روضة الصائم

عمر البريكي: التحدي الأكبر يتجسد في كيفية كسر المنشد حاجز الخوف وكسب ثقة الجمهور

24 مايو 2018
24 مايو 2018

أجرى الحوار: أحمد بن علي الذهلي -

المنشد عمر البريكي صوت يحمل ثنائية جميلة سواء في عذوبة الصوت أو دماثة الخلق. بدأ يشق طريقه في فن الإنشاد منذ ١٤ عاما، كان والده - رحمة الله عليه - منشداً ويأخذه مع أخيه الأكبر للحفلات الإنشادية بمفهومنا الحديث، وأما بمعناها التراثي العماني فتسمى بـ(المالد)، حيث يتم الاحتفال بمولد النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، وذكر سيرته النبوية. وسط كل ذلك بحث البريكي منذ نعومة أظافره عن موطئ قدم ينطلق من خلاله، ويشجيه و يوصله إلى الاستقرار الذاتي الذي يفتح له آفاقا رحبة نحو الوصول إلى مراحل التقدم في هذا المجال، وبالفعل جاءته الفرصة المناسبة، حيث أصبح عمر وجها مألوفا في الإذاعة المدرسية من خلال تقديمه بعض القراءات القرآنية التي حظيت باهتمام بالغ من المدرسين وإشادة من زملائه الطلبة، عبرت به الحياة بمحطاتها المختلفة، فعام بعد آخر، وصل البريكي لمرحلة الإدراك أن لديه صوتا يستطيع التفنن به وتكوين شخصيته كمنشد، - ولله الحمد - استطاع أن يحفر لنفسه مكانة بين أســـماء المنشدين الشباب في السلطنة من خلال تقديمه لجملة من الأعمال المنتقاة التي يفتخر بتقديمها على الدوام.

تقديم التراث

وحول مجريات حياته كان لـ( ) هذا الحوار مع عمر البريكي الذي تحدث لنا قائلا: كما سردت في تقديمك لي: إن بداياتي كانت ترتكز على تقديم التراث، واطلعت على ما يناسب إمكانياتي من مجسات حجازية، وموشحات أندلسية وأناشيد حديثة، وأعتقد جازما أن كل ذلك كان له التأثير الكبير في تكوين شخصيتي الإنشادية، ولا شك أن الدعم المعنوي الذي وجدته من أسرتي كان له الأثر الأكبر في ذلك، وخلال الفترات المتلاحقة كانت لي العديد من المشاركات في الفعاليات المحلية، ومن ثم التحقت بفرقة إنشادية محلية فتحت لي آفاقا واسعة في هذا المجال، وبعد التحاقي بجامعة السلطان قابوس في ٢٠٠٦م استطعت تحقيق لقب (منشد الجامعة في نسخته الأولى)، مما كان له أثره الإيجابي في انتشاري في الساحة العمانية، وحاليا أنا عضو في فرقة (أريج الفنية) التي أصبحت متنفسا حقيقيا بالنسبة لي بعد تجاربي السابقة، وحقيقة اعتبرها بيتي الصغير الذي أعيش فيه، وأنطلق من خلاله نحو المحافل المختلفة.

وعن الرسالة التي يهدف إلى توصيلها فن الإنشاد من وجهة نظره قال: أعتقد أن الإنشاد يدعو لنفس المبادئ أو الرسائل الإيجابية التي يقوم عليها ديننا الحنيف، وهي التي تحض على التسامح، والسلام وحب الله ورسوله، والتعاون على الخير والبذل والعطاء في سبيل الوصول إلى استقرار نفسي مفعم بالإيجابية.

مشاركات كثيرة

وحول أهم المشاركات الماضية قال: مهما تعددت المحطات في حيات المنشد تظل كل محطة لها طعمها ومذاقها الخاص، وبالنسبة لي فإن مشاركتي كانت في منشد الجامعة، ثم منشد الشارقة بدولة الإمارات ٢٠٠٩ م، ثم شاركت في مهرجان المحبة والنصرة باليمن ٢٠١٣م، ثم ليلة الإنشاد بدار الأوبرا السلطانية ٢٠١٥ م، ثم المهرجان الإنشادي الثامن بمملكة البحرين ٢٠١٥م بالإضافة إلى بعض المشاركات الأخرى، وبعد كل فعالية أو محطة يجد المنشد نفسه سعيدا بكل ما يقدمه من أعمال، خاصة في ظل المنافسة الشريفة بين الأصوات الموجودة في الساحة، أيضا مع كل عمل تزداد الخبرة لأنها عملية تراكمية تزداد عاما بعد آخر.

