1339190
1339190
روضة الصائم

المعمري: محاضرة للمفتي في إبراء شدتني وغيرت مجرى حياتي

26 مايو 2018
26 مايو 2018

دراسة القرآن تلاوة والتقائي بالمشايخ .. منعطفات ساهمت في بنائي العلمي والدعوي -

أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي -

قال فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن سعيد المعمري عضو هيئة التدريس بكلية العلوم الشرعية إن دراسة القرآن الكريم تلاوة والتقاءه بالمشايخ (الخليلي والصوافي والقنوبي) منعطفات ساهمت في بنائه العلمي والدعوي.

وذكر المعمري أن محاضرة لسماحة الشيخ المفتي ألقاها بمدرسة المتنبي الثانوية في إبراء وكان يومها في (الصف الأول الإعدادي) شدته وغيرت مجرى حياته فكانت محاضرة مؤثرة بمعنى الكلمة في علمها وبلاغتها وأسلوبها فضلا عن تواضع الشيخ وأدبه الجم وورعه وتقواه وكل هذا شدّني شدة عظيمة كما يقال في تلك الفترة وغير مجرى حياتي بفضل الله وتوفيقه وصار هناك ارتباط بالشيخ بعد ذلك عن طريق متابعة دروسه ومحاضراته وفتاويه وقراءة كتبه. فقد شكلت لدي تكوينا علميا تأثرا بمدرسة الشيخ الخليلي ـ حفظه الله تعالى ـ التي تتميز بالقوة العلمية والعناية باللغة والعناية بالدعوة مع الانفتاح على العالم وكذلك حل القضايا المعاصرة في ضوء الكتاب والسنة اعتمادا على القواعد الأصولية والفقهية واللغوية وفتح باب الاجتهاد للمتمكنين منه على الشروط التي ذكرها أهل العلم مع الثقافة التي يتميز بها الشيخ ـ حفظه الله تعالى ـ من الاطلاع على الواقع وتأثره بمنهج الإصلاح بجميع مجالاته.

وأوضح فضيلته في تعريفه للملكة الفقهية بأنها صفة نفسية تمكن صاحبها من استنباط الحكم الشرعي من دليله اعتمادا على القواعد الأصولية.. وإلى الجزء الأول من اللقاء.

-حدثنا عن أبرز النقاط التي شكلت منعطفا في بنائكم العلمي أيام الشباب وما أبرز التجارب التي أفادتكم في مسيرتكم؟

الجواب على كل حال أستغفر الله وأتوب إليه، فليس هناك ما يستحق أن أذكره من قبلي حتى يدوّن إلا من باب الاعتراف بالفضل لأهله من الأساتذة والمربين الذين درسوني وربوني جزاهم الله خيرا، فعل أول هذه المنعطفات هو دراسة القرآن الكريم تلاوة على يد احد الأساتذة المعلم سيف بن سعيد الشكيري رحمه الله تعالى وذلك في إبراء بقرية السفالة، وكان يعلمنا الحروف أولا المعروف بالإعراب ثم بعد ذلك انتقلت إلى دراسة القرآن الكريم وأتممت والحمد لله تعالى قراءته من أوله إلى آخره على يديه تقريبا في نفس السنة.

وبالنسبة للمنعطف الآخر هو التحاقي بمركز صيفي في إبراء أيضا في مسجد الجامع (مسجد السوق) وكان يأتينا في الصيف بعض الأساتذة وأهمهم كان الأستاذ خلفان بن محمد البراشدي والتحق به أيضا بعض الأساتذة كالشيخ سعيد بن سلطان الحارثي وكان ذلك المركز الصيفي يحوي لفيفا من الطلبة في المرحلة الابتدائية والإعدادية ولذلك كان مجتمعا مباركا وكان اللافت فيه أو المهم هو تعليم النحو ففعلا بدأنا دراسة بعض مبادئ النحو هناك وكذلك بعض مبادئ العقيدة والفقه بالطريقة العملية وأيضا مادة الأخلاق وكان مطلوبا منا أن نحفظ خاتمة مدارج الكمال للإمام نور الدين السالمي (حق على من ألهم الله الحكم .. أن يبسط الشكر لمن أولى النعم).. إلى آخر الأبيات فتلك منعطفات مهمة في مرحلة الصغر كان لها تأثير كبير عليّ فضلا عن الالتحاق بالمدارس النظامية فقد أفادتني كثيرا والجميع مشكور بدوره إدارة وأساتذة.

