1355266
1355266
روضة الصائم

غزوة بدر الكبرى.. صدق الإيمان والمحبة لله تعالى ورسوله

05 يونيو 2018
05 يونيو 2018

ناصر بن عبدالله الصوافي /واعظ بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية -

إن غزوة بدر هي أولى معارك الإسلام وأهم مواجهاته مع أهل الباطل والكفر والشرك فكانت ملحمة تاريخية يستلهم منها المسلمون الدروس والعبر وكانت منهجا ربانيا للمؤمنين من بعدهم وهي تطبيق عملي لما وعد الله به المؤمنين من نصر وتمكين عندما قال سبحانه (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) ومن أهم الدروس في هذه الغزوة هو الأسباب التي دعت النبي وصحبه الكرام إلى الخروج من المدينة لملاقاة القافلة واسترجاع بعض ما نهبه المشركون من أموالهم فكما نعلم بأن كثيرا من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم هاجروا من مكة وتركوا أموالهم وبيوتهم غنيمة للمشركين بعدما عانوا في مكة من الإيذاء والقهر والتسلط والغلبة على أمرهم فلم يكن لهم بد إلا وأن يخرجوا من تلك القرية الظالم أهلها إلى مكان آمن يعيشون فيه بسلام وأمن وطمأنينة يأمنون على دينهم وأموالهم وأنفسهم وهذا ما حدث فتركوا كل شيء وراءهم ولم يخرجوا إلا بأرواحهم وأجسادهم التي تحمل الإيمان والحب والمثل والقيم العليا التي نادى بها الإسلام وأرادوا أن ينشروها في أرجاء المعمورة لتكون أمنا وأمانا وسلما وسلاما والنبي بخروجه لاسترداد أموال صحابته من هذه القافلة لم يكن ليخرج للاعتداء والنهب والسلب كما يتصور البعض أو يفكر حاشا وكلا فإن تعاليمه التي يدعو إليها لا تبيح له ذلك ولكنه أراد أن يعلم البشرية أن السكوت على الظلم هو ظلم أيضا للنفس وأن الرضوخ للباطل هو باطل أيضا فلا يجب على الإنسان أن يسكت عن حقه أو يتهاون في استرداده مهما كانت الظروف والأحوال وهذا هو الدرس الأول.

أما الدرس الثاني المستفاد من هذه الغزوة هو صدق الإيمان والمحبة لله تعالى ولرسوله فقد تمثل هذا الإيمان الصادق والقوي الذي يزعزع الجبال ويقهر الصعاب في أولئك النفر القليل الذي أحبوا الله ورسوله فأحبهم الله ورسوله وقدموا كل غال ونفيس في سبيل هذا الحب وكانت طاعتهم لله ورسوله أعظم وأكبر من أن يداخلها شيء من حب الدنيا وشهواتها وملذاتها ولذلك وصفهم الله تعالى بأنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولذلك تحقق وعد الله لهم بالنصر لأنهم نصروا الله تعالى في دينه وتفانوا في محبة رسوله وطاعته فهذا سعد بن معاذ عندما طلب النبي المشورة منهم قام فقال مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله لقد آمنا بك وصدَّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة لك ، فامضِ يا رسول الله لما أردت ، فنحن معك ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجلٌ واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ـ لا نكره هذا أبداً ـ إنا لصبرٌ في الحرب، صدقٌ عند اللقاء ، فصل حبال مَن شئت ، وأعطنا ما شئت ، واقطع حبال مَن شئت، وعاد مَن شئت، وسالم مَن شئت ، وخذ مِن أموالنا ما شئت ، وأعطنا منها ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركته لنا ، فلعل الله يريك منا ما تقرُّ به عينك، فسر على بركة الله .) هذا هو النموذج الذي يريده الله تعالى لعباده وهذه هي العقيدة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم إن أراد النصر والتأييد من الله تعالى ..

أما الدرس الثالث من دروس هذه الغزوة فهو مبدأ الشورى فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يستبد برأيه ولم يفرض على صحابته أمر المعركة وكان بإمكانه أن يفعل ذلك ولكنه قام فيهم خطيبا وقال لهم (أشيروا علي أيها الناس) مرارا وتكرارا حتى قام كبار الصحابة وأبدوا رأيهم فيما يريده منهم صلى الله عليه وسلم وتلك هي مبادئ الإسلام والشورى من ركائزه وأركانه فلا ينبغي للإنسان أن يستبد برأيه ولو كان في منصب رفيع أو ذا مكانة عالية وإنما عليه أن يبادر في المشورة وأخذ الآراء والمقترحات لعله يستفيد منهم بخبرة ومعلومة تفيده فيما هو مقبل عليه كما أن فرض الأوامر والتسلط على الرعية أو الموظفين فيما هو يخصهم ويعنيهم ليس من قيم الإسلام السمحة ولا من ثوابته وأركانه فهو دين قائم على المحبة والأخوة والتعاون في كل شيء وقائم على مبدأ الشورى وعدم الإكراه وهذا فيه من المصالح ما لا يخفى على أولي الألباب والنهى فهي ترسخ مبدأ التعاون وتعزز المحبة بين القائد وجنده مما يجعلهم يتفانون في محبته وطاعته وتنفيذ أمره وهكذا ينبغي للمسلم أن يجعل مبدأ الشورى في كل أموره وفي كل مصالحه، والنبي صلى الله عليه وسلم استفاد من بعض خبرات أصحابه فقد نزل عند رأي الحباب بن المنذر عندما أشار عليه بمكان المعركة وموقع التخييم فاستحسن النبي رأيه وأخذ به فكان هذا الرأي من العوامل المساندة والمساعدة في المعركة وأخذ برأي سعد عندما أشار عليه ببناء عريش يطل على أرض المعركة ليشرف عليها ويتابع مجريات أحداثها وهذا يعطينا مثالا واضحا لشخصية النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة والنعمة المسداة ومن خلالها نعرف لماذا يتفانى أولئك الصحب في محبته وطاعته لأنه كان قدوة لهم في كل شيء ومثالا يحتذى في كل أمور حياتهم ...

