضي مؤطرة بمجموعة من الإجراءات القانونية المحددة لضمان العدالة وسلامة مجرياتها. مؤكدا أن درجات التقاضي الثلاث تصب في صالح تحقيق العدالة، وصونها من احتمالية الخطأ، الأمر الذي يكون معه الحكم الصادر عنها أولى وأدعى للقبول وأذعن للتنفيذ.

مضيفا إلى إن النفس الإنسانية تتوق للتعرض لنفحات هذا الشهر الفضيل ولذلك فلا بد للقاضي من إتقان الأدوات التي تجعله يُحكم الموازنة بين ما أنيط به من مسؤوليات الفصل في مختلف الدعاوى وبين حاجته إلى نفحات هذا الشهر الفضيل، من خلال تنظيم الوقت وإعداد خطة أولويات بالمهام والواجبات وتقديم الأهم قبل المهم حتى لا يفوت فرصة هذا الشهر الفضيل.. المزيد من ذلك نجده في الجزء الثاني من الحوار التالي الذي خص به فضيلته روضة الصائم .

■ ما هي الغاية من جعل التقاضي على درجات ثلاث دون الاكتفاء بدرجة واحدة؟ وهل من دلالة معينة في ذلك ارتضاها المشرع؟ حالة كون أنه قد يقال بأن في ذلك إطالة لأمد النزاع؟

إن العدل والأمن في أي وطن من الأوطان يٌعد من أهم الركائز التي يمكن أن تكون مقياس التقدم الحضاري والبشري لذلك الوطن، وبلا شك أن الحكم القضائي كلما تعاقب عليه عدد أكبر من القضاة كان أدعى للثقة والقبول من قبل الخصوم، فهو يوجد طمأنينة بالنفس ورضا به وانقياد لتنفيذه، ذلك أن الحكم وفي مرحلة نظر الدعوى من قبل المحكمة الابتدائية يبتدئ بتصور لتفاصيل الواقعة، ثم يتبعه اجتهاد واستفراغ للوسع من قبل القاضي، وذلك من خلال ما عسى أن يقدم من مستندات أو تقارير أو حجج أخرى، وما يقال أثناء المرافعة ، ثم إنزال النصوص القانونية على تلكم الواقعة تحليلا واستنتاجا، وصولا إلى منطوق الحكم، وهذا الاجتهاد لا يخلو من أحد أمرين إما أن يصيب أو أن يخطئ، وتحريا للدقة في طلب الصواب وتقليلا من نسبة الخطأ، تأتي الدرجة الثانية من درجات التقاضي ألا وهي درجة الاستئناف، وهي محكمة موضوع كذلك فتنظر النزاع من جديد مستعرضة تفاصيله وأدلته على النحو المقرر قانونا، ولها في ذات الشأن إما أن تؤيد الحكم المستأنف أو تعدله أو تلغيه بحسب ما تصل إليه هيئة المحكمة المكونة من ثلاثة قضاة من قناعة وطمأنينة استنادا إلى ما ينتهي إليه الدليل الواضح في ذلك، ولكون عملية التقاضي مؤطرة بمجموعة من الإجراءات القانونية المحددة وذلك لضمان العدالة وسلامة مجرياتها، يأتي دور المحكمة العليا وهو الرقابة على مدى الالتزام بتطبيق الإجراءات القانونية المقررة خلال كافة المراحل التي مرت عليها الدعوى.

ومن مجمل ما تقدم يتبين أن درجات التقاضي الثلاث إنما تصب في صالح تحقيق العدالة، وصونها من احتمالية الخطأ ولو بنسبة ضئيلة، فيكون مجموع القضاة الذين نظروا الدعوى تسعة قضاة على أقل تقدير- خلال درجاتها الثلاث وكما جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، الأمر الذي يكون معه الحكم الصادر عنها أولى وأدعى للقبول وأذعن للتنفيذ كما تقدم.

■ هل من ضوابط قانونية معينة لاستئناف الأحكام الصادرة من محكمة أول درجة، وما هي الأحوال التي يمكن لمحكمة الاستئناف أن تقضي بإلغاء الحكم وإعادة الدعوى الى محكمة أول درجة؟

إن الاستئناف وكما هو مقرر قانونا ينقل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بالنسبة إلى ما رفع عنه الاستئناف فقط، وبالتالي نظر محكمة الاستئناف يمتد ليشمل الاستئناف المقدم إليها من ناحيتين اثنتين، الأولى: من ناحية الشكل، والثانية: من ناحية الموضوع، ولا تصير إلى الناحية الثانية ما لم تتحقق من اكتمال الشكل، ومن ذلك أن تكون محكمة الاستئناف مختصة بنظر الاستئناف، وأن يكون الاستئناف مقدم من ذوي الشأن أو بموجب وكالة معتمدة وبالإجراءات المقررة قانونا لقيد الطعن بالاستئناف، وأن يكون الاستئناف قد قيد خلال الميعاد الزمني المحدد قانونا، وأن لا يكون الحكم المستأنف انتهائيا باستثناء ما هو مقرر قانونا من ذلك.

