روضة الصائم

فرص المسارعة إلى فعل الخيرات

31 مايو 2018
31 مايو 2018

أنس فرج محمد فرج -

اعلم أيها القارئ الكريم أن الفرص تفوت وأن الأجل موقوت وإقامة الإنسان في هذه الدنيا محدودة وأيامه فيها معدودة وأن الآخرة هي دار القرار والمصير فيها إلى الجنة أو إلى النار وإن سعادتك أو شقاؤك أيها الإنسان تتركزان على هذه الأيام التي تقيمها في الدنيا وعلى نوعية العمل الذي تقدمه لنفسك في هذه الأيام فإما أن تكون من الذين يقال لهم غدا ( كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) سورة الحاقة 24 وإما أن تقول ( يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ) الزمر 56 واعلم أن ربنا جل وعلا يحثنا على المبادرة بالأعمال الصالحة قبل فوات الأوان ويعرض علينا أغلى وأعلى السلع بأيسر الأسعار فيقول سبحانه وتعالى في سورة الحديد في الآية الكريمة 21 ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم ) وفي سورة آل عمران في الآية الكريمة 133 ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) هذه هي الإعلانات الربانية في الآيات القرآنية عن المساهمة في التجارات الرابحة في الدار الباقية والجنة العالية إنه إعلان من أصدق القائلين ممن لا يضيع عنده عمل عامل، إعلان عن مساهمة تربح فيها أضعافا مضاعفة تكون الحسنة فيها بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة قال تعالى (...والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) البقرة آية 261.

أرأيت أيها القارئ الكريم لو أُعلن عن مساهمة دنيوية في شركة يحتمل أن تربح أو أن تخسر لوجدت الناس يتزاحمون على بابها لتقديم ما لديهم من أموال رجاء ربحها مع أنه ربح مظنون وشره غير مأمون، في حين إن قليل من الناس يتقدمون للمساهمة التي يعلن عنها رب العالمين وما ذلك إلا لضعف اليقين وإيثار الدنيا على الدين إن الناس يسارعون إلى الدنيا لأنهم يعلمون أنها لا تحصل إلا ببذل الأسباب وارتكاب الصعاب فما بالهم لا يطلبون الجنة ببذل الأسباب الموصلة إليها فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم ( من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا وإن سلعة الله غالية ألا وإن سلعة الله الجنة ) رواه الترمذي في سننه إن لكل عامل جزاء ولكل خامل ندامة ولكل شيء في هذه الدنيا نهاية ولكل أجل كتاب وقد أعطيت يا ابن آدم إمكانيات تستطيع أن تعمل بها لنفسك في دنياك ما ينفعك في آخرتك وإن هذه الإمكانيات توشك أن تسلب منك عما قريب فلا تستطيع حينئذ العمل فاحذر من التسويف والجري وراء الأماني الكاذبة والآمال الخادعة وانتهز ساعتك التي أنت فيها للعمل للآخرة قال صلى الله عليه وسلم ( بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر ) رواه الإمام الترمذي إنها كلمات جامعة ووصايا نافعة كل كلمة منها تحمل تحذيرا من خطر محقق إن لم يتداركه الإنسان وقع فيه، إنه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف يأمرنا بالمبادرة إلى العمل الصالح قبل أن تحول بيننا وبينه القواطع المانعة وهى كثيرة إن سلم الإنسان من واحدة منها لم يسلم من بقيتها لأنه في هذه الدنيا معرض للآفات فهو إما أن يصاب بالفقر الذي ينسيه العمل لأن الفقر يجلب الغم والهم الذي يشغل النفس ويكدر البال فينشأ عن ذلك نسيان العمل وإما أن يصاب بغنى وفيض من المال يحمله على الطغيان فيشغله بتحصيل ملذاته ويتلهى به في جميع أوقاته بحيث لا يبقى عنده وقت للعمل للآخرة وهذه هي آفة كثير من الناس في عالمنا المعاصر فإن الله تعالى أفاض عليهم الأموال وأدر عليهم النعم فاستكبروا عن طاعة الله وهجروا المساجد وثقلت عليهم العبادة وقل خوف الله في قلوبهم وقد هان عليهم دينهم وضعف بالآخرة يقينهم إلا من رحم ربي، هذا ما يحصل من جراء الغنى والفقر أما الآفة الثالثة أن يصاب الإنسان بمرض مفسد يفسد عليه عقله أو بدنه فإن فسد عقله لم يبق عنده شعور بالعبادة وإن فسد بدنه لم يبق عنده استطاعة للقيام بها وقد قال صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) صحيح البخاري.

أما الآفة الرابعة فلو سلم الإنسان من المرض ومتع بالصحة فإنه معرض لموت مجهز والمجهز أي السريع الذي يأخذه بغتة وهو في حال الصحة وعنفوان الشباب وما أكثر ما نشاهد هجمات الموت على الأفراد والجماعات في حالات أمنهم وسرورهم وغفلتهم واغترارهم بصحتهم والآفة الخامسة فإذا سلم الإنسان من الموت المبكر ومد له في أجله لم يسلم من الهرم المفند أي الذي يفضى بصاحبه إلى حد التخريف والهذيان فلا يعقل شيئا من أمره والآفة السادسة إن الإنسان ما دام على قيد الحياة فهو معرض لفتنة عظيمة لا ينجو منها إذا وقعت إلا قليل من الناس ألا وهي فتنة المسيخ الدجال الذي يظهر على الناس في آخر الزمان وتجري على يديه محن عظيمة وفتن شديدة ولذلك فإن جميع الأنبياء حذروا أممهم من هذه الفتنة وأشدهم تحذيرا منه لأمتنا نبينا صلوات الله وسلامه عليه لأنها آخر الأمم وقد سن لنا أن نستعيذ من هذه الفتنة في آخر كل صلاة وقد أصبح ظهوره قريبا بالعلامات الواضحة أعاذنا الله تعالى وإياكم من هذه الفتنة عند ظهورها وثبتنا على ديننا أما الآفة السابعة والأخيرة وهى أشد الآفات وأعظم البليات قيام الساعة ذلك الحدث الذي يذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع من هوله كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى من شراب ولكنهم سكارى من عذاب.