روضة الصائم

لقاء متجدد: أهم العبادات «8»

02 يونيو 2018
02 يونيو 2018

أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة -

ومما شاع في عادات الناس عدم مبالاتهم من أين بدأوا الصف الذي يلي الصف الأول، مع أن الصفوف يجب أن تكون منتظمة، فكما أن الصف الأول لا يمكن أن يكون جانبا عن الإمام فكذلك الصفوف التي تليه، مع الحرص على تعادلها وإن ترجح جانب على جانب فليكن جانب اليمين هو الأرجح لفضل الميامن على المياسر، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حبه التيامن، وجاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وسطوا الإمام وسدوا الخلل»، ومهما قيل في إسناده بأنه رواه يحيى بن بشير بن خلاد وهو مجهول عن أمه ولم يرو عنها غيره، فإنه يعتضد ذلك بأن السنة الثابتة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أن كان يتوسط المأمومين خلفه، وهذا الذي جرى عليه الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان، فلا يعدل عنه إلى غيره.

وأما ترجيح الميامن على المياسر فيدل عليه ما عهد من سنة النبي صلى الله عليه وسلم من حبه للتيامن، على أنه جاء من رواية عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف»، ومهما قيل من ضعفه فإنه يعتضد بالقاعدة العامة وهي ما علم من هديه صلى الله عليه وسلم من حب التيامن، على أن المنذري في الترغيب والترهيب ذكر أن إسناده حسن، وكذلك الحافظ ابن حجر في الفتح، ويعضده ما ثبت عن البراء رضي الله تعالى عنه، قال: «كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحببنا أن نكون عن يمينه، يقبل علينا بوجهه»، فإنه يعني أن الصحابة رضي الله عنهم استقر عندهم حب التيامن لما ألفوه من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ويفهم هذا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قمت ليلة أصلي عن يسار النبي، فأخذ بيدي - أو بعضدي - حتى أقامني عن يمينه، وقال بيده من ورائي»، إذ لو كانت الميسرة كالميمنة لتركه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قام، ولهذا ترجم البخاري في صحيحه بقوله: «باب ميمنة المسجد والإمام» وذكر بعده حديث ابن عباس.

وإذا أدركت هذا فاعجب لأولئك الذين يتسابقون إلى مياسر الصفوف ويدعون ميامنها، حتى أنك تجد في الجوامع الكبرى ميمنة المسجد لم يكتمل فيها الصف الأول، بينما ميسرته امتلأت إلى الصف الرابع أو الخامس!! وكثيرا ما يبدأون الصف من طرفه لا من وسطه، خصوصا الجانب الأيسر منه، وهذا كله إمعان في مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وعدم المبالاة في إقامة الصلاة على أي وجه كانت. وكثيرا ما تجد المصلي يصف وحده خلف الصف مع أن الصف الذي أمامه فيه فراغ، وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم في صف المصلي وحده، فعن علي بن شيبان، قال: «خرجنا حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم، فبايعناه، وصلينا خلفه، ثم صلينا وراءه صلاة أخرى، فقضى الصلاة، فرأى رجلا فردا يصلي خلف الصف، قال: فوقف عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف قال: «استقبل صلاتك، لا صلاة للذي خلف الصف»، وجاء عنه بألفاظ متعددة. وعن وابصة بن معبد أنه صلى الله عليه وسلم قال: «أيها المصلى وحده ألا وصلت إلى الصف فدخلت معهم أو جررت إليك رجلا إن ضاق بك المكان فقام معك أعد صلاتك فإنه لا صلاة لك»، وجاء عن ابن عباس بلفظ: «أيها المنفرد بصلاتك أعد صلاتك».

وكم تجد يوم الجمعة أفرادا من الناس يصف أحدهم في جانب خارج المسجد الجامع ليصلي بصلاة الإمام وحده، مع أن في داخل المسجد فراغا يسع كثيرا من الناس. وهذه المخالفات كلها راجعة إلى الجهل بفقه الصلاة وأحكامها، وأن الناس لا يرونها إلا عادة ألفوها فلا يبالون أن تكون إقامتها كيفما كانت.