أما فيما يتعلق بقضاء محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم وإعادته الى المحكمة التي أصدرته، فإنه ومن المقرر قانون أن محكمة الاستئناف محكمة موضوع، وبالتالي فإنها لا تعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة بعد انتهائها الى إلغاء الحكم إلا في حالات بعينها حددها القانون، ومن ذلك اذا كان الحكم المستأنف صادرا بعدم الاختصاص أو بقبول دفع فرعي ترتب عليه منع السير في الدعوى.

■ ما هي المدد والآجال التي يمكن خلالها استئناف الأحكام؟ وهل يمكن استئناف الحكم أكثر من مرة في الدعوى الواحدة؟

تختلف المدد المقررة قانونا للاستئناف خلالها، وذلك بحسب نوعية الدعوى المستأنفة، حيث إن المدة المقررة قانونا لاستئناف الأحكام الصادرة في مسائل الأحوال الشخصية تكون خلال خمسة عشر يوما من اليوم التالي لصدور الحكم على تفصيل فيما يتعلق بالحكم الغيابي والحضوري، أما ميعاد استئناف الأحكام الصادرة في الدعاوى المدنية والتجارية والعمالية ونحوها فيكون ثلاثون يوما في الدعاوى العادية وخمسة عشر يوما في المواد المستعجلة، وخمسون يوما بالنسبة الى المدعي العام عندما يكون خصما في الدعاوى المشار إليها أو يجوز قانونا تدخله فيها، أما الأحكام الصادرة في الدعاوى الجزائية فيجوز استئنافها من قبل المحكوم عليه أو المدعي بالحق المدني أو المسؤول عنه خلال مدة وقدرها ثلاثون يوما من تاريخ النطق بالحكم إذا كان حضوريا أو صادرا المعارضة ومن تاريخ صيرورته غير قابل للمعارضة إذا كان غيابيا، أما الادعاء العام فيجوز له الاستئناف خلال مدة وقدرها خمسة وأربعون يوما.

أما عن عدد المرات التي يمكن فيها استئناف الحكم في الدعوى الواحدة، فإنه ومن المقرر قانونا أن ذات الحكم لا يجوز استئنافه سوى مرة واحدة، ولأجل ذلك فقد أناط القانون بالمحكمة من تلقاء ذاتها أن تتصدى للدفع بعدم جواز نظر الاستئناف لسبق الفصل فيه، وذلك في حالة استئناف حكم سبق استئنافه والبت فيه، إلا اللهم إن كانت محكمة الاستئناف قد قضت سابقا بإلغاء الحكم وإعادته إلى محكمة أول درجة لتحكم فيه من جديد، فعندها يسوغ الاستئناف في ذلك.

■ هل من آثار قانونية تترتب على عدم حضور المستأنف لجلسات الاستئناف بعد إعلانه بالموعد؟

من المقرر قانونا بموجب نص المادة (230) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية أنه تسري على الاستئناف القواعد المقررة أمام محكمة الدرجة الأولى سواء فيما يتعلق بالإجراءات أو بالأحكام ما لم ينص القانون على غير ذلك، وبالتالي فتخلف المستأنف عن الحضور مع تحقق إعلانه وفق صحيح القانون إعلانا تنعقد به الخصومة فإن مقتضى ذلك لا يخلو من أحوال منها: تخلف المستأنف والمستأنف ضده وهنا تحكم المحكمة في الاستئناف اذا كانت الدعوى صالحة للحكم فيها، وإلا قررت شطبها، فإن بقيت مشطوبة ستين يوما ولم يطلب أحد الخصوم السير فيها او لم يحضر الطرفان بعد السير فيها اعتبر الاستئناف كأن لم يكن. وإذا لم يحضر المستأنف في الدعاوى الجزائية وكان قد أعلن إعلانا شخصيا ولم يقدم ثمة عذر مقبول فلها أن تنظر الاستئناف في غيبته ويعتبر الحكم الصادر بمثابة الحكم الحضوري.

■ لعل البعض يشير الى تأخر الفصل في بعض الدعاوى وأخذها الوقت الطويل حتى تصدر الأحكام بشأنها، فهل من سبل لتذليل تلك الإشكالية بما يكفل سرعة البت في الدعاوى خلال مدة زمنية معينة؟

بلا شك أن من الأهداف السامية للقضاء هو تحقيق العدالة الناجزة بين الخصوم بدقة وجودة في الأحكام وسرعة في الوقت، وبلا شك أن المنظومة القضائية في السلطنة تسهر دون كلل أو ملل، وتبذل قصارى جهدها في سبيل تحقيق ذلك الهدف، مستعينة بعد توفيق الله بالأساليب التقنية الحديثة، والتي كان لها الإسهام الواضح في دفع عجلة التقدم الحضاري قدما في مختلف المجالات، واختزال الجهود والأوقات الثمينة، بما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع.

