روضة الصائم

استراحة: «المصور» جل جلاله

28 مايو 2018
28 مايو 2018

اختيارات: منار العدوية -

عش الضياء مع اسم «المصور» ورد في القرآن مرة واحدة. «هو الله الخالق البارئ المصور» أي المعنى : هو المبدع للصور ، فهو الذي يصور كل واحد من الأشخاص بصورته الخاصة ، وهو الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة وهيئات متباينة من الطول والقصر والحسن والقبيح والذكورة والأنوثة، وهو الذي صورنا في الأرحام أطوارا.

من واقع الحياة

 لنعلم أن التعامل مع الآخرين لا يعتمد على جمال الشكل والصورة فقط لأننا جميعا مخلوقات صورنا الله عز وجل بل يضاف إليها حسن الخلق واستقامة السلوك.

ليس من الأخلاق الإسلامية الاستهزاء والسخرية بصور الآخرين، فكلنا أخوة وكلنا نعمل لغاية عظيمة.

السـيرة النـبوية الشريـفة

قصة لقاء زيد بن حارثة بالنبي قبل البعثة: وممن سبق في التصديق بدعوة النبي الكريم زيد بن حارثة، ولزيد بن حارثة قصة عجيبة كانت سببا في انتقاله من بلده إلى مكة المكرمة و نشأته في بيت الرسول الكريم؛ فقد أخذته أمه لتُزِيرَهُ أهلها، فأخذه بنو القَيْنِ بن جسر من أمه غصبا وباعوه في سوق حُبَاشة وهو من أسواق العرب، وكان عُمرُ زيد عند غصبه وبيعه ثمانية أعوام.

ثم قدم حكيم بن حزام بن خويلد بِرَقِيقٍ كان فيهم زيد بن حارثة، فقال لعمته خديجة: اختاري يا عمة، أيَّ هؤلاء شئتِ فهو لك، فأخذت زيدا فرآه رسول الله فاستوهبه منها فوهبته له فأعتقه رسول الله وتبناه؛ فكان يقال له زيد بن محمد.

وكان أبوه حارثة قد حزن حزنا شديدا على فراق زيد، وقَلَّبَ الأرض بحثا عنه ونفسُهُ تفيض شوقا إلى ولده وقد بكاه بأبيات فقال:

بكيت على زيد ولم أدر ما فعلْ

      أحيّ فيرُجى أم أتى دونه الأجلْ

فوالله ما أدرى وإني لسائل

أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل

ويا ليت شعري هل لك الدهر أوبة

فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل‏

تذكَّرْنيه الشمس عند طلوعها

           وتعرض ذكراه إذا غربها أفل

وإن هبت الأرواح هيجن ذكره

   فيا طول ما حزني عليه وما وجل

سأُعمل نص العيش في الأرض جاهدا

        ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل

حياتي أو تأتي علي منيتي

       فكل امرئ فان وإن غره الأمل

وصلت هذه الأبيات إلى زيد فبكى وقال أبياتا تُصَوِّرُ شوقه لأهله.

أَحِنُّ إلى أهلي و إنْ كنتُ نائيًا

         بأني قَعِيدُ البيتِ عندَ المشاعِرِ

فَكُفُّوا عنِ الوَجْدِ الذي قد شَجَاكُمُ

 ولا تُعْمِلوا في الأرضِ نصَّ الأَبَاعِرِ

فإني بحمدِ اللهِ في خيرِ أسرةٍ

                 كرامِ مَعَدٍّ كِابِراً بعدَ كَابِر

ِبلغت أبيات زيد أباه؛ فقصد أبوه وعمه رسول الله وكان ذلك قبل البعثة، فلقيا رسول الله بمكة فقالا له: يا ابن عبدالمطلب يا ابن سيد قومه أنتم جيران الله وتفكون العاني وتطعمون الجائع وقد جئناك في ابننا لتحسن إلينا في فدائه، فقال: أَوَ غَيْرُ ذَاكَ، أي: هل أدلكما على رأي آخر؟ فقالا: وما هو؟

فقال: أَدْعُوهُ و أُخَيِّرُهُ، فإن اختاركما فذاك، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا، فقالا له: قد زدت على النَصَف، فدعاه رسول الله، فلما جاء قال له رسول الله: من هذان؟ فقال زيد: هذا أبي حارثة بن شراحيل وهذا عمي كعب بن شراحيل.

فقال له رسول الله «قد خيرتك إن شئتَ ذهبتَ معهما وإن شئتَ أقمتَ معي»، فقال زيد: بل أقيم معك، فقال له أبوه: يا زيد أتختار العبودية على أبيك وأمك وبلدك وقومك، فقال: إني قد رأيت من هذا الرجل شيئا وما أنا بالذي أفارقه أبدا، فلما سمع رسول الله كلام زيد أخذه من يده وقام به إلى سادات قريش، فقال أمَامَهُم: اشهدوا أنَّ هذا ابني وارثا وموروثا، فرضي أبو زيد بعد سماعه هذا الكلام وطابت نفسه فكان يسمَّى بعد ذلك زيد بن محمد حتى نزل قول الله:

(ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ) فنسب إلى أبيه فقيل زيد بن حارثة.

غراس الجنة

آيات المحبة: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).

التفسيـر

 فبرحمة من الله لك ولأصحابك -أيها النبي- منَّ الله عليك فكنت رفيقًا بهم، ولو كنت سيِّئ الخُلق قاسي القلب، لانْصَرَفَ أصحابك من حولك، فلا تؤاخذهم بما كان منهم في غزوة «أُحد»، واسأل الله -أيها النبي- أن يغفر لهم، وشاورهم في الأمور التي تحتاج إلى مشورة، فإذا عزمت على أمر من الأمور -بعد الاستشارة- فأَمْضِه معتمدًا على الله وحده، إن الله يحب المتوكلين عليه.