والشيء المهم بعد ذلك هو الالتحاق بمدرسة الشيخ حمود بن حميد الصوافي حفظه الله تعالى وهذه طبعا لها دور كبير جدا في التشكيل العلمي والتوجيه الفكري وكان ذلك تقريبا في الصف الأول والثانوي، فالشيخ حمود الصوافي حفظه الله تعالى لا يخفى فضله وعلمه علينا جميعا.

وبدأت الدراسة هناك مركزة على يد عالم من علماء الأمة المربين والحمد لله درست على يديه في ابتداء الأمر بهجة الأنوار في العقيدة، منظومة أنوار العقول للإمام نور الدين السالمي رحمه الله تعالى مع شرحه عليها وكان هناك ابتداء لدراسة النحو أيضا ولكن عن طريق مسائل وقواعد بسيطة وإعرابات لأبيات وجمل مع التنبيه على بعض القواعد والتدريب العملي عن طريق القراءة على يد الشيخ وهو يصحح وبأن يأمرنا الشيخ بإلقاء درس معين وهو يتابع الموضوع ثم في السنة التالية بدأت أدرس معه شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك وكانت نقلة نوعية كبيرة جدا في مجال اللغة العربية.

والفقه أيضا درسته على يدي الشيخ عن طريق المسائل التي كان يلقنها لنا في أبيات أو في نصوص نثرية يطلبنا بحفظها أو بقراءة كتاب خاصة في تلك الأيام نقرأ فيها عدة كتب في الحلقات الموجودة لأننا كنا نتابع الشيخ ليلا ونهارا لا يكاد يفصلنا عنه إلا النوم فكنا نقرأ في حلقة الجامع في المسجد في جامع أركان الإسلام وقطعنا فيه شوطا كبيرا وتارة ننتقل من باب منه إلى باب آخر حسب المناسبة، أن حضر رمضان نقرأ في باب الصيام ان جاء الحق نقرأ في باب الحج وهكذا حسب المناسبة وكذلك كان هناك حلقة في السبلة في (المغدر) وكانوا يقرأون فيها أجوبة الإمام نور الدين السالمي رحمه الله تعالى (العقد الثمين) وتارة يقرأون (لباب الآثار) وتارة يقرأون (جوهر النظام) وهكذا حسب الكتاب وكنا نرافق الشيخ في ذلك كله وهو يشرح للكبار ونحن نستمع إليه وتارة يوجه إلينا الأسئلة وان شاء الله تعالى نستفيد منه حفظا وفهما، فضلا عن الأسئلة التي كانت توجه إليه من قبل عامة الناس من بدو وحضر من رجال ونساء من صغار وكبار من ضيوف يأتون من خارج سناو وأهل البلد أو عندما يسافر إلى مكان كنا نرافقه، بعض الرحلات تستغرق يوما كاملا تارة ثلاثة أيام وتارة أسبوعا كاملا نذهب في رحلة مطوّلة كان الوقت أفرغ في تلك الأيام والحمد لله، فكنا نرافقه في ذلك كله ولا شك أن هذا مفيد جدا للطلبة يربيهم على منهج التعلم ومنهج الدعوة جزاه الله تعالى خيرا.

جاء بعد ذلك منعطف مهم جدا ومنعطف كبير وهو اللقاء بالشيخ العلامة سعيد بن مبروك القنوبي حفظه الله تعالى وهنا صار تجديد في بعض العلوم فالشيخ سعيد متميز كونه عالما مجتهدا يعتمد على الدليل فذلك ينمي ملكة الاستنباط فدرست على يديه أصول الفقه وكذلك علم الحديث وكان لمرافقته والدراسة على يديه فضل كبير فضلا عن دراسة كتاب (بهجة الأنوار) من أوله إلى آخره حين كان يلقي دروسه في مركز الشيخ حمود حفظه الله تعالى، فمع تحقيقاته العلمية كان هناك نقلة نوعية كبيرة -ما شاء الله تعالى - بعد ذلك تمت الملازمة له ولشيخنا حمود الصوافي ولا زلت اعتز بهذه الملازمة التي تصل إلى ثلاثين عاما أو يزيد مع كل الشيخين.

