أفكار وآراء

الدفاع عن الاتفاق الإيراني دون حرق الجسور مع أمريكا

04 يونيو 2018
04 يونيو 2018

روبن نيبليت وآخرون – مركز شاتام هاوس - ترجمة قاسم مكي -

سيفضي قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (جيه سي بي أو أيه) إلى تدهور حاد في الأمن الإقليمي والدولي. فقراره زاد من مخاطر نشوب حربٍ وسباقِ تسلحٍ نووي في الشرق الأوسط وما وراء الشرق الأوسط. لقد قوض ترامب محاولات تقييد انتشار الأسلحة النووية عبر الدبلوماسية متعددة الأطراف. فالانسحاب المنفرد (من طرف واحد) يساوي عدم التقيد بقرار دولي صادر عن مجلس الأمن وملزم قانونا. إنه تَخَلٍّ عن دور الأمم المتحدة كَحَكَم للسلم والأمن الدوليين وأيضا عن القانون الدولي كسلسلة فقرية للعلاقات الدولية. وستكون للخطوات التي سيتخذها الأوروبيون الآن أثرا كبيرا على التحالف مع الولايات المتحدة والأمن في الشرق الأوسط وأيضا على علاقاتهم مع الصين وروسيا والعالم ككل.

وفيما يتعلق بإيران سنجد أن لدى الثلاثي الأوروبي (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) والاتحاد الأوروبي من جهة وترامب من جهة أخرى مصالح متباعدة. فإلى جانب الاعتبارات المحلية التي تحرِّكه يَوَدُّ الرئيس الأمريكي ترامب أن يرى تغييرا للحكم في إيران و/‏‏ أو انتصار القوى الإقليمية عليها وعلى شركائها الإقليميين. لقد اعتبر الاتفاق النووي صفقة سيئة؛ لأنها لا تخدم ذلك الهدف. وبالمقابل يعتقد أن القضاء على الاتفاق ومنع إيران من الاندماج مجددا في المجتمع الدولي اقتصاديا وسياسيا يشكل أقصى ضغط على إيران. وهو ضغط قد يؤدي إلى تأثر أوضاعها. إن هذا المسار، بالنظر إلى ما شاهدناه في العراق منذ عام 2003، سيكون بالغ الخطورة ليس فقط للمنطقة ولكن لأوروبا أيضا. ومنذ سحبِ ترامب لشهادته بالتزام إيران بخطة العمل الشاملة المشتركة في أكتوبر 2017 حاول الثلاثي الأوروبي ولكنه فشل في إقناع الولايات المتحدة بالبقاء في الاتفاق، ومناقشة أفضل السبل لتقييد برنامج إيران للصواريخ الباليستية ودورها الإقليمي. إن محاولة ترضية ترامب قضية خاسرة، ليس فقط بسبب آراء الرئيس الأمريكي ولكن أيضا لأن أي اتفاق مع إيران يترتب عنه منح درجة من القبول والشرعية من الولايات المتحدة للجمهورية الإسلامية. وهذا شيء يحرمه العديدون في الولايات المتحدة إلى جانب صقور السياسة الأمريكية إزاء إيران والذين يقبضون بقوة على دفة إدارة ترامب. بالمقابل لدى الأوروبيين مصلحة استراتيجية في الدفاع عن الاتفاق النووي الإيراني بالنظر إلى أنه بند رئيسي في سياسة منع الانتشار النووي في الشرق الأوسط. لدى الأوروبيين والولايات المتحدة مصلحة استراتيجية في مكافحة الانتشار النووي لكن دور خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق الإيراني) في تحقيق هذا الهدف يُفسَّر بطريقة مختلفة جدا. والسؤال هو كيف يستخدم الثلاثي الأوروبي/‏‏ الاتحاد الأوروبي هذه اللحظة للضغط من أجل تحقيق أهدافهما الاستراتيجية الخاصة بهما. للمفارقة، نحن نعود الآن إلى عام 2003 حين قدَّمَ غزو الولايات المتحدة للعراق للثلاثي الأوروبي والاتحاد الأوروبي الفرصة للتفاوض مع الحكومة الإيرانية لوقف ما كان وقتها برنامجها النووي السري. ويحتاج الأوروبيون الآن إلى توظيف انسحاب ترامب المنفرد من خطة العمل الشاملة المشتركة في محاولة تحقيق الأهداف الحقيقية عبر- الأطلسية وكذلك الأوروبية المتمثلة في احتواء برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية والتقليل من ارتباطاتها العسكرية - السياسية في سوريا ولبنان واليمن وضمان أمن إسرائيل. وبعكس إدارة ترامب، لا ترى الحكومات والمؤسسات الأوروبية في الحريق الإقليمي الأوسع نطاقا في الشرق الأوسط أية إمكانية في أن يحقق طرف انتصارا ناجزا على الطرف الآخر. بل بدلا عن ذلك يعتقد معظم الأوروبيين أن بذورَ نشوء نظامٍ للتعاون الإقليمي تكمن في إيجاد توازن للقوى في المنطقة لا يُستَبَعد فيه أي لاعب إقليمي. فقط بتحقيق هذا النوع من التوازن الإقليمي يمكن للأوروبيين أيضا الأمل في خدمة مصلحتهم الأمنية الجوهرية التي تتمثل في هزيمة الأصوليين المتطرفين وداعش في المقام الأول ولكن أيضا في احتواء سباق التسلح الإقليمي. سيستلزم هذا من الثلاثي الأوروبي /‏‏ الاتحاد الأوروبي العمل مع باقي أعضاء مجلس الأمن ومع إيران للحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة حسبما أعلن عنه في الاجتماع مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف هذا الشهر. يعني هذا من الناحية العملية أن يتخذ الثلاثي الأوروبي/‏‏ الاتحاد الأوروبي خطوات محددة للمساعدة في حماية الاستثمارات التجارية الأوروبية في إيران والتجارة معها حتى إذا اختارت بعضُ الشركات المتعددة الجنسية الأوروبية الكبرى الانسحاب من التعامل مع إيران أو أُجبِرَت عليه . وهذا يعني أيضا مقاومة ضغوط الولايات المتحدة لحرمان إيران من معاملات نظام التحويلات المالية (سويفت) واتخاذ خطوات عقابية أخرى خارج نطاق ولاية القضاء الوطني. قد تعترض إدارة ترامب على ذلك لكن لا يمكن تفسير هذه الخطوات كمساعدة لإيران في مساعيها للحصول على الأسلحة النووية والتي يقول الرئيس ترامب بأنها ستؤدي إلى رد انتقامي من الولايات المتحدة. ومع حرصهم على خطة العمل الشاملة المشتركة يمكن للأوروبيين تصعيد مواجهتهم للدور الإيراني الإشكالي المتزايد في المنطقة. لقد سبق لأوروبا والولايات المتحدة عبور لحظات صعبة من قبل. فحين بدأ الثلاثي الأوروبي /‏‏الاتحاد الأوروبي محادثاته مع الإيرانيين حول برنامجهم النووي في عام 2003 كانت إدارة جورج دبليو بوش تعارض ذلك بشدة. وبمرو ر الوقت فرض واقع تقدم برنامج التخصيب النووي الإيراني (والذي لا يمكن إنكاره) على الولايات المتحدة الحاجة إلى إيجاد حل دبلوماسي. ولأن أمريكا أكبر من ترامب، من الضروري للأوروبيين الدفاع عن خطة العمل الشاملة المشتركة وبالتالي الحفاظ على هذا الهيكل الدبلوماسي في حال قررت الولايات المتحدة العودة إلى مسار الدبلوماسية المتعددة الأطراف في التعامل مع إيران. وإذا كان لدى أوروبا طموح في أن تحقق استراتيجيا استقلالها الذاتي سيكون الدفاع عن الاتفاق النووي المنطَلَق إلى ذلك. وسيكون الاتحاد الأوروبي قادرا على التفاوض بفعالية مع الولايات المتحدة حول إيران فقط إذا أعد استراتيجيته الخاصة به وأثبت قدرته على العمل على أساس مصالحه الخاصة به.

  • اشترك في كتابة هذا المقال كل من روبن نيبليت، مدير المركز الملكي للشؤون الخارجية (شاتام هاوس) و توماس جومارت، مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، ودانييلا شوارزر، مديرة المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، وناتالي توكي، مديرة معهد العلاقات الدولية في روما والمستشارة الخاصة للممثل السامي للعلاقات الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي.