1350970
1350970
روضة الصائم

الهاشمي: خلْق الإنسان وتكريمه على سائر المخلوقات بالعقل المفكر المدبر واللسـان المعبر من أعظم رحمات الله

03 يونيو 2018
03 يونيو 2018

فقه الإنسان بالرحمة الإلهية يجعله يحيا حياة طيبة هادئة بعيدة عن القلق والاضطراب -

أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي -

أكد فضيلة الشيخ سالم بن منصور الهاشمي قاضي المحكمة العليا أن الرحمة هي ميزة عظيمة تميز بها هذا الدين الحنيف فهو دين الرحمة والشفقة والمحبة والعطف ليس لبني البشر فحسب بل للمخلوقات والكائنات جميعا.

وقال فضيلته: إن من أعظم رحمات الله تعالى خلق الإنسان وتكريمه على سائر المخلوقات بالعقل المفكر المدبر واللسان المعبر.

ومن مظاهر الرحمة المتعددة التي تجب على الإنسان يؤكد فضيلته: المراعاة والرأفة الحنونية الصادقة بالوالدين واستشعار فضلهما، والعناية بذوي القربى والشفقة عليهم وصلتهم وتفقد أحوالهم، والإحسان إلى اليتامى وتعليمهم وتأديبهم وحفظهم من الضياع، وكذلك العناية بالمرضى والسؤال عنهم وتقديم الدعم لعلاجهم وعدم إحراجهم بمرضهم، ومساعدة الضعفاء في سبيل عيشهم وسد عوزهم وما يلزمهم من ضروريات حياتهم، وتربيته الحيوان وتهيئة لوازم الحياة الضرورية له وعدم اللعب بحياته والاستهانة به.. وإلى ما جاء في الجزء الثاني من لقائنا بفضيلته حول (الرحمة).

من مظاهر الرحمة في الإسلام رحمة الله سبحانه وتعالى بالإنسان وخلقه.. كيف توضحون للناس هذه الرحمة الإلهية؟

من المعلوم أن خلق الله تعالى للإنسان من أعظم رحمته ومنّه وكرمه فالإنسان الذي خلق من الماء فكان بشرا ونسبا وصهرا كما قال تعالى: «وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا»، قد مر بأطوار متعددة جنينا، رضيعا، شابا، كهلا.. الخ كل ذلك فهو يتقلب في رحمة الله وفضله، وقد ميّزه الله وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا قال تعالى: «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا»، كرمه الله على سائر مخلوقاته بالعقل المفكر المدبر واللسان المعبر مع أن في المخلوقات الأخرى ممن يكبره طورا ووزنا وجعل الإنسان وسيدا على سائر الكائنات الأرضية لكن عليه ألا عليه ألا يغتر بخلقه ونعم الله عليه بل عليه أن يستقيم في محراب العبودية التي توصله وتعرضه لرحمة الله وإلا كان سبهللا لا يفقه معنى الرحمة والتوكل على الله كما أمر وشرع.أما إذا علم العبد أو فقه الرحمة الإلهية فيحيا حياة طيبة هادئة بعيدة عن القلق والاضطراب وسيعمر قلبه وحياته بمنهج الله القويم وصراطه المستقيم وعلى المسلم ألا يكون سببا في تقنيط وبعد الناس عن رحمة الله على ضوء ما أمر وشرع، بل عليه أن يغرس في وجدانهم هذا النبع والسر العظيم وانه سبحانه رحيم بهم وانهم ليسوا فقط في عالم الرهبوت بل في شفقة الرحمة والرحموت وإذا ما كانوا دعاة في تبيين هذه الغاية للناس فإنهم يكونوا سببا في اعتناق دين الله أفواجا.

الوالدين

كيف تكون الرحمة بالوالدين؟

لا يخفى أن الوالدين هما سبب وجود الإنسان في هذه الحياة ولذلك قرن الإحسان إليهما وطاعتهما بعبادة المولى سبحانه قال تعالى: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا» وأكرمهما الله ولم يجعلهما فدية للإنسان في أحلك وأعظم المواقف يوم القيامة قال تعالى: «يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التي تؤويه، ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه»، وقرنها بعبادته فقال تعالى: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا» وتتمثل الرحمة بهما في طاعتهما والإحسان إليهما وعدم التضجر والتأفف منهما كما قال تعالى: «إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا» فتفضي الرحمة بهما هذه المراعاة والرأفة الحنونية الصادقة بهما واستشعار فضلهما على الإنسان في مراحل عمره ويدخل في ذلك كلما يدخل السرور عليهما وعدم تفضيل الصاحبة والولد وغيرهم عنهما والدعاء لهما ونصحهما بالمعروف أن خالفا الحق وتنفيذ وصاياهما والتصدق عنهما والاعتزاز بهما في الحياة والممات ومن ذلك قضاء ديونهما مع الإمكان وطاعتهما المطلقة في غير معصية المولى سبحانه وتعالى.

ذوو القربى

والرحمة بذوي القربى؟

ذوو القربى هم الذين ينتسبون للإنسان بنسب أو رحم فالعناية بهم والشفقة عليهم وصلتهم وتفقد أحوالهم فإن هذا من أعظم السبل في الرحمة بهم وقد يصل الأمر في صلتهم أحيانا إلى الوجوب قال تعالى: «قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى» وقال تعالى: «فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم» فصلتهم إجمالا واجبة قال عليه الصلاة والسلام: «صلوا أرحامكم ولو بالسلام» وقال عليه السلام: «من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه».

اليتامى

والرحمة باليتامى؟

الرحمة باليتامى والشفقة عليهم من جملة صفات الإسلام الحميدة حتى لا يشعروا بأن المجتمع تخلى عنهم وقلاهم وهمشهم ورماهم فتجتمع عليهم مصيبة الفقد والعزل وتكون الرحمة بهم بأوجه عديدة كالإحسان اليهم ومراعاتهم وتعليمهم وتأديبهم لصالحهم وحفظهم من الضياع والحفاظ على أموالهم ومراعاتهم في السراء والضراء وعدم التعرض لهم بما يلحق الضرر عليهم ومن الرحمة بهم كفالتهم والنفقة عليهم، فعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ضم يتيما من بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه وجبت له الجنة».

المرضى

والرحمة بالمرضى؟

تكون الرحمة بالمرضى بالعناية بهم والسؤال عنهم وتقديم ما أمكن من الدعم لعلاجهم وإدخال السرور عليهم وعدم إحراجهم بمرضهم وانه سبب في هلاكهم بل عليه أن يظهر الشفقة عليهم ويمدهم بالأمل في الشفاء العاجل بإذن الله وان المرض طهور لهم وتكفير لذنوبهم وقربة لهم عند ربهم ولذلك جاء انه عليه السلام كان إذا زار مريضا قال: «طهور إن شاء الله»، و من الرحمة بهم عدم الإطالة في زيارتهم لأنهم لا يدرى في حاجتهم للراحة وغيرها من أحوالهم.ولما كان المرض هو بريد الأجل في كثير من الأحوال إلا أن على الزائر رحمة بالمرض ألا يتفوه بشيء مما يتخيله ويظن فيه في المريض بل ولا يذكر أمامه نظائر مرضه لمرض أصابهم مثل مرضه فهلكوا بسببه أو أن مرضه سيئ للغاية ويتعذر علاجه.وعلى القائم بالمريض أو الزائر من أهله أو إخوانه وأصدقائه أن يذكروه بالتوبة والاستغفار والتخلص من التبعات والوصية بالواجبات التي لربما قصر في أدائها كالحج مثلا أو قضاء ديون واجبة في ذمته فهذا من جملة الرحمة والشفقة بالمريض.

الضعفاء

والرحمة بالضعفاء؟

أما الضعفاء والمضعونون ومن كان في حكمهم فإن الرحمة بهم بمراعاة أحوالهم وبمساعدتهم في سبيل عيشهم وبذلك ما أمكن من سد عوزهم من المطعم والمشرب والكسوة وما يلزمهم من ضروريات حياتهم والسعي في إصلاحهم من تهيئة مسكن لهم أو عمل أو تخليص إجراءات معاملاتهم لمن يهمه الأمر وما أحسن وأكرم أن يسخر ذو الجاه جاهه وصلاحيته في مساعدة الضعفاء ورحمة بهم ابتغاء لوجه الله تعالى وخدمة لفئة يمكن إذا أخذ بيدها أن تساعد في بناء الوطن والرقي به.

الحيوان

والرحمة بالحيوان؟

أما الرحمة بالحيوان فهي ميزة عظيمة تميز بها هذا الدين الحنيف فهو دين الرحمة والشفقة والمحبة والعطف ليس لبني البشر فحسب بل للمخلوقات والكائنات جميعا قال الله تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» فكل ذرة من ذرات هذا الكون مغمور برحمة الله تعالى لذلك أوصى الإسلام بالرحمة بالحيوان سواء تعلق ذلك بترتيبه من تهيئة لوازم الحياة الضرورية وعدم اللعب بحياته من غير ما شرع الله حيث يجب على الإنسان ألا يستهين بهذا المخلوق الذي سخره الله له لينتفع به فإذا لم يطبق تلك الأوامر الإلهية فسوف يتعرض لعقوبة الله عاجلا أو آجلا فلا يذبح الحيوان كالطائر وغيره إلا لمقصد شرعي مما أحل الله له الانتفاع به، أما ليهدر حياته ويقضي عليه استكبارا واستهانة فهذا غير جائز وليس من الرحمة بهذا المخلوق الضعيف الذي سخره الله له ونزع منه خواصا مكنونة بداخله لكي يستفيد منه هذا الإنسان ولو ردت إليها تلك الخاصية لما استطاع الإنسان السيطرة والانتفاع به فتسخير المولى سبحانه الحيوان للإنسان من جملة نعمته ورحمته بعباده، لذلك أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالرفق بالحيوان في كل شيء فقال: «إن الله كتب الإحسان على شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» لأن توجيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك إنما هو من باب الرحمة بالحيوان ولأن الإنسان لا يفعل ذلك بقوته وإنما هو منفذ لأوامر الله تعالى ولا يمكن العبث بالحيوان من غير فائدة مرجوة للإنسان أو كان فيه من التعذيب للحيوان لان ذلك ليس من الرحمة وبينما الرسول الكريم كان مع أصحابه في احد أسفاره جاءت حمرة وهي طيرة ترفرف بجناحيها على من أخذ صغارها فقال عليه السلام: «من فجع هذه يولدها ردوا ولدها إليها» انه منهج تربوي عظيم ورسالة مقدسة للعالم اجمع في الرحمة والرفق بالحيوان وترسيخا لمبدأ الرحمة بين الرسول لأمته وللناس جميعا فقال عليه الصلاة والسلام «الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» والأمر بالرحمة في الحديث عامة للإنسان والحيوان، وفي حديث آخر «لا يرحم الله من لا يرحم الناس» وفي حديث المرأة التي حبست قطة حتى ماتت يبين الرسول الرحيم صلى الله عليه وسلم أنها في النار. وعلل ذلك بقوله: «لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض».

لذلك ضرب الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أئمة الهدى والصالحين أروع الأمثال في الرحمة والعطف والعناية بالحيوان فكانوا بذلك سببا في دخول الناس أفواجا في دين الله.