والمنعطف الآخر بعد ذلك هو الالتحاق بمعهد القضاء والشرعي والوعظ والإرشاد حيث كان يسمى بتلك التسمية في وقتها والآن صار كلية العلوم الشرعية. فكان هناك أيضا نوع من الانعطاف العلمي المهم لأن هناك مواد أخرى لم تسنح لي الفرصة بقراءتها على يد المشايخ بالطريقة التقليدية المعهودة ففي الكلية هناك مواد أخرى في السيرة وأيضا مقاصد الشريعة والقواعد الفقهية ودراسة الأدب والنصوص والبلاغة والصرف أيضا وبعض المواد الأخرى التي تنمي الملكة العلمية وتكمل على ما درسناه على يد المشايخ جزاهم الله تعالى خيرا، فبذلك والحمد لله صار هناك تكامل بين المناهج المختلفة في العلم ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لما فيه الخير ولا زلنا طلبة علم مهما سعينا في تحصيله فلا نزال على شواطئ بحره ونسأل الله تعالى أن يسقينا ويروينا من فضله تنظيرا وتطبيقا فهو ولي ذلك والقادر عليه والله تعالى أعلم.

إضافة مهمة إلى ما تقدم عن اهم المنعطفات في البناء العلمي والدعوي هو اللقاء بسماحة الشيخ احمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة حفظه الله تعالى الذي له الفضل علينا جميعا وكان أول لقاء به في المرحلة الإعدادية حيث كنت أدرس في مدرسة المتنبي الثانوية في إبراء واستدعي من قبل مدير المدرسة المسمى (لافي عوض الله) ولما ألقى محاضرته وأنا أستمع إليه وكنت في الصف الثاني الإعدادي تقريبا فكانت محاضرة مؤثرة بمعنى الكلمة في علمها وبلاغتها وأسلوبها فضلا عن تواضع الشيخ وأدبه الجم وورعه وتقواه وكل هذا شدّني شدة عظيمة كما يقال في تلك الفترة وغير مجرى حياتي بفضل الله وتوفيقه وصار هناك ارتباط بالشيخ بعد ذلك عن طريق متابعة دروسه ومحاضراته وفتاويه وقراءة كتبه وبعد الدراسة مع الشيخ حمود حفظه الله صار هناك لقاء اكثر بالشيخ الخليلي ثم لما انتقلت إلى كلية العلوم الشرعية صار اللقاء اكثر عن طريق دروس التفسير كل ليلة أربعاء من كل أسبوع إلا في الصيف حيث كان الشيخ افرغ من الآن وكان مواظبا على هذه الدروس إلا لعذر فاستمر الدرس عدة سنوات فضلا عن متابعة الشيخ في دروسه الإذاعية والتلفزيونية والفتاوى التي تنشر في وسائل الإعلام المختلفة وكذلك قراءة فتاويه وكتبه التي يؤلفها فهذا أيضا شكل تكوينا علميا تأثرا بمدرسة الشيخ الخليلي حفظه الله تعالى التي تتميز بالقوة العلمية والعناية باللغة والعناية بالدعوة مع الانفتاح على العالم وكذلك حل القضايا المعاصرة في ضوء الكتاب والسنة اعتمادا على القواعد الأصولية والفقهية واللغوية وفتح باب الاجتهاد للمتمكنين منه على الشروط التي ذكرها أهل العلم مع الثقافة التي يتميز بها الشيخ حفظه الله تعالى من الاطلاع على الواقع وتأثره بمنهج الإصلاح بجميع مجالاته فلا شك أن هذا أيضا اثر تأثيرا نفسيا كبيرا على المشوار العلمي المزعوم لي - نسأل الله تعالى التوفيق والثبات والإخلاص والقبول إن الله تعالى ولي ذلك والقادر عليه.

ماذا يعني مصطلح الملَكَة الفقهية؟

ربما نقول إن شاء الله تعالى بأن الملكة الفقهية هي صفة نفسية تمكن صاحبها من استنباط الحكم الشرعي من دليله اعتمادا على القواعد الأصولية، فهذا ما يذكره أهل العلم في بيان أصول الفقه حيث يقول الإمام السالمي رحمه الله تعالى:

بأن علم الأصول بمعناه اللقبي علم يقتدر به على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها وذكر الخلاف بين أهل العلم بالمراد من كلمة علم فقيل هي القواعد نفسها وقيل هي الملكة الحاصلة من ممارسة القواعد كما حكاه عن البدر الشماخي رحمه الله تعالى، وهذا هو الأقرب، فليس المراد هو حفظ القواعد او إتقانها أي مع حفظها يكون هناك فهم واستيعاب لها ولكن الأهم من ذلك هو إضافة إلى ما تقدم من حفظ القواعد وفهمها هو التمكن من تطبيقها لأجل استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها.