أما الدرس الرابع في هذه الغزوة فهو أن الإيمان والصدق مع الله هو من أهم أسباب النصر فالقوة والعدد والعدة لا تساوي شيئا بجانب قوة الإيمان وصدق العزيمة وأن النصر بيد الله ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [ سورة آل عمران الآية : 160 ] فقد كان جيش المشركين يفوق جيش المسلمين عددا وعدة ولكن النصر كان حليف المؤمنين وكان التأييد من الله تعالى لهم بأن انزل معهم الملائكة تقاتل بجانبهم وكانت تضرب الأعناق وتقطع الرؤوس وهذا لم يكن ليأتي من فراغ وإنما علم الله تعالى منهم صدق الإيمان وصدق المحبة وقوة العزيمة وصفاء العقيدة فكان النصر حليفهم ولذلك يجب على المسلمين أن يهتموا بنظافة القلوب وصفاء العقيدة وتقوية الإيمان قبل أن يهتموا بالعدة والعتاد والسلام وتكثير العدد لأن النصر لا يأتي من الله والتأييد لن يكون إلا بالإيمان الصادق والمحبة الخالصة لله ورسوله مهما كانت العدة والكثرة والعدد فإنها لا تفيد بشيء إذا خلت القلوب من محبة الله وتلوثت العقيدة بملوثات الفساد والمعاصي والآثام فكيف سيكون النصر والله تعالى يقول (إن تنصروا الله ينصركم) فعلينا أولا أن ننصر الله تعالى بتطبيق دينه واتباع تعاليمه وتطبيق شريعته والتفاني في محبته ومحبة رسوله وتقديم حبه وحب رسوله على كل شيء في الحياة عندئذ سيكون النصر حليفنا فكلما كان الإيمان أقوى وأعظم في القلوب كانت قوتنا أكبر وأعظم والمدد من الله والنصر من عنده محقق ومضمون في القتال استمع ماذا قال سبحانه عنهم :﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾[ سورة الأنفال الآية : 65 ] واحد إلى عشرة .. وكلما ضعف الإيمان قلت النسبة ﴿ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً ﴾[ سورة الأنفال الآية : 65 ] وقال سبحانه ﴿ * الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾[ سورة الأنفال الآيات: 65-66 ] .. ومن الدروس المستفادة من هذه الغزوة أيضا هو الدعاء وهو سلاح فتاك في أشد المواقف صعوبة وأحلك الظروف يجب أن تلتجئ إلى الله ليعينك على نجاح الأسباب التي اتخذتها ويوفقك للنصر والتمكين ويحقق لك أهدافك فالاعتماد على الأسباب دون الاستعانة بالمسبب ورب الأسباب لا يأتي إلا بالفشل والتعب والعناء فالمؤمن متوكل وليس متواكلا لا يترك الأسباب ولكنه لا يتعلق بها ويتعلق برب الأسباب لأنه يعلم بأن التوفيق والهداية والصلاح بيده سبحانه وأن الأسباب دون مسببها لا تفعل شيئا ولا يمكن أن تأتي بنتيجة مهما كانت هذه الأسباب قوية وصالحة ولذلك يلجأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء فلم يعتمد على الأسباب وحسن التنظيم وقوة الجند وصلابتهم وعزيمتهم وإنما لجأ بعد اتخاذ الأسباب إلى رب الأسباب وطلب منه المعونة والنصر والتوفيق فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل المعركة راح يلح بالدعاء والطلب من الله تعالى أن ينصره وأن يفي له بوعده وأن يعينه على النصر وكان مما قاله صلى الله عليه وسلم ((( اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً )) أو كما جاء في الحديث. والدعاء هو مخ العبادة وهو الذي يظهر الذلة والافتقار إلى الله من قبل العبد والله تعالى يحب من عباده اللحوح أي الكثير الدعاء والطلب فينبغي للإنسان ألا يترك الدعاء ولا يهمله لأنه سبحانه هو الذي يحقق الهدف والمبتغى من الأسباب وبدونه الأسباب لا تساوي شيئا..