أفكار وآراء

مجابهة مشكلة الباحثين عن عمل بطريقة مبتكرة

26 مايو 2018
26 مايو 2018

بشير عبد الفتاح -

في سياق جهودها الحثيثة والمتواصلة للتصدي لأزمة الباحثين عن عمل ، التي زادت خلال الأعوام القليلة الماضية ، حيث أكد التقرير الإحصائي الصادر عن صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية أن نسبة الباحثين عن عمل في السلطنة بلغت نحو 8% عام 2014، في حين ترتفع في أوساط الشباب إلى 20% ؛ بينهم 22 ألفا و30 شابّة ،

حرصت حكومة السلطنة على تبني حزمة إجراءات ناجزة من قبيل: تقديم منحة شهرية للباحثين عن عمل ، وزيادة الحد الأدنى لرواتب الموظفين في القطاع الخاص ، وإطلاق برامج قروض ميسّرة لتنفيذ مشاريع صغيرة ومتوسطة، فضلا عن توطين الوظائف من خلال سياسة «التعمين». كما تعمل وزارة القوى العاملة على توفير فرص العمل المناسبة للمواطنين ، سواء من خلال توفير فرص العمل المباشرة أو عبر توفير فرص التدريب المقرون بالتشغيل ، أو من خلال التشغيل الذاتي المرتبط ببرنامج سند في مؤسسات القطاع الخاص ، والبحث عن الوظائف المناسبة للمواطنين في شركات القطاع الخاص.

ومن بين الاستراتيجيات والآليات المتنوعة التي تعتمدها السلطنة لمواجهة مشكلة الباحثين عن عمل ، آلية إشراك القطاع الخاص العماني في جهود محاربة تلك الظاهرة المتنامية عبر طرح فرص عمل للشباب في مؤسسات ذلك القطاع. ومؤخرا، نجحت وزارة القوى العاملة ، بالتعاون مع هذا القطاع في تحقيق إنجاز لافت تمثل في توفير 25 ألف فرصة عمل للشباب في الشركات الخاصة العمانية خلال الفترة من الثالث من ديسمبر الماضي وحتى نهاية شهر أبريل المنقضي بمختلف مؤسسات القطاع الخاص في كافة المحافظات استمرارا للجهود المبذولة من كافة الجهات الحكومية والخاصة بتوفير فرص عمل للباحثين عن عمل وفقا لما أقره مجلس الوزراء في هذا الجانب. وحتى التاسع من الشهر الماضي بلغ عدد الذكور الذين تم تعيينهم 15 ألفًا و417 باحثا عن عمل بينما بلغ عدد الإناث سبعة آلاف و455 باحثة عن عمل، كما بلغ عدد المعينين من حملة الدبلوم أقل من دبلوم التعليم العام 11 ألفًا و28 باحثا وسبعة آلاف و858 من حملة دبلوم التعليم العام فيما بلغ عدد المعينين من حملة المؤهلات، الدبلوم الجامعي والجامعي ، ثلاثة آلاف و986 مواطنا ومواطنة.

بموازاة ذلك، حددت الحكومة نسبة «التعمين» في مؤسسات القطاع الخاص ، بمعنى ضرورة تعيين المواطنين العمانيين بتلك المؤسسات ، بنحو 60% لمنح تراخيص العمل خلال مرحلة التأسيس. ويمكن القول إن استراتيجية «التعمين» تعتبر أحد أبرز المساعي الحكومية للتخفيف من حدة مشكلة الباحثين عن عمل ، وتقليص الاعتماد المفرط على الأيدي العاملة الوافدة ، خصوصا وأن ارتفاع أعداد الوظائف للأجانب في سلطنة عمان يعد من أبرز أسباب أزمة الباحثين عن عمل ، إذ أكد المركز الوطني للإحصاءات والمعلومات أن عدد الأجانب في عُمان تجاوز 2.08 مليون أجنبي، ليشكل الوافدون ما نسبته نحو 45.7% من إجمالي السكان بنهاية العام 2016، كما يتجاوز عدد الوافدين في القطاعين الحكومي والخاص 1.8 مليون أجنبي .