وكغيره من المنشدين يرى عمر البريكي أن هناك بعض الأدوات والمكونات والصفات التي يجب أن تتوفر في أي منشد يشق طريقه في هذا المجال، لعل أبرزها الإمكانيات الصوتية التي تساعده على أداء مختلف القصائد الشعرية بشيء من الاحترافية والقبول من المتابعين، ومن ثم عليه أن يتمسك بالمبادئ الأخلاقية، والمحافظة على الأصالة في تقديمه للأعمال ومواكبا لكل جديد يعرض في الساحة، ولا ينسى المنشد كذلك أن يعمل على زيادة إثرائه من معين الثقافة الفنية، الأمر الذي يدفعه إلى الاستمرارية في التعلم، وهو المرتبط بالتدريب، ويكون المنشد على الدوام لديه كافة الاستعدادات النفسية لتقبل النقد البناء بهدف تطوير ذاته ويستطيع الوصول إلى الجمهور بسهولة ويسر.

كسر حاجز الخوف

وعن الصعوبات أو التحديات التي تواجه المنشدين قال: في الغالب تكون مرحلة البداية أصعب المراحل في حياة أي مشوار ناجح، في البدء يحاول المنشد أن يتعرف على خامته الصوتية، وتفاصيلها بشكل كبير، وربما أكبر عقبة يواجهها هي كيفية كسر حاجز الخوف من الفشل أو عدم تقبل الجمهور له، وبالتالي فإن الثقة بالنفس من الضروريات التي يجب أن يعتمد عليها أي منشد، وأرى ضرورة أن يسعى المنشد إلى التغلب على بعض العقبات التي تواجهه من خلال عمله الدؤوب سواء من ضعف المادة أو الارتقاء بإمكانياته الصوتية؛ من أجل النهوض بمستواه الفني مع الإحساس الداخلي، وأن يعي خطورة تراجع مستواه كنتيجة عكسية لقلة المشاركات خاصة بعد تكوين قاعدة جماهيرية خاصة به، ويشدد عمر البريكي خلال حديثه على أهمية مواكبة التطور الملموس في فن الإنشاد بمختلف اتجاهاته الدينية والاجتماعية، مع المحافظة على البصمة الفنية، والتغلب على الصعوبة في المحافظة على صفاء الصوت وقت الحفلات والمشاركات.

مجتمعاتنا ملتزمة دينيا

وحول كيف استطاع فن الإنشاد أن يؤثر في المجتمع خاصة مع قلة الإمكانيات، وضعف الإقبال عليه في فترة من الفترات، الأمر الذي دفع عددا من المنشدين إلى ترك هذا المجال بدون عودة؟ أجاب قائلا: الإنشاد فن جميل، في الأغلب يكون تحت مظلة الثقافة الدينية، -ولله الحمد- مجتمعاتنا ملتزمة دينيا، وبما أن الإنشاد يظهر جليا في المناسبات الدينية، فمن الطبيعي أن يتعلق به أفراد المجتمع، أضف إلى ذلك مكانة الإنشاد في قلوب الكثير من فئات المجتمع خاصة الذين لا يسمعون الموسيقى وهم شريحة لا باس بها، ودائما أرى أن فن الإنشاد ينتقي المواضيع الإيجابية التي تمس قضايا المجتمع لذلك فهو مؤثر اجتماعيا.

وأضاف: في السابق ظهر فن الإنشاد بشكله البسيط، ومن خلال عدد قليل من الأصوات، ولكن كان مستواهم الفني يحمل درجة عالية من الإتقان والدقة سواء في طريقة الأداء أو بسبب أن مواضيع الإنشاد في ذلك الوقت أصولية بحتة، وترجع للمواضيع الدينية الرئيسية، وكذلك كانت هناك قيود على تقديم هذا الفن، فلم يكن متاحا لمن هم دون المستوى؛ ولذلك فبعض الأشخاص تركوا المجال لعدم قدرتهم على العطاء والتواصل، ولكن في الوقت الحالي نجد الكثير من المنشدين متعلقين بالإنشاد بشكل كبير، بحكم الاسم والسمعة الطيبة التي تحلى بها الإنشاد، ويرجع أيضا إلى انتشار الإنشاد بقوالب مختلفة، ولكن نستطيع القول إن ما يقدم يحمل نفس الرسالة السامية، فاصبح المغني أو المنشد يتجه للإنشاد؛ ولذا اعتقد أن الناس سابقا كانت تحصر الإنشاد في دائرة واحدة؛ لذلك لم يكن منتشرا بهذه الصورة التي نراها اليوم، ومن وجهة نظري في زمننا الحالي لا يوجد فرق بين الإنشاد والغناء إلا في الرسالة التي يهدف إلى توصيلها للمجتمع.