-ما المؤهلات والقدرات التي ينبغي توافرها لتكوين الملكة الفقهية؟ وكيف يمكن اكتساب هذه القدرات؟

إجابة الشق الأول من هذا السؤال هي شروط الاجتهاد وقد نص على ذلك طائفة من أهل العلم ومنهم الإمام نور الدين السالمي رحمه الله تعالى في طائفة من كتبه ومنها (طلعة الشمس) فقد قال في شمس الأصول - أي في المتن - حين يبين شروط الاجتهاد أو شروط المجتهد:

وذاك أن يكون عالما بما

     إليه يحتاج اجتهاد العلما

من علم نحو لغة وصرف

ومن أصول حسبما قد يكفي

ومن بلاغة لفهم المعنى

       وكل فهم عنه لا يُستغنى

وبالكتاب وبحكم السنة

       وما أتى به اجتماع الأمة

فيمكن أن نذكر ذلك على الصفة التالية بإضافة بعض الأشياء أيضا كما ذكر ذلك شيخنا الخليلي وغيره من أئمة العلم نقول يشترط: شروط نفسية أولا وثانيا شروط علمية.

أما النفسية فمنها الملكة الفطرية وذلك بأن يكون عند هذا المرء صفات نفسية تؤهله بالقيام بهذه المهمة العظيمة وهي بأن يكون إماما في العلم مرجعا في الدين قائدا للامة ولذلك يشترط أن يكون عنده قوة حفظ وقوة فهم وقوة صبر ورغبة في العلم واجتهاد في التحصيل وكذلك أن يكون فيه صفة قيادية وثقة بالنفس وقدرة على التحليل والاستنباط والربط بين الأشياء أو بين المسائل والقدرة على التفريع فضلا عن العدالة أي الصلاح والتقوى و الأمانة فهذا كله أمر مطلوب حتى يعطي هذا الأمر حقه، فهذه هي الصفات النفسية واذكر أننا كنا في لقاء مع سماحة الشيخ الخليلي حفظه الله تعالى وكنت مرافقا للشيخ حمود الصوافي والشيخ سعيد بن مبروك القنوبي حفظهما الله تعالى في زيارة لشيخنا الخليلي، وكانت تلك الأيام أيام الأولى لظهور الشيخ القنوبي بعلمه وفضله وكان الشيخ الخليلي حفظه الله تعالى محتفيا به احتفاء بالغا وسعيدا بظهور عالم في الأمة بهذا القدر العظيم من العلم فأخذ يثني في الشيخ القنوبي في حضرته وبحضور الشيخ الصوافي وطلبة العلم والضيوف، فذكر أن شيخنا القنوبي حفظه الله تعالى يتميز بالحفظ الخارق والذكاء النادر والاجتهاد البالغ، ذكر هذه الصفات الثلاث، فلما سمع الشيخ حمود من شيخنا الخليلي قال هذا توفيق من الله تعالى. فعقب شيخنا الخليلي على ذلك بأن هذا ضروري.

أما الصفات العلمية فيشترط فيمن يكون لديه ملكة فقهية أي بلوغ درجة الاجتهاد، أن يكون عالما بالقرآن الكريم وهو كل ما يتعلق بالقرآن بحيث يعلم القرآن حفظا قيل كل القرآن وقيل حسب ما يحتاج إليه من المواضع في الاستنباط وقيل آيات الأحكام وطبعا لا شك انه إن استطاع حفظ القرآن كله فهذا مهم، وان لم يكن شرطا بمعنى الشرطية ذلك لان معرفة القرآن بآياته كلها يزيد الملكة الفقهية ليس في مواضع آيات الأحكام فقط وإنما بمعرفة غايات القرآن وهداياته التي يجب أن تنسجم مع أحكامه التي يستنبطها هذا المجتهد كما نبّه على ذلك بعض المحققين، فأقول حفظ القرآن وفهمه ودراسته وتدبره وكذلك معرفة العلوم المتعلقة به بما يعرف بعلوم القرآن بمعرفة المكي والمدني والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول لما لها من أثر في الحكم جهات متعددة وكذلك معرفة المحكم من المتشابه وكذلك كل ما يتعلق بذلك من تفاصيل وغير ذلك من علوم القرآن المعروفة في الإعجاز ونحو ذلك فهذا يحتاج إليه المجتهد لان القرآن هو المصدر الأول للتشريع فيرجع إليه أولا، وحتى لا يقع المجتهد في مسألة مخالفة للحكم الشرعي الذي ورد في القرآن منصوصا وإلا عدّ هذا الاجتهاد باطلا كما ينص على ذلك العلماء فلا اجتهاد مع النص، وكذلك العلم بالسنة النبوية يجب أيضا معرفة السنة من حيث الثبوت ومن حيث الدلالة كما يقولون رواية ودراية ومن حيث طرق هذا الثبوت هل هو آحاد أو متواتر ويعلم هل هذا الثبوت ظني أم قطعي وكذلك ليعلم موضع الاجتهاد من عدمه فيما كانت دلالته قطعية أو دلالته ظنية لان السنة هي المصدر الثاني للتشريع لا يجوز أن يكون الاجتهاد مخالفا لما كان قطعي الثبوت وقطعي الدلالة إلا كان مردودا وأما ما عدا ذلك فإن هناك تفصيل في هذا الأمر فيما يجوز فيه الاجتهاد  وما لا يجوز.

