أفكار وآراء

الشـباب والفجــوة الرقـمـية

03 يونيو 2018
03 يونيو 2018

أ. د. حسني نصر -

كشفت أحداث إعصار مكونو الأخيرة الأهمية المتزايدة لشبكات التواصل الاجتماعي، كمنصات إعلامية وتوعوية لا غنى عنها خاصة في أوقات الأزمات الطارئة سواء في نشر وتبادل الأخبار والمعلومات أو نقل رسائل التوعية والتوجيهات الرسمية.

في المقابل كشفت هذه الأحداث وغيرها أهمية تمكين فئات المجتمع المختلفة من الاستخدام العادل والنافع، في الوقت نفسه، لهذه الشبكات، خاصة من الشباب الذين قد تحول أسباب كثيرة دون انخراطهم في استخدام هذه الوسيلة الجديدة، والتي يُجمع الباحثون علي اعتبارها أدوات فعالة في الوصول إلى شباب اليوم والتأثير فيه.

السؤال الذي يتبادر إلى ذهن القارئ بعد أن يقرأ هذه المقدمة، هو: هل هناك من الشباب من لا يستخدم شبكات التواصل الاجتماعي؟ والواقع أن الإجابة عن هذا السؤال تبدو سهلة إذا علمنا أن أكثر من نصف سكان العالم تقريبا لا يستخدمون شبكة الإنترنت، وبالتالي لا يمكنهم الوصول إلى هذه الشبكات، كما لا يمكنهم الاستفادة مما يمكن أن تقدمه لهم من معارف ومعلومات تساعدهم على تحسين حياتهم.

وقد يقول قائل، خاصة في عالمنا العربي، إننا نشكو في الواقع من زيادة استهلاك أبنائنا لهذه الشبكات والآثار السلبية لذلك سواء على صحتهم البدنية أو النفسية وعلى علاقاتهم الاجتماعية الطبيعية، فكيف تطالبنا بتوسيع استخدام هذه الشبكات ليشمل كل الشباب العربي.

ورغم أن هذا يبدو صحيحا في ظل ما نراه من مشاهد يومية سواء في منازلنا أو مدارسنا وجامعاتنا أو حتى شوارعنا وأسواقنا من استغراق كبير من الشباب في استخدام أجهزة الهواتف الذكية والأجهزة المحمولة في الوصول إلى هذه الشبكات، فإن الدعوة إلى تمكين الشباب من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لا تتعلق بالمستخدمين لها بالفعل، ولكنها تقتصر على من لا يستخدمونها من الأساس، وهم كثر في الدول العربية، بما في ذلك دول الخليج العربية.

نعم هناك سلبيات عديدة للإسراف في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، لكن على الجانب الأخر فإن غياب أعداد كبيرة من الشباب عن المشهد الرقمي الذي تقع هذه الشبكات في قلبه، يمثل مشكلة أيضا، خاصة مع توسع الدول والمجتمعات في استخدامها كوسيلة تواصل أساسية في الأحداث الطارئة وغيرها من الأحداث التي تتطلب تكاتفا وترابطا شعبيا واسعا، وكذلك في نشر حملات التوعية التي تستهدف الشباب في قضايا عديدة مثل خفض الوزن، وممارسة الرياضة، ومكافحة انتشار المخدرات، والتفوق الدراسي، والحصول على معارف صحية صحيحة.

في ضوء ذلك اهتم باحثون كُثر بدراسة مشكلة الفجوة الرقمية التي تعيق أعدادا متزايدة من المواطنين الذين يدخلون يوميا مرحلة الشباب من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في العديد من الدول والمجتمعات، بما في ذلك الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لأسباب تتعلق بأوضاعهم الاقتصادية، والتعليمية والاجتماعية.

وقد انتقل الحديث مؤخرا عن الفجوة المعرفية المسؤولة عنها وسائل الإعلام التقليدية، وعن الفجوة الرقمية بين الدول الغنية والدول الفقيرة، إلى الحديث عن فجوة رقمية جديدة تتصل باستخدام منصات التواصل الاجتماعي بين المواطنين داخل الدولة الواحدة، وأسبابها، ومردوداتها السلبية وطرق علاجها، وذلك من منطلق قناعة راسخة بأنه ليس كل الناس يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي، ويكفي للدلالة على ذلك أن نعرف أن 87 بالمائة فقط من مستخدمي الإنترنت من الشباب في الفئة العمرية بين 18 و29 عاما في الولايات المتحدة الأمريكية، يستخدمون مواقع هذه الشبكات، وهو ما يعني أن هناك 13 بالمائة لا يصلون إليها، وإذا كان الأمر كذلك في الولايات المتحدة، فما بالنا بواقع استخدام الشبكات في دول أخرى كثيرة أقل تقدما وأقل نموا.