لذا، يحمل الكثير من العمانيين الأيدي العاملة الوافدة نصيب الأسد من المسؤولية عن أزمة الباحثين عن عمل ، حيث يعتبرونها بأنها السبب في انحسار فرص العمل وبقاء الكثير من المواطنين العمانيين دون وظائف. وتُظهر الأرقام الرسمية الصادرة مؤخرا، أن عدد الوافدين في سلطنة عمان ارتفع بمقدار 153 ألفًا و319 وافدا خلال العام الماضي، وهي حوالي ضعف الزيادة في عدد المواطنين العُمانيين ، كما أضحى نصيب العُمانيين من الوظائف العليا محدودا مقارنة بنسب الوافدين ، إذ تبلغ نسبة العمانيين المنخرطين في القطاع الخاص 13.1%، مقارنة بـ 86.9% من الوافدين، ويمثل العمانيون الحاملون للمؤهلات الجامعية نسبة 11.5 % فقط من مجمل العاملين في القطاع الخاص؛ وفقا لوزارة التعليم العالي. وبينما بلغت نسبة التعمين في القطاع المصرفي 80%، وفي مجال البنوك 90% ، لا تزال نسبة الوافدين في القطاع الخاص العماني تشكل تحديا مهما في ظل تعاظم ثقة أرباب العمل بذلك القطاع في القوى العاملة الوافدة.

وحرصا منها على معالجة هذا الخلل ، أطلقت الحكومة العمانية برامج لمنح الأولوية للمواطنين العمانيين في التوظيف ، علاوة على تقليل الاعتماد على العمال الأجانب على مستوى القطاعين العام والخاص بالسلطنة ، كما اقترح نواب بمجلس الشورى العُماني منح تسهيلات وامتيازات للشركات والمؤسسات التي تقوم بتعمين الوظائف العليا.

وعلى رغم كونها فكرة بناءة وإيجابية ، لم تخل سياسة إشراك القطاع الخاص في التصدي لأزمة الباحثين عن عمل في السلطنة من تحديات . حيث يعاني ذلك القطاع من ضعف الحافز التشجيعي للشباب العماني مقارنة بحوافز أفضل متوفرة لدى القطاع الحكومي ، خصوصا بعد قرار توحيد الرواتب الذي تم تنفيذه مطلع العام 2014 ، والذي أدى إلى زيادة في المرتبات وصلت إلى الضعف في بعض الدرجات الوظيفية. ومع ذلك ، يعاني القطاع الخاص العماني من ضعف الإقبال عليه من قبل المواطنين ، علاوة على عدم ربط غالبية المخرجات التعليمية بسوق العمل في ذلك القطاع.

وبناء عليه ، يرى خبراء اقتصاديون أن خفض معدل الباحثين عن عمل في السلطنة يستوجب توجيه الوظائف الشاغرة في السلطنة نحو القطاعات الإنتاجية التي تساهم في التنمية الاقتصادية المستدامة، والعمل على نشر ثقافة ريادة الأعمال بين الشباب ، وزيادة التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص لتحقيق النمو الاقتصادي ، ورفع كفاءة خريجي الجامعات للارتقاء بمستوى فاعليتهم في سوق العمل ، فضلا عن إقامة مشاريع استثمارية تؤمن فرص عمل للعمانيين ، وإعطائهم الأولوية بدلا من الأجانب بعد تأهيلهم. وفيما يخص سياسة التعمين ، فيرى أولئك الخبراء الاقتصاديون أنها لم تؤت أكلها على النحو الفعال حتى الآن ، حيث يحتاج التحاق العمانيين بسوق العمل في القطاع الخاص إلى تطوير قطاع التعليم من أجل رفع كفاءة الطلبة العمانيين وتدريبهم على الاختصاصات التي يتطلبها ذلك القطاع، هذا علاوة على أن مسيرة توطين الوظائف لا تزال تتسم بالبطء الشديد.

وتوخيا منها لتسريع إيقاع جهود التوظيف ، أطلقت السلطنة مشاريع استثمارية جديدة في قطاعي النفط والغاز من شأنها أن تفتح آفاقا وظيفية جديدة أمام الشباب، منها إنشاء شركة النفط العُمانية مصفاة لتكرير النفط في المنطقة الاقتصادية بالدُّقم، بطاقة إنتاجية تفوق مائتي ألف برميل يوميا، كما تستهدف الشركة إقامة أكبر مركز لتخزين النفط في منطقة الشرق الأوسط العام القادم . كما أبرمت شركة تريسكورب ، ومقرها سنغافورة اتفاقا لبناء محطة تخزين نفط جديدة في الميناء، ما يعزز تجارة النفط العمانية، ويوفر المزيد من فرص العمل في السلطنة ، ومن جانب آخر استطاع حقل خزان للغاز توفير 850 وظيفة في المرحلة الأولى و14 ألف فرصة عمل من خلال الشركات العاملة في المشروع، وبلغت نسبة التعمين في شركة بي.بي عُمان 70% ، ويتوقع لها أن تصل إلى 90% بحلول عام 2025. وقد نجح برنامج التدريب المقرون بالتوظيف في قطاع النفط في توفير 6800 فرصة عمل في ذلك القطاع، كما تخطط شركة تنمية نفط عُمان لتوفير 1000 فرصة للتدريب المقرون بالتوظيف حتى 2020 ، فيما استقطبت الشركة العمانية للمصافي والبتروكيماويات (أوربك) 1000 عماني من خريجي الجامعات والكليات خلال بضعة أعوام.

على صعيد آخر ، قررت سلطنة عُمان مجابهة مشكلة الباحثين عن عمل بطريقة مبتكرة عبر وضع الكرة في ملعب الشباب ، من خلال تقديم قرض بنكى ميسر لكل شاب ليؤسس مشروعه الخاص به ، ولا ينتظر وظيفة تقليدية سواء في مؤسسة حكومية أو في شركة خاصة . وهو أمر أثبت نجاحا على المستوى الدولي ، كما ساهم في إيجاد كيانات غير حكومية عدة تبحث عن أفكار مبتكرة بهدف تمويلها.

فبحسب هذا النظام ، فإن القروض التي تزيد قيمتها عن 5000 ريال ستقدم بمعدل فائدة سنوي قدره 2 % ، وفترة سماح مدتها سنة واحدة ، أمّا القروض التي تبلغ 5 آلاف ريال أو أقل فلا فائدة عليها. وقد أعلن بنك التنمية العماني أنه سيمول مجموعة من المشروعات الجديدة كجزء من خطة الحكومة للتمويل الذاتي. وبموجب هذا النظام، ستقدم المصارف في السلطنة قروضا ميسرة ، إما بفائدة منخفضة، أو معدومة تقريبا ، ويتوقف ذلك على قيمة المبلغ الذي سيحتاجه كلّ شاب.

وحتى تؤتي استراتيجية إقراض الشباب أكلها على النحو المطلوب ، يمكن للحاصلين على القروض تلقى دورات تدريبية للتأسيس لمشاريعهم الخاصة ، خصوصا وأنهم ليسوا من ذوي الخبرة حيث لم يسبق لهم تسيير الأعمال وإدارتها . وفي هذا السياق ، يمكن أن تقوم الحكومة بجهد أكبر لتدريب الشباب قبل تسليمهم قروضا للتأكد من نجاح مشاريعهم ، على أن يتضمن التدريب كيفية وضع خطة عمل مستدامة، وفهم الموازنات ومعرفة كيفية الترويج لأعمالهم ، لتحقيق أرباح على المدى الطويل.