وحقيقة أنه لا يمكن وصف الأحكام جزافا بالتأخير، ذلك أن هنالك بعض الدعاوى التي تحتاج فعلا إلى الوقت الكافي للوصول فيها إلى جلسة المرافعة الختامية، وتفصيل ذلك لا يمكن إدراكه من قبل الشخص العادي، ذلك أن دواعي التأجيلات لا بد وأن تأخذ الطابع القانوني، وأنها تعين للوصول إلى الحقيقة في أي نزاع، ومن ذلك الاستعانة بالخبراء المتخصصين مثلا، كما أن للإجراءات والمواعيد المنصوص عليها قانونا دورا في تلك التأجيلات، ومع كل ذلك فلا بد أن يُنظر الى كل دعوى على حِده من كافة جوانبها وظروفها وملابساتها، وبلا شك أن التقنية الحديثة وكما سبق الإشارة إليه ستكون عاملا مهما في متابعة سير الدعاوى وإنجازها خلال الوقت المناسب مع الحفاظ على دقة الأحكام وجودة صياغتها.

■ تتوق نفس المسلم في أيام وليالي شهر رمضان الفضيل إلى أن تسمو إلى أعلى مراتب التقرب إلى خالقها بحيث يستغل وقته الاستغلال الأمثل ليعطي الجانب الروحي الاهتمام الأكبر.. كيف يوفق القاضي بين عمله الذي يأخذ كل وقته وفكره من أجل الفصل في قضايا الناس وبين ما تتجاذبه نفسه نحو هذا السمو المنشود؟

يقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، إن شهر رمضان ميدان من ميادين المنافسة بين عباد الله المتقين، وذلك من خلال العناية البالغة بالمفروضات والسنن، واكتناف كتاب الله عز وجل تلاوة وحفظا أكثر من أي وقت آخر، والاهتمام بالطاعات وسائر القربات من إنفاق وبر وصلة أرحام وغيرها مما يقرب إلى الله زلفى، وبلا شك أن القاضي كغيره يحتاج إلى فسحة إيمانية تعزز إمكانياته الوجدانية وقدراته الفكرية ومبادئه العقدية، وتعينه على حمل الأمانة العظيمة التي ابتلي بها، وأداء الرسالة التي التزم بأدائها على الوجه الأكمل، كيف لا ومبتغاه العدالة الناجزة، والحقيقة التي يدعيها جميع الخصوم، وتركم أمامه مختلف البينات والأدلة والحجج والبراهين، ويجد نصب عينيه قول الحق تبارك وتعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (فأولئك هم الظالمون) (فأولئك هم الفاسقون)، لحري بمن تلقى هذا الوعيد الشديد أن يمنح نفسه المساحة الكافية لصفاء الذهن، وتجديد الفكر، ومحاسبة النفس، ولا أنسب من فرصة لتحقيق ذلك كالظلال الوارفة لشهر رمضان الكريم والتعرض لنفحاته الوجدانية، والتزود من إيمانيات هذا الشهر بما يمكن معه مواصلة المسير، وإرضاء الضمير بعد الله عز وجل.

وحقيقة أنه لا بد للقاضي من إتقان الأدوات التي تجعله يُحكم الموازنة بين ما أنيط به من مسؤوليات الفصل في مختلف الدعاوى (المدنية والشرعية والجزائية والتجارية والعمالية وغيرها) والتي لا يكون الحكم فيها إلا فرع عن التصور الكامل والتام للواقعة، وبين حاجته الملحة إلى نفحات هذا الشهر الفضيل، إذ تنظيم الوقت بين هذا وذاك وإعداد خطة أولويات بالمهام والواجبات وتقديم الأهم قبل المهم كل ذلك يساهم في عدم تفويت فرصة هذا الشهر الفضيل، والذي لا يعلم الإنسان ما إذا كان سيلقاه في العام القابل ام لا.

■ هل من كلمة توجهونها للقارئ الكريم في هذه الأيام المباركة من الشهر الفضيل؟

ما يمكن قوله أن أيام هذا الشهر العظيم إنما هي أيام معدودات، وهي ساحة سباق وتنافس لمن ألقى السمع وهو شهيد، والكيس من صبر وصابر وأعطى هذا الشهر الخصوصية والحرمة التي يستحقها، وجعل من هذه الأيام العظيمة انطلاقا لنفس وثابة للحق، سباقة لكل خير، تتصف بالمنعة والعزة والقوة في مواجهة الأهواء والنزعات النفسية وغيرها، تواقة إلى اقتناص كل ما من شأنه أن يقرب إلى الله ويبعد عن سخطه، متلمسة جسور المودة والصدق والإخاء، محسنة الظن مع الآخر. وفق الله الجميع إلى ما يحب ويرضى.