أفكار وآراء

الشرق الأوسط وصراع الإرادات المعقد والمتشابك !!

22 مايو 2018
22 مايو 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

تواجه منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي في القلب منها تطورات استراتيجية في غاية الصعوبة والتعقيد والتي قد تغير ملامح المنطقة من خلال عدد من الأزمات الطاحنة، ومن خلال المشروع الأمريكي للسلام وفي ظل التطورات الدراماتيكية التي تواجهها القضية الفلسطينية، علاوة على التطور السلبي في العلاقات الأمريكية - الإيرانية على ضوء الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران .

ومع تواصل الحرب المدمرة في اليمن التي دخلت عامها الرابع واستمرار الأزمة الخليجية ودخولها العام الثاني ، ووجود الحروب الأهلية الدموية في عدد من الدول العربية خاصة في سوريا وليبيا ، والمشكلات المختلفة في العراق وحتى لبنان تكون المنطقة العربية قد وصلت الى الحد الأعلى من التوتر . وأمام هذا المشهد السياسي في الشرق الأوسط تنحدر المنطقة الى سيناريو في غاية الخطورة من خلال مشروعين متضادين في المنطقة احدهما يتحدث عن الهيمنة الأمريكية على مقدرات العالم ، وخاصة في المنطقة العربية من خلال الذراع الإسرائيلي ، وهناك مشروع يناهض هذا المشروع ولعل ما يحدث في فلسطين المحتلة من خلال مقاومة الشعب الفلسطيني لسلطات الاحتلال ، وهو نموذج يدل على حيوية ذلك المشروع، وفي النهاية تدخل تلك الأطراف في صراع إرادات قد يفضي الى حرب إقليمية شاملة .

فلسطين وصفقة القرن

بعد طول انتظار وتكهنات صحفية من هنا وهناك تم الإعلان من خلال مصادر أمريكية بأن الرئيس الأمريكي ترامب سوف يعلن عن المشروع الأمريكي حول السلام خلال منتصف الشهر القادم ، ويبدو أن المشروع يتم تداوله الآن عربيا وإسرائيليا من خلال جملة من المحددات التي تتحدث عنها الصفقة ، وهي إقامة دوله فلسطينية على قطاع غزه ونصف الضفة الغربية، مع ضم البلدات العربية في القدس الشرقية الى تلك الدولة الفلسطينية، وتكون بلدة «ابو ديس» هي عاصمة الدولة الفلسطينية والتي تم وصفها في المشروع الأمريكي بأنها ذات سيادة محدودة إما فيما يخص الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فتتقاسم الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية إدارتها.

ولم تتحدث الصفقة عن موضوع اللاجئين الفلسطينيين وموضوع العودة تاركة فقرة تتحدث عن تعويضات تنظم من قبل المجتمع الدولي في حين يتحدث المشروع الأمريكي عن إقامة الدولة اليهودية ذات سيادة ولها السيادة الأمنية على وادي الأردن علاوة على المستوطنات في الضفة الغربية والتي ستؤول نصفها الى الكيان الإسرائيلي ، وطبعا مدينة القدس المحتلة سوف تكون عاصمة الدولة اليهودية.

ومن خلال هذا المشروع المشبوه الذي اتضحت ملامحه من خلال التسريبات من الإدارة الامريكية للصحافة الامريكية، فإن ملامح تصفية القضية الفلسطينية أصبحت واضحة، ومن هنا تبدأ مسألة صراع الإرادات والتي سوف تكون حتما بين إرادة الشعب الفلسطيني والكيان الإسرائيلي والضغط الأمريكي على الدول العربية. وهنا سوف يشهد الشهر القادم التسويق الإعلامي لهذه الصفقة المثيرة للجدل. ومن هنا نتساءل هل سوف يتم الالتزام بقرارات القمة العربية في الظهران حول مركزية القضية الفلسطينية للعرب والتمسك بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني او حتى من خلال القمة الإسلامية الاستثنائية التي عقدت مؤخرا في مدينة اسطنبول التركية ؟ يبدو لي ان الرهان على قرارات القمة العربية وحتى القمة الاسلامية لن يكون كبيرا، وسوف يكون الصراع الحاسم والذي سوف يفشل صفقة القرن هو صمود الشعب الفلسطيني المناضل ومعه الشعوب الحرة في العالم ، وسوف يكون مصير الصفقة كما حدث من قبل في كامب ديفيد في عهد الرئيس كلينتون وواي ريفر وكل المشاريع الامريكية، التي سقطت بفعل إصرار القيادات الفلسطينية ومعها الشعب الفلسطيني .

الصراع في الخليج

تصريحات وزير الخارجية الامريكي الجديد «مايك بومبيو» عن ايران والتي حدد فيها 12 شرطا لايران حتى تتجاوز العقوبات القاسية وغير المسبوقة في التاريخ - على حد قوله - التي تحدث عنها ومن اهم تلك الشروط هو انسحاب القوات الإيرانية من سوريا والسماح للخبراء من وكالة الطاقة الذرية بالتفتيش عن المواقع النووية جميعها ، حتى تلك التي لا يشملها الاتفاق النووي ، وايضا ان تكف إيران عن تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة وان لا تزود جماعة «أنصار الله » في اليمن بالصواريخ وان تتوقف عن دعم «حزب الله » ، وغير ذلك من الشروط وكانها تتحدث عن استسلام لطهران ويبدو ان هذا الصراع الجديد القديم بين واشنطن وإسرائيل من جانب ، وطهران وحلفائها خاصة «حزب الله» من جانب آخر سوف يكون له تداعيات خطيرة في إطار صراع الإرادات في الشرق الأوسط . ورغم أن إيران لن تقبل بتلك الشروط كما جاء في تصريحات عدد من المسؤولين الايرانيين ، الا ان الوضع في منطقة الخليج يتجه الى الأسوأ في ظل خلافات عربية-عربية ، يتم استغلالها من قبل الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي ، وفي ظل تجذر للخلاف بين ايران وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي ، وكما ان صراع الإرادات حول صفقة القرن سوف يشتعل ، فان الصراع الإيراني - الأمريكي سوف يشتعل هو الآخر، خاصة وان الرئيس ترامب أحاط نفسه بشخصيات متشددة كمستشاره للأمن القومي بولتون وايضا وزير الخارجية بومبيو ، الذي يأتي من خلفيهأمنية متشددة ايضا .