ضرورة تقدير المنشدين

ويعتقد عمر البريكي أن البرامج والمسابقات الحالية أصبحت متنفسا جيدا للمنشدين، وعاملا مساعدا في ظهور البعض، ولكن من تجربة شخصية تتفاجأ أن ذروة التشجيع والدعم تقل لعدم وجود مؤسسة أو حاضنة للإنشاد في السلطنة، وربما هذه ملاحظة يتفق عليها جميع المنشدين، وأمام ضعف الدعم تواصل مشوارك ببطء شديد، حتى وإن انخرطت في بعض المسابقات التي تأتي على مدار العام، وهي غير كافية تجعلك تنسى أنه كانت لديك تجربة ثرية في أحد البرنامج أو المسابقات التي شاركت بها، وأعتقد أن التخطيط الصائب -الذي يجعل من الإنشاد فنا متواصلا مع الناس على مدار العام -غائب كليا عن المنشدين الحاليين -إلا من رحم ربي-، وهذا يرجع إلى حجم الفكر الترويجي والتسويقي، وهو الذي هو مختلف كليا عن المغنيين، ونحن كمنشدين نمثل الحلقة الأضعف في ذلك.

وحول المشاركات وأهميتها والتقدير من المنظمين قال: حبذا لو يدرك المنظمون أهمية فن الإنشاد ودوره في المجتمع لعملوا على إظهاره بالشكل الذي يليق به سواء من حيث تقديره والحرص على تواجده في المناسبات، على اعتبار أن المنشد هو الشمس التي تمدنا بالضياء لتوصيل رسائل إسلامية نبيلة، لكن للأسف هناك إهمال كبير لدى شريحة من المنظمين؛ ولذا تجد أن هناك عزوفا من بعض المنشدين عن المشاركة في مثل هذه المحافل أو الملتقيات؛ وذلك لغياب عنصر التقدير لهذا الفن الإنساني.

وهناك نقطة أخرى هي أن أغلب المنشدين يشاركون في المحافل الصغيرة على اعتبارها لبنة مهمة في حياتهم، ومؤثرة جدا في تحفيز الناشئة لتعلم هذا الفن والرسالة التي يسعى إلى توصيها لكافة أفراد المجتمع.

وينفي المنشد عمر البريكي أن يكون العائد المادي والشهرة سببين مقنعين في تغيير بعض المنشدين لرسالتهم ومبادئهم في مجال الإنشاد، مؤكدا أنهم يسعون إلى تقديم أفضل ما لديهم من إمكانيات صوتية، وينتقون أفضل القصائد الشعرية ولكن العتب من البعض سببه: (إرضاء الناس غاية لا تدرك، وإرضاء الله غاية لا تترك).

عدم الانسجام هو السبب

وانتقل البريكي خلال حديثه لـ(ملحق روضة الصائم) إلى الإشارة إلى أنواع القصور في فهم أهداف وأهمية فن الإنشاد سواء من المجتمع أو من بعض المؤسسات المجتمع المدني بسبب توجهات هذا الفن القديمة، وأضاف قائلا: لم تكن لدى الأوائل ممن امتهنوا هذا الفن وقدموه في صورة الكثير من الثقافة الإنشادية، وأما الوقت الحالي فأستطيع القول إن الجميع يدرك أهمية الإنشاد والإيجابيات التي يدعو إليها، وهذا ما يتضح جليا من خلال حضور الجماهير لحفلات المنشدين التي تقيمها مؤسسات المجتمع المدني التي تحرص على ألا يكون الإنشاد مجرد شيء هامشي، وإنما هو عنصر أساسي من بين الفقرات المقدمة، وهذا يأتي نتيجة طبيعية لمستوى الوعي والإدراك بأهمية الإنشاد في حياة الناس .

وحول تفضيل المنشد العمل بشكل منفرد أم مع إحدى الفرق الإنشادية قال: في اعتقادي كل شخص يرى المناسب له، فالمنشد الذي لا يستطيع الانسجام مع المجموعة ويفضل العمل فرديا، وشخصيا لا أحب الظهور بشكل فردي، وأرى أن الفرقة تعتبر متنفسا وتسهم في اكتسابي للخبرة .

