أفكار وآراء

الضرر الذي حدث في القدس

23 مايو 2018
23 مايو 2018

ستيفن كوك – مجلس العلاقات الخارجية -

ترجمة: قاسم مكي -

حين أعلن الرئيس دونالد ترامب في ديسمبر 2017 أنه سينقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس جادل أعضاء حكومته بقوة قائلين إن ذلك يخدم قضية السلام. ووصفوا الخطوة بلحظة «وضع الأمور في نصابها» وأنها مجرد إقرار بحقيقة أن القدس عاصمة إسرائيل وتتسق مع المطالب التاريخية الإسرائيلية في المدينة. وحسب وجهة النظر هذه من الممكن أن تبدأ محادثات سلام جادة حين يتم البَتُّ أخيرا في موضوع عاصمة إسرائيل ونقل السفارة إلى موقعها غرب الخط الأخضر (خط الهدنة) مباشرة. لكن قرار الرئيس يخلو من أي إقرار بالسياق السياسي الإسرائيلي الذي لا يكاد يوجد به، إذا وجد أصلا، أي اهتمام بحل الدولتين. وارتكب خطأ فادحا في تقدير الرد الفلسطيني المحتمل. لقد تواطأ هذان العاملان لجعل المفاوضات أبعد منالا عما كانت عليه الحال في السابق. سيكون موقع السفارة الأمريكية الجديدة جزءا من العاصمة الإسرائيلية عند نهاية أية مفاوضات يتم إجراؤها لتسوية الصراع. لكن في غياب محادثات جادة أو حتى سياسة أمريكية لمعالجة قضايا مثل المستوطنات والحدود واللاجئين والمعاناة الإنسانية في قطاع غزة سيقتصر فتح السفارة الجديدة فقط على «شرعنة» المقاربة الإسرائيلية المتشددة للصراع، بل حتى مكافأتها. وستكون النتيجة المنطقية لهذه السياسة ضم المنطقة التي كان يأمل الفلسطينيون في أن تكون جزءا من دولتهم. لقد استحدثت الحكومة الإسرائيلية في وقت مبكر من هذا العام، دون أن تلفت الأنظار، تغييرات فنية في طريقة تطبيقها للتشريعات والنظم الإجرائية ستسهل كثيرا بسط السيادة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية. ويطلب وزير العدل والنائب العام الآن من الوزارات الإسرائيلية شرح الأسباب التي لا توجب انطباق التشريعات الجديدة على المستوطنات الموجودة في ما أسموها يهودا والسامرة. (الضفة الغربية وباللغة العبرية «يهودا فشومرون» - المترجم.) حدث هذا في نفس الوقت الذي شهد تصويت اللجنة المركزية لحزب الليكود الحاكم بمَدِّ الولاية القضائية لإسرائيل لتشمل مستوطنات الضفة الغربية. لم يكن هذا التصويت ملزما لكنه، بالنظر إلى الميول الإيديولوجية لمجلس وزراء اسرائيل، مؤشر على نوايا كبار الساسة الذين كان بعضهم حضورا في أثناء التصويت واحتفلوا به. ثم هناك بالطبع مشروع الاستيطان المتواصل وما يقترن به من بنية أساسية مصمَّمة كي تجعل من المستحيل أن تكون للفلسطينيين دولة لها أراض متصلة جغرافيا بالقدس. لقد ساهم الانسداد في المفاوضات خلال معظم العقد الماضي بقدر كبير في تسهيل تعزيز سيطرة اسرائيل على المناطق المحتلة. وفي حين أن مسؤولين فلسطينيين يشاركون في المسؤولية عن الإخفاقات المتكررة للمفاوضات إلا أن اللوم يقع أساسا على الحكومة الإسرائيلية ومؤيديها في الداخل والخارج والذين يخدم الانسداد مصالحهم. ويبدو أن إدارة ترامب تشاطر الاعتقاد الذي كثيرا ما يطرحه الإسرائيليون المتشددون ومؤيدوهم بأن الطريقة الوحيد لصنع السلام هي هزيمة الفلسطينيين وإجبارهم على قبول الشروط التي تمليها عليهم واشنطن واسرائيل. هذا الرأي يقلل من تقدير أهمية «الصمود» في وجه المحنة والاحتلال والذي صار جزءا لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية خلال السنوات السبعين الماضية. ولم تكن الاحتجاجات الدامية في غزة يوم الاثنين (14 مايو) متعلقة بالسفارة الأمريكية فقط ولكن قصد بها إثبات أن الفلسطينيين لن يخضعوا للإملاءات الإسرائيلية أو يتواءمون مع الظروف الحالية. لقد انسحبت اسرائيل من غزة في عام 2005 لكن الإفقار الإسرائيلي لغزة لم يجبر الفلسطينيين على التخلي عن الصراع من أجل العدالة. وحين يتعلق الأمر بالقدس ونقل السفارة فالتعلُّل بأن «كل أحد يعلم» أن الجانب الغربي من المدينة سيكون عاصمة اسرائيل لا يمكن أن يهدئ من مخاوف الفلسطينيين لثلاثة أسباب مترابطة:

أولا، لا تعترف الحكومة الإسرائيلية بالتمييز بين القدس الشرقية التي يصر الفلسطينيون على أن تكون عاصمتهم المستقبلية في عملية سلام متفاوض حولها وبين القدس الغربية وفعلت كل شيء ممكن لمحو آثار تقسيم المدينة.

ثانيا، لم تعد الولايات المتحدة تعترف بالأراضي المحتلة كأراضٍ محتلة مما يجعلها تقدم تغطية سياسية ودبلوماسية لضم إسرائيل المتدرج والبطيء للضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.

ثالثا، يعتبر الفلسطينيون عملية سلام أوسلو وكل شيء جاء بعدها مجرد خدعة أدت فقط إلى إضافة مستوطنين وبناء مستوطنات وتشييد طرق للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية.

لذلك لا يوجد سبب لتصديق المسؤولين الأمريكيين حين يعلنون عن نيتهم في إيجاد السلام. لقد مكَّنَت واشنطن بالفعل من قيام الاحتلالَ الإسرائيلي الدائم. ومع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس تخلت طواعية عن المسألة الوحيدة التي يمكن بواسطتها أن توجد لها رافعة نفوذ للتأثير على الحكومة الإسرائيلية. ولا يخلو الجانب الفلسطيني من بعض التجاوزات مثل استهداف المدنيين والتعليقات المعادية لليهود. لقد رفض الفلسطينيون عرضا ربما كان قد أنهي الصراع تقدم به رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في عام 2008 . وبعد عقد لاحقا صار الضم واقعا. إن غزة تنهار تحت ثقلها الذاتي. ورغما عن ذلك يكرر المسؤولون الأمريكيون في الحاضر كما في الماضي التزامهم تجاه عملية سلام (غير موجودة) تفضي إلى حل الدولتين. المطلوب بدلا عن ذلك إدراك واشنطن للنتائج الأكثر احتمالا (لنقل السفارة) في اسرائيل والمناطق الفلسطينية وهي ضم الأراضي وسفك الدماء والانسداد وكذلك كيف يمكن أن تؤثر هذه النتائج على مصالح وأمن الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.