دور الاتحاد الاوروبي في الإبقاء على الاتفاق النووي يبدو محل شك اذا صمم الرئيس الامريكي على الاضرار بمصالح الشركات الاوروبية في ايران، فهل نشهد صراعا على ضفتي الاطلسي بين الحلفاء الغربيين ، واشنطن من جانب ودول الاتحاد الأوروبي من جانب آخر ، هذا ايضا جزء من صراع الارادات وهذه المرة بعيدا عن الشرق الاوسط وان كان على صلة به . والمعروف ان مصالح الشركات الأوروبية في الولايات المتحدة تفوق مصالحها في ايران، ومن هنا فإن السجال السياسي والتصريحات الأوروبية التي تتذمر من دور الشرطي الامريكي في العالم ، قد تتحول الى صراع تجاري على ضفتي الاطلسي وهنا يدخل العالم في صراعات متعددة على النفوذ والمصالح التجارية وغيرها .

الأزمات الإقليمية

هناك ايضا الصراع في سوريا ، المتواصل منذ عام 2011، وكذلك الحال في ليبيا، حيث الصراع القبلي بين المليشيات ، وهناك الصراع السياسي في العراق بعد الانتخابات البرلمانية، علاوة على الوضع في لبنان بعد الانتخابات الاخيرة، مما تشكل هذه الاوضاع صراع ارادات اخرى في منطقة الشرق الاوسط .

ان كل هذه الصراعات تتداخل بشكل مباشر وغير مباشر، ولاشك ان اخطر تلك الصراعات يتمثل في صفقة القرن التي يترقبها العالم وايضا الصراع المحتدم بين واشنطن وطهران، والذي قد يتطور الى مواجهة ساخنة، نتمنى الا تحدث ، نظرا لأن منطقة الخليج ستكون هي الخاسر الأكبر بسببها .

وكما اشرنا في تحليلات سابقة بأن اندلاع اي حرب محتملة بين ايران والولايات المتحده ومعها الكيان الاسرائيلي لن تكون ساحته الأراضي الامريكية، بل ستكون منطقة الخليج هي الساحة الأساسية له، فإنه يمكن تخيل كم التدمير والخسائر البشرية والمادية والتي ستكون واشنطن هي الرابح الاكبر بالنظر لبيع المزيد من الأسلحة وتشغيل المصانع ، مما يعني ان التوتر والتلويح بالحرب في المنطقة ليس في صالح دول الخليج وشعوبها، ومن هنا فلعله من الممكن الحديث للإدارة الأمريكية ومن خلال القمة الخليجية -الامريكية في سبتمبر القادم بضرورة تفادي أي صدام في المنطقة، وان يكون الحوار هو النهج الصحيح لحل الخلافات أولا بين إيران وبعض دول المنطقة ، وثانيا إيجاد آليات للحفاظ على الاتفاق النووي وفي إطار توافقي واسع ومفيد ، خاصة وان ايران التزمت بذلك الاتفاق من خلال تصريح عدد من مسؤوليها وترغب في الابقاء عليه والتفاوض حول ذلك مع الاوروبيين .

ان اشعال الحروب ليس من صالح دول مجلس التعاون وشعوبها ، وهناك بنية اساسية كبيرة تتمتع بها دول المجلس، والحرب لن تكون نزهة، بل سوف تكون مدمرة، وبشكل اكبر بكثير من الحروب السابقة، بفضل التقدم التقني في مجال الاسلحة الحديثة ، كما ان الجغرافيا سوف تضيف بعدا مأساويا لأي حرب محتملة .

الولايات المتحدة من خلال هذه الادارة تتحرك من خلال الرغبة في تحقيق مصالح اقتصادية، ولها خطط للتأثير على اقتصاد العالم ، كما اشار الى ذلك وزير المالية الفرنسي في تصريح لم يكن متوقعا، فالدول الاوروبية شعرت بأنها مستهدفة اقتصاديا من واشنطن، والعرب وخاصة دول الخليج مستهدفة أيضا بصرف النظر عن العلاقات الجيدة بين الطرفين، ولن تكون افضل من علاقات التحالف بين الولايات المتحده واوروبا الذي يجمعهم حلف الاطلسي .

على ضوء تلك المحددات والمشهد المرتبك في الشرق الأوسط فإن صراع الإرادات هو الذي سيحسم اهم قضيتين وهما صفقة القرن والتوتر بين واشنطن وطهران ، وعلى ضوء نتائج ذلك الصراع سوف يتشكل الشرق الأوسط وقضاياه على نحو مختلف وربما بشكل يحدث تحولا استراتيجيا لصالح النضال الفلسطيني ولصالح إيران ودول المنطقة مما يعزز من فرص الأمن والاستقرار بعيدا عن مغامرات الحروب التي يروج لها البعض.