وقال: الكلمة الهادفة ذات المضمون الإيجابي في اعتقادي هي جوهر العمل في فن الإنشاد، لكن البعض يسيء استخدام الآهات البشرية، والبعض الآخر يسيء استخدام الموسيقى مع العلم أن بعض الأناشيد لا تحتاج إلا للإحساس الذي يغمر المستمع بالهدوء والسكينة أو بالحيوية والنشاط، ويشير البريكي إلى أنه في فترة من الفترات ظهر الإنشاد يحمل مفاهيم سلبية، يدعو إلى النعرات الطائفية والمذهبية، وأما اليوم فالواقع قد اختلف، فالمجتمع أصبح أكثر فهما وتنويرا، وطبعا المطلوب من المنشد أو الفنان أن ينوع في طرحه، وأسلوبه بما يتوافق مع صوته، وأن يوسع ثقافته الفنية ليستطيع الوصول إلى ذائقة جمهوره.

قنوات إنشادية

وأكد عمر البريكي على أهمية توفر القنوات الفضائية التي تهتم بالإنشاد، وانتقاء ما ينفع الناس بحيث تلم جميع أطياف المنشدين، موضحا أن العالم الفضائي يعج بالكثير من القنوات التي تقدم الصالح والطالح، وبالرغم من الجهود التي تبذل لتقديم الفن الراقي المحفز، فهناك للأسف قنوات تتبنى نوعية رديئة من الفن، ويجب البعد عنها.

وحول قلة المنتج في مجال الإنشاد الديني سببه الشعراء أو المنشدون يقول: أعتقد أن الاثنين شريكان في المسؤولية، فمثلا بعض الشعراء متخصصون في تقديم لون معين من القضايا الشعرية التي لا تناسب جميع الأصوات، لذا يجب على الشعراء تقديم نماذج متنوعة من إنتاجهم الشعري حتى يستطيع المنشد أن ينتقي ما يناسب صوته ويلبي رغبات الجمهور، وأما بعض المنشدين فنجدهم لا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن شعر المناسب، أو تكوين علاقة مع شاعر يناسب مستواه الفني، فيقدم له ما يناسبه من أعمال، أيضا مشكلة الإصدارات يتبعها العامل المادي فالتكاليف الكثيرة هي التي تجعل من البعض يحجم عن إصدار ألبومه الإنشادي.

وعن أهمية المسابقات في فن الإنشاد، الجوانب الإيجابية التي تثمر عنها يقول: زيادة عدد المنشدين في الساحة يوجد حالة من الحراك، والنشاط خلال الفعاليات، وقد أولت الحكومة اهتماما بالغا بالمواهب الإنشادية، فخصصت لهم مسابقات تنافسية أيام المهرجانات كمهرجان صلالة السياحي وغيره بهدف انتقاء الأصوات الجميلة التي تستطيع أن تقدم أفضل ما لديها، إضافة إلى تشجيع المنشدين القدامى على التواصل مع هذا الفن وتقديم أعمال أفضل تفيد الجميع وأيضا الاستعانة بهم في تحكيم المسابقات؛ ولذا أرى أن المسابقات هي فرصة للمنشدين المبتدئين في ترقية مستواهم، وزيادة خبرتهم والتعرف على باقي الأصوات المنافسة، كما تعمل على زيادة وعي الجمهور والمجتمع بالجانب الإنشادي، أما الجانب الآخر فنجد أن الشعراء يركزون في الوقت الحالي على الأخذ في الاعتبار المواضيع المؤثرة في مجتمعهم أو التي تكون حديث الساعة أيضا تقديم قصائد تحمل طابع السهولة في الكلمات والألحان، وهذه تكون قريبة من قلوب النشء الجديد. وأوضح عمر أن هناك اختلافا جميلا بين الأصوات الإنشادية الجديدة سواء في إمكانية أدائها لمختلف الجمل اللحنية، والزخارف الصوتية، موضحا أنه يجب علينا كمنشدين قدامى أن نفهم تفاصيل هذا الأصوات، ثم نرشدها للنوعية التي تناسبها حتى يستطيع المنشد أن يقدم أفضل ما لديه إذا احسن الاختيار، ويختتم البريكي حديثه بتوجيه النصح والإرشاد للوجوه الشابة المقبلة على الانخراط في مجال الفن الإنشادي: (تعلم فليس المرء يولد عالما، وليس أخو علم كمن هو جاهل).