روضة الصائم

لقاء متجدد: فضل العلم (1)

03 يونيو 2018
03 يونيو 2018

أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة -

إذا كان طلب العلم عبادة يتقرب بها إلى الله سبحانه، وهو كغيره من العبادات في وجوب إخلاصها له سبحانه من غير أن يكون للنفس فيها حظ، أو يبتغى بها أي غرض آخر، فكذلك نشر العلم هو قربة وعبادة بل هو من أعظم القربات إلى الله لما فيه من تعميم الخير، والدعوة إلى الحق، وتبصير العمي، وتذكير الغافلين، فلا يسوغ أن يبتغى بنشر العلم غرض دنيوي، كالتوصل إلى الثراء أو الجاه.

ولا يسوغ احتكار العلم لما فيه من الإضرار بالدين والدنيا معا، فقد ثبت عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة»، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «علماء هذه الأمة رجلان رجل آتاه الله علما فبذله للناس ولم يأخذ عليه طمعا ولم يشتر به ثمنا فذلك تستغفر له حيتان البحر ودواب البر والطير في جو السماء ويقدم على الله سيدا شريفا حتى يرافق المرسلين ورجل آتاه الله علما فبخل به عن عباد الله وأخذ عليه طمعا واشترى به ثمنا فذاك يلجم بلجام من نار يوم القيامة وينادى مناد هذا الذي آتاه الله علما فبخل به عن عباد الله وأخذ عليه طمعا واشترى به ثمنا وكذلك حتى يفرغ من الحساب».

وإذا كان هذا وعيد الذي يكتم علما، فما بالك بالذي يحتكر علما أثره ولا يرى نشره إلا بطريقة يضمن بها أن عائده المادي يرجع إليه، فكم رأينا فيمن ينشر من المؤلفات بأنه لا يسمح بطبعه ولا تصويره ولا نقل شيء منه إلا بإذن خاص من المؤلف! فليت شعري؛ متى كان العلم ملكا لأحد حتى يسوغ له أن يحتكره؟! وإذا كان من يحتكر بضاعة يملكها والناس محتاجون إليها متوعدا بأشد الوعيد، حتى أنه جاء في بعض الروايات التصريح بأنه ملعون، وفي بعضها ينتظر اللعنة، فكيف بمن احتكر علما نافعا لا يملكه أحد، وإنما هو حق لكل من ينتفع به؟! فأعجب من شأن أولئك الذين يتجاهلون هذا الأمر.

وقد أصبحت هذه ظاهرة منتشرة، ولربما يسرع إليها بعض أصحاب المطابع من غير أن يأخذوا في ذلك رأي المؤلف، وهذا الذي وقع لي، فقد قدمت بعض مؤلفاتي للطبع فإذا بي أجد في أوله هذا التحذير من طبعه أو تصوير شيء منه أو نقله!! فعجبت من ذلك وأمرت أن يسحب ذلك من الكتاب فورا، وكنت أمنع أن يذكر في شيء من مؤلفاتي بأن حقوق الطبع محفوظة، ولكن شكت إلي دور النشر بأن عدم التقييد بهذا يعرضها للخسارة عندما ينشرون كتابا فتنافسهم دور أخرى في نشره، فأذنت بأن تحفظ حقوق الطبع للناشر لا للمؤلف دفعا للضرر، إذ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.