أفكار وآراء

استراتيجية التعامل مع إرهاب بلا ملامح

29 مايو 2018
29 مايو 2018

عاطف الغمري -

إذا كانت الدول الغربية تعتبر الإرهاب عدوا فما هي مواصفاتهم للإرهاب؟

إن أي استراتيجية لمواجهة عدو ما، تبنى على فهم لطبيعة العدو، وعلى توافق بشأن تعريف متكامل للعدو، أي أن العدو في أي استراتيجية لا بد أن يوضع له تعريف أولا، فإذا كان العدو هو الإرهاب، فما هو التشخيص له، وأسبابه، والعناصر التي توجده، ولا بد أن تكون المواصفات موضوعية ومجردة، وليست مدفوعة بحساب علاقات، أو مواقف سياسية.

ففي سنوات الصراع بين القوتين العظميين، كان الاتحاد السوفييتي هو العدو، وبناء على تعريف شامل متكامل له، وعناصر قوته، وسياساته إقليميا ودوليا، وهو ما توافر في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي عرفت باستراتيجية الاحتواء المعلنة عام 1947.. أي احتواء الاتحاد السوفييتي وحلفائه ونفوذه، داخل حلقة من السياسات، والقواعد العسكرية، والأحلاف، والعلاقات الثنائية، والمتعددة الأطراف، إضافة إلى التنافس معه عن طريق إشعال حروب أهلية وإقليمية تضعف نفوذه، فضلا عن ترتيبات مخابراتية سرية تلاحق أي تحركات سوفييتية تراها أمريكا وحلفاؤها تهديدًا لأمنهم القومي، أي أنه قد أصبحت هناك استراتيجية مواجهة للعدو، وللإطار الذي تدور فيه مجمل علاقاتها الدولية، وقراراتها السياسية والعسكرية.

ومضى الحال على هذا النحو، إلى أن انتهت الحرب الباردة في عام 1991.

وبدأت المؤسسات الاستراتيجية، ومراكز الفكر السياسي، تنشغل بمناقشات، وندوات، وحلقات عمل تبحث عن عدو جديد بديل عن الاتحاد السوفييتي.

.. في البداية طرحت مجموعة من البدائل منها أن تكون الصين هي العدو البديل، لكن الفكرة لم تلق قبولا عاما، ثم ظهر مفهوم العدو المسلم، وكانت وراء ترويجه مراكز الفكر المرتبطة بالحركة الصهيونية، بزعم أن الإرهاب الذي أخذ ينتشر هو إرهاب إسلامي، لكن الاقتراح نفسه لحق بسابقه، ولم يجد قبولا من الإدارة الأمريكية في عهد بيل كلينتون، الذي حدد موقفه في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال فيه: إن الإرهاب وممارسة العنف، لم يكن مرتبطا بعقيدة دينية، فنحن نرى أن من يمارسونه، منهم مسلمون، ومسيحيون، ويهود، وبالتالي لا يمكن أن نصف أيا من هذه الديانات بأنها منبع الإرهاب.

وتوارى هذا المفهوم لبعض الوقت، إلى أن جاءت فترة حكم جورج بوش الابن، فأعادت إدارته صياغة هذا المفهوم بناء على افتراضات، نظرًا لغياب فهمهم لطبيعة العدو، ووجدوا في محطتهم الأولى للحرب على الإرهاب بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، أن عدوهم موجود في أفغانستان، لكنه لا يحمل مواصفات الدولة، بل هو عبارة عن جماعات لا تحتويهم دولة، فقرروا أن يضيفوا إلى هوية العدو، صورة الدولة حتى لا يكون للحرب منطق مقبول ومقنع للرأي العام الأمريكي، ثم ألصقوا بالعراق تهمة حيازة أسلحة دمار شامل، أي أن تلك الاستراتيجية لم تقم على فهم حقيقي لطبيعة العدو، لكن الصورة رسمت للعدو، ثم أضيفت إليها الملامح، والألوان، والرتوش، وبذلك جاءت الاستراتيجية مبنية على خلل أصيل في بنيتها، ما دامت قد اختارت الحرب أولا، وبعدها اختارت نوع العدو.

وزاد من تشوش هذا التفكير، ما اتخذته إدارة بوش الابن في صياغتها لاستراتيجية الأمن القومي المعلنة في 20 سبتمبر 2002، من الإعلان عمّا وصفته بالحرب ضد عدو محتمل، أي أنها تصورت عدوا ليس له وجود أو هويه، أو مكان، لكنها افترضت احتمال وجوده لاحقا، ولم تستبعد إمكان أن يكون هذا العدو دولة صديقة أو حليفة.

وحين انتشرت منظمات الإرهاب، من القاعدة إلى داعش، وتمددت في دول المنطقة، وقادت الولايات المتحدة في عهد أوباما تحالفا دوليا للحرب على الإرهاب، تكرر الخطأ ذاته مرة أخرى، بلجوء الولايات المتحدة ودول أخرى، إلى عملية فرز للإرهابيين، واستبعاد بعضهم من قوائم الإرهاب، نتيجة حسابات سياسية، ومصالح، وبناء على وجود علاقات تاريخية ولا تزال مستمرة للدولتين بهذه المنظمات التي تستخدمها لأهداف تتعلق بمصالحها في المنطقة وخارجها.

الصورة إذن - أن أمريكا تريد عدوا تصب عليه نيرانها، ويكون طرفا في إشعال حروب تخدم اقتصادها خاصة بوجود أسواق مفتوحة دائما لاستيعاب إنتاجها من السلاح وهو بند يخدم بشكل فعلي اقتصادها المدني، ويزيده انتعاشا، نظرًا للتداخل بين الإنتاج العسكري، والاقتصاد المدني، ولعل هذا هو السبب الرئيسي الذي يبطئ ويعوق، السياسات التي تبدأ قوية ضد الإرهاب، ثم سرعان ما ينتابها التراخي أو التجمد.

وهو المعنى الذي شرحه البروفيسور كريستوفر ج. فيتويس مؤلف كتاب «أمراض القوة في سياسة أمريكا الخارجية» بقوله إن الولايات المتحدة كثيرا ما تعاني من عدم وجود عدو تركز عليه جهودها.