أفكار وآراء

«جونتر جراس» .. كان على حق عام 2012 !!

01 يونيو 2018
01 يونيو 2018

بقلم: سمير عواد -

سؤال وجيه طرحه المعلق الألماني المعروف ياكوب أوجشتاين ابن رودولف أوجشتاين الناشر والمؤسس لمجلة «دير شبيجل» الألمانية الذائعة الصيت، على الصفحات الإلكترونية للمجلة المذكورة وهو «ألم يكن جديرا بنا الأخذ بتحذير الأديب الألماني الراحل جونتر جراس؟». أنه الكاتب الذي أكسبته كتاباته شهرة عالمية وأهمها كتابي «الطبل الصفيح» و«في النهاية تنتصر الفئران» وحصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1999، وأثار ضجة في ألمانيا وإسرائيل حيث تعرض في أبريل 2012 إلى موجة انتقادات بعد نشره لقصيدة نثرية بعنوان «ما ينبغي أن يقال» بالألمانية في الرابع من أبريل عام 2012 في ثلاثة صحف أوروبية كبيرة، قال فيها أن إسرائيل من خلال تحضيراتها لضرب المنشآت النووية في إيران تمثل تهديداً للسلام العالمي، ولدرء هذا التهديد يجب التكلم الآن، وأنه سئم من نفاق الغرب فيما يتعلق بإسرائيل، وأهوال النازية ليست ذريعة للصمت. وانتقد جونتر جراس بلده ألمانيا على بيع غواصات يمكن تجهيزها بأسلحة نووية إلى إسرائيل. وشنت وسائل الإعلام الألمانية، مثل صحف دي فيلت وبيلد ودير شبيجل، حملة عليه تتهمه بمعاداة السامية، مذكِّرةً إياه بأنه خدم في شبابه في قوات «إس إس.» وقد طرح «جراس» في قصيدته أن إيران وإسرائيل كليهما يجب أن تخضعا لرقابة دولية على منشآتهما النووية. ولا يزال «جراس» الصوت الألماني الأخير الذي انتقد إسرائيل بكل وضوح دون رياء منذ عام 2012 ولم يكترث للانتقادات والآن يتضح للكثيرين أنه كان على حق على الأقل برأي المعلق الألماني الجريء أوجشتاين.

ويُعتبر «جراس» المتوفي عام 2015 من أصحاب الرؤى البعيدة ففي كتابه «في النهاية تنتصر الفئران» يرى أن العالم على وشك الزوال وفي النهاية تبقى الفئران وتسيطر عليه بدلا من البشر.

ما أشبه اليوم بالبارحة. إذ كان الدافع لقيام جراس بالتحذير من الأسلحة النووية الإسرائيلية، النهج المتطرف لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والذي راح في عام 2012 ينشر الخوف من امتلاك إيران أسلحة نووية، رغم أن إسرائيل هي القوة النووية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط والتي حصلت على الخبرة النووية بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا ولم يتم تأكيد امتلاكها أكثر من 200 رأس نووية إلا في عام 1986 عندما نشرت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية تقريرا خطيرا أبرزت فيه أن إسرائيل قوة نووية تهدد شعوب المنطقة وأوروبا. ونقل نتانياهو حملته إلى منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة وحذر من مخاطر امتلاك إيران أسلحة نووية وعرض ملصقا زعم أنه خارطة وضعها الموساد الإسرائيلي تظهر فيه المنشآت النووية في إيران على حد زعمه. ومنذ ذلك الوقت بدأت إسرائيل تخطط لضربها وحاولت جر ألمانيا التي أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مارس عام 2008 أمام الكنيسيت الإسرائيلي أن أمن إسرائيل من مفاهيم الدولة الألمانية، وفهمت إسرائيل على الفور أن ألمانيا مستعدة لدفع جنودها إلى الموت من أجل أمن إسرائيل وذلك نتيجة تمسكها بعقدة الذنب بسبب المحرقة. لكن ألمانيا رفضت وبعد مجيء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قبل أكثر من عام، جاء الرجل المناسب الذي يأخذ مزاعم إسرائيل على محمل الجد، وقام بإلغاء التزام بلاده بالاتفاقية النووية كما نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وكلاهما يواجهان عزلة داخل المعسكر الغربي.

لم يفرح أحد لقرار ترامب والدعم الذي حصل عليه من نتانياهو أكثر من المتشددين في إسرائيل لأنهم ضد الاستقرار في المنطقة وضد الاتفاقية النووية، وبحسب نافيد كرماني، الكاتب الألماني من أصل إيراني الفائز بجائزة اتحاد الناشرين الألمان، فقد حانت ساعة المتطرفين، وبرأي كرماني، فقد المجتمع الدولي الآن القدرة على مراقبة البرنامج النووي الإيراني ولم تعد إيران تشعر أنها مُلزمة بوقف تخصيب اليورانيوم، المادة الأساسية لصنع القنبلة الذرية، وبهذا يكون ترامب ونتانياهو قد حققا عكس ما كان يساهم في منع إيران من امتلاك القنبلة النووية.

ويُعتبر صاحب كازينوهات القمار في الولايات المتحدة، شيلدون أديلسون، صديقا مشتركا لترامب ونتانياهو ومتبرعا كبيرا للمستوطنين اليهود الذي عرض تصوره للنزاع مع إيران على النحو عسكري فج ولا يختلف نتانياهو عنه في هذا التصور وقال نتانياهو مؤخرا ليكن الصراع الحاسم الآن قبل الغد.

ترامب ونتانياهو وأديلسون يعيشون في عالم آخر، العالم أفضل بدونهم من وجهة نظر المختلفين معهما، ويبدو أن منطقة الشرق الأوسط ساحة حرب بالنسبة إليهما، والمؤكد انه ليس لديهما تصورات عن شرق أوسط آمن ومستقر. لقد كان الأديب الألماني جراس على حق حين حذر العالم من إسرائيل، والمؤسف أن أحدا لم يأخذ كلامه في عام 2012 على محمل الجد.