روضة الصائم

لقاء متجدد: أهم العبادات (2)

27 مايو 2018
27 مايو 2018

أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة -

وكما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكد على الطمأنينة في الصلاة في ركوعها وسجودها، وفيما بينهما وبين السجدتين، فإنه بنفسه كان قدوة للمصلين في الحفاظ على هذه الطمأنينة، فعن ثابت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: «إني لا آلو أن أصلي بكم»، كما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا - قال ثابت: كان أنس بن مالك يصنع شيئا لم أركم تصنعونه- «كان إذا رفع رأسه من الركوع قام حتى يقول القائل: قد نسي، وبين السجدتين حتى يقول القائل: قد نسي».

وعن حماد أخبرنا ثابت وحميد عن أنس بن مالك قال: «ما صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في تمام، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قال: سمع الله لمن حمده، قام حتى نقول: قد أوهم، ثم يكبر، ويسجد، وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم».

وهكذا نص علماؤنا الأسبقون، ففي مدونة أبي غانم بشر بن غانم الخراساني رحمه الله: «بلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع رأسه من الركعة قام حتى يقال أوهم، وإذا رفع رأسه من السجدة قعد حتى يقال أوهم»، قال مرتبها قطب الأئمة رحمه الله: يرفع رأسه من الركوع فيستوي في القيام يمكث في القيام مدة، وكذا يمكث بين السجدتين.

وذكر علَّامة الشريعة والأدب أبو مسلم -رحمه الله- حديث أنس رضي الله عنه وأتبعه بقوله: «فهذا مما أنكره أنس على الأئمة، حيث كانوا يقصرون هذين الركنين، كما أنكر عليهم تقصير الركوع والسجود».

ومثل ذلك إهمال كثير من الأئمة الترتيل خصوصا في قراءة السرِّ، فلربما رتل أحدهم إن جهر، ولكن إن أَسَرَّ تسارع حتى لا يكاد المأموم يدرك إلا قليلا من الفاتحة، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يرتل في قراءة السر كما يرتل في قراءة الجهر، فعن «أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، قال: «لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته. ثم يتوضأ. ثم يأتي ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الركعة الأولى مما يطولها»».

وذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان يحرص في صلاته على تدبر ما يتلوه من القرآن، كما قال العلامة أبو مسلم: «ونأخذ من هذا الحديث تطويل صلاة العصرين منه -صلى الله عليه وسلم- لكثرة تدبره الخاص به في الاستعاذة والتوجيه والفاتحة».

ولا يخفى أن التدبر إنما هو ناتج عن الترسل في القراءة لا الاستعجال فيها، وينشأ عن التدبر الخشوع في الصلاة الذي هو روحها، كما دل عليه حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لكل شيء عمود، وعمود الدين الصلاة، وعمود الصلاة الخشوع، وخيركم عند الله أتقاكم».