روضة الصائم

نقائص إنسانية عالجها الإسلام: الظلم يهدم قواعد الدين والدنيا والعدل يحافظ عليها

02 يونيو 2018
02 يونيو 2018

القاهرة - محمد إسماعيل -

منذ أن خلق المولى - عز وجل - الأرض ومن عليها ظهرت معه مجموعة من النقائص الإنسانية التي مثلت بمرور الوقت مجموعة من الآفات القلبية والسلوكية التي تهدد المجتمعات المختلفة، ورغم أن كل الأديان السماوية وحتى الحضارات الإنسانية حاولت التعامل مع هذه النقائص وتهذيبها إلا أن معظمها ظل به تصور واضح هو في عدم طرحها للبدائل أو سبل العلاج إلا الإسلام، فقد جاء فياضا بالخير صداعا بالحق طافحا بالخلق الكريم، وقد أتى مناسبا لكل الأمم، مجتازا حدود الزمان والمكان، ليكون حلا لكل الأمراض القلبية والسلوكية. فهو قبل أن يحرم أو ينهى عن شيء وضع البديل له وبين للمسلمين كيفية علاجه؟! وإن الناظر في هذا الدين العظيم ليعرف حق المعرفة أنه وجد للبشرية جمعاء، ولا حياة كريمة لها بدونه... وعلى مدى أيام شهر رمضان المبارك نرصد النقائص الإنسانية وطريقة علاجها في ضوء القرآن والسنة.

يقول الدكتور سعيد عبد العظيم في كتاب «خلق المسلم»: إن الدين الإسلامي صنف الظلم بأنه من أكبر النقائص التي تخالج النفس الإنسانية، وكمالها في العدل والإنصاف، والظلم مجاوزة الحد، والتعدي عن الحق إلى الباطل، وفيه نوع من الجور، إذ هو انحراف عن العدل، ويطلق على الشرك، قال تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم)، وقال جل وعلا: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم)، وقال تعالى: (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما).

والعدل أحد قواعد الدين والدنيا، الذي لا انتظام لهما إلا به، ولا صلاح لهما إلا معه، وهو الداعي إلى الألفة، والباعث على الطاعة، وبالعدل تنمو الأموال، وتعمر البلاد، وليس هناك شيء أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الظلم والجور، لأنه لا يقف على حد، ولكل جزء من الظلم قسط من الفساد حتى يستكمل.

وينقسم الظلم إلى ثلاثة أنواع، أولها: ظلم بين الناس وبين الله تعالى، وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، ولذلك قال تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم)، وإياه قصد بقوله: (ألا لعنة الله على الظالمين). وثانيها: ظلم بينه وبين الناس، وإياه قصد الحق سبحانه وتعالى بقوله: (وجزاء سيئة سيئة مثلها)، إلى قوله: (إنه لا يحب الظالمين)، وبقوله: (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس). وثالثها: ظلم بين العبد وبين نفسه: وإياه قصد بقوله: (فمنهم ظالم لنفسه)، وقوله: (ظلمت نفسي)، وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهم بالظلم فقد ظلم نفسه.

ويذكر مؤرخ الإسلام الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي في كتاب «الكبائر»: إن الظلم يكون بأكل أموال الناس وأخذها ظلما، وظلم الناس بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء. قال الله تعالي: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ). وروي البخاري أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته»، ثم قرأ رسول الله صلي الله عليه وسلم: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة. إن أخذه أليم شديد). وروي البخاري ومسلم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شئ فليتحلله اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه».

ولقد ذم الله سبحانه وتعالى نقيصة الظلم في القرآن الكريم في أكثر من موضع فقال: (وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا)، وقال سبحانه: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ)، وقال: (والله لا يحب الظالمين)،وقال: (ولا يظلم ربك أحدا)، وقال: (وما ربك بظلام للعبيد)، وقال: (ألا إن الظالمين في عذاب مقيم).

ويشير الدكتور سعيد عبد العظيم في كتابه: إلى أنه يجب على المسلم التخلص من نقيصة الظلم واتباع فضيلة العدل والاعتدال والتوازن والاتزان، وهذه من جملة المعاني الواجبة حتى يأمن العبد الوقوع في نقيصة الحيف والظلم والجور، ولكي تتحقق هذه الأمور لا بد من بصيرة وحرص على الجمع بين المصالح وتقديم الأهم على المهم في العمل والعلم والدعوة إلى الله تعالى والاستعانة بالله من قبل ومن بعد حتى ينتقل العبد من هذه الدار بسلام إلى دار السلام.

وقد رأينا كثيرا من صور نقيصة الظلم في نواح متعددة، فمثلا نجد البعض إذا حرص على بر الوالدين بخس زوجته حقها، وإذا أرضى زوجته يجور على والديه وكأنه لا سبيل للعدل ولا للاعتدال وكأنه أيضا لا سبيل لتحقيق قول النبي صلي الله عليه وسلم: (إن لربك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه)، (رواه البخاري).

ومن أعظم ما يعين على التخلص من نقيصة الظلم، العدل، والاعتدال تعظيم حرمات الله تعالى واستحضار خطورة الظلم في الدنيا والآخرة، وقد بلغ من حرص سلف الأمة رضوان الله عليهم من الوقوع في نقيصة الظلم، شدة تمسكهم بالعدل، لدرجة أنهم كانوا يسوون بين أولادهم حتى في القبلة، وذلك لأنهم رأوا العدل بمعناه العام من أوجب الواجبات وألزمها، إذ أمر الله تعالى به في قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

ومن أعظم صور العدل التي هي علاج مؤكد لنقيصة الظلم، العدل في المعتقد. فلا يعتقد غير الحق ولا يشرك معه سبحانه في عبادته وصفاته غيره وأن يطاع فلا يعصي وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر. والظلم يجلب لصاحبه غضب الرب سبحانه، ويتسلط على الظالم بشتى أنواع العذاب، وهو يخرب الديار، والظالم يحرم شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بجميع أنواعها، وعدم الأخذ على يده يفسد الأمة، والظلم دليل على ظلمة القلب وقسوته، ويؤدي إلى صغار وانتقاص الظالم عند الله وذلته، وما ضاعت نعمة صاحب الجنتين إلا بظلمه، وما دمرت الممالك إلا بسبب الظلم، فاتق الله يا متصف بنقيصة الظلم وأنصف نفسك، وسارع إلى فضيلة العدل برد المظالم لأصحابها، من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله.