روضة الصائم

عِشْ الضياء

24 مايو 2018
24 مايو 2018

اختيارات: منار العدوية -

(الجَبَّار)

ذكر في القرآن مرة واحدة

‏﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ ﴾ الحشر23

المعنــى :

هو المصلح أمور خلقه المصرفهم فيما فيه صلاحهم، وهو القاهر خلقه على ما أراد من أمر ونهي وإرادة حكيمة، وهو الخبير بما فيه مصلحتهم ونفعهم . وكذلك هو الذي يجبر كسر عباده ، فقد جبر الفقير حين شرع الزكاة والصدقات، وجبر المريض حين جعل له أجرا إذا تقبل البلاء بالصبر والرضا.

من واقع الحـــياة:

إذا عرف العبد ربه الجبَّار الذي يَسكب السكينة في قلوب عباده وأوليائه وأصفيائه الطائعين المستجيبين لأمره ونهيه المستسلمين لقضائه وقدره، فإنه يطيع ربه ومولاه لا عقله وهواه، وتكون استجابته لأمر الله تعالى ونهيه استجابة فورية دون تعنّت ولا تلكّؤ ولا تمحّل للمعاذير، وثمرة ذلك ثوابٌ عاجل: تلك السكينة والطمأنينة التي يجبر الله تعالى بها قلوب عباده. إذا عرف العبد ربه الجبّار فإنه يحرص على جبر خاطر الناس، فيجبر الفقراء بالصدقة عليهم، ويجبر المظلومين برفع الظلم عنهم، ويجبر خاطر المتخاصمين بإصلاح ذات بينهم.. وأَوْلى الناس بجبر الخاطر همُ الوالدان، اللذان أمر الله تعالى بالإحسان إليهما بل خفضِ جناح الذلّ لهما والدعاء لهما في حال الكبر حيث يكون الضّعف قد تمكن منهما، وربّما وصلا إلى أرذل العمر الذي هو سبب للضجر والملل منهما، فحاجتهما إلى جبر الخاطر أشدّ وأعظم وآكد. إذا عرف العبد أن الله تعالى جبّار للمظلومين، جبّار على الظالمين، فإنه لا يظلم أحدا من الخلق خوفا من الجبار، وإن ظُلِم فإنه يلجأ إلى الجبَّار جابر المنكسرين. فتجده دائم الانكسار والافتقار والاستغفار، لله الواحد الجبار القهار، طمعا في أن يجبر كسره، وأن يغفر ذنبه ويصلح شأنه كلّه، وألاّ يكله إلى نفسه فتتمرّد عليه.

السيرة النبوية الشريفة

إعادة بناء الكعبة:

لقد كانت أخلاق النبي الكريم عظيمة في قومه قبل البعثة، يجلُّونه ويوقِّرونه لخلقه وأمانته، ويرضونه حكما فيها اختلفوا فيه، ولما بلغ الرسول الكريم الخامسة والثلاثين من عمره ووقعت حادثة عظيمة كاد أهل الحرم أن يقتتلوا بسببها، إنها حادثة بنيان الكعبة المشرفة، وقد كان هذا الأمر قبل البعثة النبوية بخمس سنوات.

فقد عزمت قريش على إعادة بناء الكعبة المشرفة بعد أن جرفتها السيول، ولم يبق من بنائها إلا شيء قليل، وكان قد وَهَّنَ بناءَها قبل ذلك حريق؛ و ذلك أن امرأة بخَّرتها، فطارت شرارة في ثياب الكعبة فاحترقت جدرانها، وزادهم عزما إلى عزمهم على بنائها أنَّ لصًّا سرق كنز الكعبة، وذلك أن الكعبة لم يكن لها سقف، وكان داخلها بئر عند بابها على يمين الداخل منه، فكانوا يلقون الأموال في البئر فاجتمعت أموال طائلة، فاشتدَّ عزمهم على بنائها.

وقد علمت قريش أن العمل في الكعبة شرفٌ، كلٌّ يرغب في المشاركة فيه؛ فَقَسَّمَتْ قريش العمل بين قبائلها، فكان شِقُّ الباب لبني عبد مناف وزهرة، وكان ما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وقبائل من قريش انضموا إليهم، وكان ظهر الكعبة لبني جمع وسهم، و كان شِقُّ الحِجْر لبني عبد الدار وبني أسد وبني عدي وهو الحطيم. ثم إنهم جاؤوا لهدمها خافوا أن يصيبهم شيء، فلما رآهم الوليد بن المغيرة على تلك الحال تقدَّمهم وأخذ المعول، ثم قام إلى هدمها وهو يقول: اللهم إنَّا لا نريد إلا الخير، ثم هدم من ناحية الركنين، ولكن الناس بقوا على خوفهم وقالوا ننتظر هذه الليلة لنرى حال الوليد، فإن أصيب بشيء لم نهدم شيئاً منها ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيء فقد رضي الله صنعنا وهدمنا.

فأصبح الوليد ولم يصبه شيء، وتوجه إلى مواصلة عمله في هدم الكعبة، فلما رأى الناس ذلك ارتفع خوفهم وهدموا مع الوليد، فهدموا حتى وصلوا إلى أساس الكعبة، وهو حجارة خضر كأسنمة البعير آخذ بعضُها بعضا.

غراس الجنة:

آيات المعية:

(إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لدٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة40

التفسيـر:

يا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لا تنفروا معه أيها المؤمنون إذا استَنْفَركم، وإن لا تنصروه، فقد أيده الله ونصره يوم أخرجه الكفار من قريش من بلده (مكة)، وهو ثاني اثنين (هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وألجؤوهما إلى نقب في جبل ثور «بمكة»، فمكثا فيه ثلاث ليال، إذ يقول لصاحبه (أبي بكر) لما رأى منه الخوف عليه: لا تحزن إن الله معنا بنصره وتأييده، فأنزل الله الطمأنينة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعانه بجنود لم يرها أحد من البشر وهم الملائكة، فأنجاه الله من عدوه وأذل الله أعداءه، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى. وكلمةُ الله هي العليا،، ذلك بإعلاء شأن الإسلام. والله عزيز في ملكه، حكيم في تدبير شؤون عباده. وفي هذه الآية منقبة عظيمة لأبي بكر الصديق، رضي الله عنه.