إن الرسالة التي تحملها الدعوة إلى سد الفجوة بين من يستخدمون وبين من لا يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي من الشباب تستند إلى معادلة منطقية تقول: إذا أردنا أن نستخدم وسائل الإعلام الاجتماعي للتأثير الإيجابي في الشباب، فإن علينا كباحثين ومسؤولين أن نفهم هؤلاء الذين تم تركهم في الخلف، ولم نمكنهم من استخدام هذه الأدوات الاتصالية المفيدة. وأول خطوة على طريق تحقيق هذا الفهم أن نعرف خصائص وسمات أفراد هذه الفئة، وأسباب عزلتهم عن التيار العام السائد. وإذا أمعنا النظر في أوضاع قطاعات واسعة من الشباب العربي التي لم تستفد بعد من ثمار تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، نستطيع أن نرد ذلك إلى العديد من الأسباب الاقتصادية والتعليمية والشخصية، خاصة عندما نقارنهم بنظرائهم الذين يستخدمون الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل واسع.

ويبرز عدم الاستقرار الاقتصادي باعتباره السبب الأول والمباشر في هذه الفجوة، إذ يعاني الشباب في دول عربية عديدة من مشكلة البطالة وعدم وجود دخل يمكنه من الإنفاق على حاجاته الضرورية، وبالتالي الانصراف عما يعدونه من الكماليات، مثل امتلاك هاتف ذكي أو جهاز لوحي أو حاسوب واتصال مكلف بالإنترنت، وحتى من يعملون من الشباب يعانون أيضا من مشكلة تدني الرواتب، وتزايد الالتزامات الحياتية، وهو ما يدفعهم إلى العمل في أكثر من وظيفة، وبالتالي لا يصبح لديهم وقت فراغ لاستخدام هذه الشبكات، حتى وإن استطاعوا تدبير المتطلبات المالية لها.

يتعلق السبب الثاني بالتعليم، فإذا استبعدنا من يعانون من الأمية الهجائية في بعض الدول العربية، وهم ما زالوا كُثر بين الشباب، باعتبار أن هؤلاء لا يمكن أن يستخدموا هذه الأدوات الاتصالية بأي شكل من الأشكال، فإن هناك من يعانون من الأمية التكنولوجية رغم حصولهم على قدر من التعليم، ويتميز هؤلاء بوجه عام بانخفاض المستوى التعليمي، خاصة أن هذه المنصات تتطلب حدًا أدنى معرفة اللغة الإنجليزية، وحدًا أدنى من القدرة على استخدام الحاسوب واستخدام الإنترنت، وهذا لا يتوافر لأعداد كبيرة من الشباب العربي، خاصة في الدول الفقيرة أو الدول التي تعاني مشكلات اقتصادية.

أما السبب الثالث والأخير فيتصل بالعزلة الاجتماعية التي تميز غير المستخدمين للإعلام الاجتماعي، إذ يتصفون بعلاقات عائلية مضطربة، ولهم عدد قليل من الأصدقاء، وليس لديهم سوى شبكات وروابط اجتماعية صغيرة في الواقع الفعلي.

نعود فنؤكد على أن وسائل الإعلام الاجتماعي الجديدة يجب أن تكون متاحة لكل الشباب، ليس فقط لسد الفجوة الرقمية ولكن أيضا لتعظيم رأس المال الاجتماعي في المجتمع، فالمحرومون من هذا الإعلام الجديد بسبب ظروفهم الاقتصادية أو التعليمية يحرمون أيضا من المنافع التي يمكن أن تعود عليهم وعلى المجتمع من استخدامهم له.

ومن هنا وجب تنبيه القائمين على أمر الشباب في المجتمعات العربية إلى الاهتمام بفئة من لا يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي من الشباب، لأن أصحاب هذه الفئة هم أصعب فئة يمكن الوصول إليها ليس فقط عبر هذه الشبكات، ولكن أيضا عبر أدوات الاتصال الأخرى، وبالتالي قد يمثلون عائقا أمام نجاح الحملات الاجتماعية التوعوية الوطنية، وما أكثر ما سوف نحتاج لهذه الحملات في المستقبل.