فلا بد أن يكون المجتهد مطلعا على السنة قدر إمكانه لا نستطيع أن نقول بأنه يشترط أن يحيط بها فإن ذلك لا يكاد يستطيعه أحد فهو فوق الطاقة ولكن ما يعلمه الكثير منها فيكون مطلعا على الروايات المختلفة ومطلعا على كتب الحديث المختلفة ويعتمد على الثابت منها والصحيح والحسن دون الضعيف فضلا عن الموضوع ويفرّق بين الروايات الموقوفة والمرفوعة والمقطوعة ويفرق بين المسند وغير المسند مما هو متصل وغير متصل، يعرف أنواع الحديث باعتبارات المختلفة –كما هو معلوم- باعتبار وصولها إلينا من حيث التواتر والآحاد من حيث نسبتها إلى صاحبها كما هو معروف في تقسيم هذا المرفوع والموقوف والمقطوع وكذلك من حيث الاتصال من عدمه فهناك المتصل وهناك المنقطع، هناك المرسل المعضل المعلق كذلك من حيث الثبوت او القبول والرد فهناك المقبول والمردود والمقبول منه ما هو صحيح ومنه ما هو حسن والمردود عده بعض العلماء إلى أنواع كثيرة جدا وعدّه البستي فيما أوعى لتسعة وأربعين نوعا، وعلى كل حال يدرك قدر الإمكان هذا الأمر بنفسه وأجاز بعض العلماء إن لم يتمكن من ذلك بنفسه أن يعتمد على عالم موثوق به في علم الحديث في التصحيح والتضعيف بحيث إن كان ذلك العالم المحدث فيقول ان هذا الحديث ثابت فيستطيع هذا المجتهد الفقه ان يستنبط منه الحكم الشرعي وان كان ضعيفا فلا حجة فيه.

وبذلك أيضا يعرف دلالات السنة بعد الثبوت فالسنة كالقرآن أيضا فيها المحكم والمتشابهة فيها المطلق والمقيد فيها العام والخاص فيها الناسخ والمنسوخ هناك أسباب ورود أيضا للحديث ينبغي إدراكها ليُعلم الخصوصية من عدمها، هناك بعض الأحاديث أو الروايات أو الأحكام نقول هي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعضها هي أمور جبلية ليس فيها تشريع والبعض هو تشريع للأمة كما هو الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم فيفرّق أيضا هذا المجتهد بين السنة في ذاتها هل هي سنة مؤسسة لحكم شرعي أو أنها سنة تقريرية أو هي سنة فعلية من النبي صلى الله عليه وسلم نفسه أم هي سنة قولية ثم ما علاقتها بالقرآن هل هي مؤكدة لما جاء في القرآن أو إنها مخصصة لعموم أو أنها مقيدة لإطلاق أو أنها ناسخة على قول بعض أهل العلم، أو أنها مستقلة بالتشريع كما هو الحق في هذا الموضوع خلافا لمن يزعم خلاف هذا الأمر فعلى كل حال أيضا يكون لديه إلمام بالسنة وذلك بقراءة شروح الحديث ليستفيد من كلام أهل العلم كما أن العلم بالقرآن يقتضي الرجوع إلى كلام أهل العلم في التفسير لمعرفة دلالات القرآن ومعاني الآيات حسب اختلاف كتب التفسير أيضا هل هي فقهية أم بيانية أم لغوية أم غير ذلك مما هو معلوم.