1343043
1343043
روضة الصائم

حارات عُمانية: حارة السيباني ببركة الموز .. معلم إنساني تشكل مع فلج الخطمين واحة أثرية عالمية

22 مايو 2018
22 مايو 2018

بركة الموز: علي الذهلي -

من بعيد تترآى حارة السيباني أشبه بحصن أثري، يشمخ في تلة صخرية، تحيط بها خمائل النخيل، هذا المشهد يتكامل مع ساقية الفلج التي هي شريان الحياة للضواحي الغناء، تقع حارة السيباني بنيابة بركة الموز التابعة لولاية نزوى بمحافظة الداخلية، على بعد 120 كم من محافظة مسقط، وتعد من الشواهد التاريخية للحقبة الزمنية التي عاشها الآباء والأجداد، والمنتمية إلى فترة اليعاربة، والزائر لحارة السيباني يجد أنها قد تربعت على مرتفع صخري في بركة الموز المحاذية لسفوح جبل الأخضر، تلة جبلية يراها الناظر من بعيد، تلتف حولها ضواحي النخيل الباسقة، أضفت عليها لمسات جمالية، بامتزاجها مع الخضرة الناعمة والبيوت ذات الملمح الأثري.

تحتوي حارة السيباني على عدد من المكونات الهندسية التي شيدت بداخلها، تتركز غالبا على طول قناة الفلج أو بالقرب منهما، وينقسم فيها فلج الخطمين داخل الحارة إلى قناتين، حيث إن ساقية الفلج تمر على معظم البيوت داخل الحارة، وتتمتع مساكنها بمخطط مركب، لأنها غالبا ما تتداخل مع بعضها، فتمتد إلى ممتلكات مجاورة، وبعضها يكون المدخل في مستوى الطابق العلوي، ويعد هذا الترتيب فريدا في الحارات الجبلية، يؤكد على عمق الروابط الاجتماعية بين الناس، ناهيكم أن البيوت في معظم تتألف من دورين، وتزين أسقفها بنقوش ملونة، تضفي للناظر جمالا، غير أن كثيرا من أسقف تلك البيوت بدأت تتهاوى، وتتبع المساكن في حارة السيباني النمط السكني الشائع في محافظة الداخلية، حيث تحتوي على حظائر ومخازن للتمر، إلى جانب وجود مخازن داخل كل بيت، مع وجود ردهات ومجالس لاستقبال الضيوف، أما الطابق العلوي فيحتوي على غرف نوم ومجالس للنساء، وهي في العادة عبارة عن غرفة واسعة، وتسمى الليوان، وتظهر الآثار التشكيلية للحارة دلائل على التوسع الفريد للحارة، حيث تتفرع على جوانب قمة التلة، وتتمدد البيوت عموديا من الأسفل إلى الأعلى، وحين يصل الزائر إلى البيوت العلوية في قمة السفح الجبلي، تترأى أمام ناظريه خمائل النخيل، ويرى القرية أسفل الحارة كسجادة خضراء، وهذا التمدد أضفى صبغة فنية على التكوين الهندسي للشوارع والممرات والمساحات المفتوحة داخل الحارة، فالحارة أخذ فيها التمدد من كل الاتجاهين، فالتمدد المرحلي في سفح التلة جاء على الأرجح نتيجة لاستحداث قناتين لفلج الخطمين، ما دفع في نهاية المطاف بسكان الحارة إلى البناء باتجاه مزارع النخيل.

من جانب آخر قامت وزارة التراث والثقافة بدراسة الحارة التي تعد مع فلج الخطمين معلما أثريا عالميا، وبحسب اللوحة الحجرية المثبتة في شريعة فلج الخطمين، تؤكد البيانات الواردة فيها أن فلج الخطمين تم إدراجه في سجل التراث العالمي بتاريخ 16 يوليو 2006م، وهو أحد الأفلاج الخمسة المدرجة بالتراث العالمي، وتدخل حارة السيباني ضمن الساحة الأثرية العالمية.

وأشارت البيانات التي نشرتها وزارة التراث والثقافة في كتاب صدر عن حارة السيباني الأثرية إلى أن الحارة تعد نموذجا من أعمال تطوير الحارات المتأخرة في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، تزامنت مع إعادة بناء عدد من التجمعات السكانية في ذلك الوقت مثل حارتي الحمراء بولاية الحمراء، واليمن بولاية إزكي، وإذ تتسم هذه التجمعات بإعادة تشييدها، فإنها تشير إلى طرق التطوير المتبعة في عهد اليعاربة، والتي تأثرت بحركة انتقال واكتساب سلطة للتجمعات القبلية، أما التطورات التاريخية الأحدث في خمسينيات القرن العشرين فقد تركت أثرا ملموسا على الحارة، وسلطت الضوء على مكانتها في التاريخ العماني، ويتضح من التاريخ الاجتماعي والسياسي للحارة مدى تعقيد الحياة وتحلي السكان بالصبر، ويدل التنوع الكبير في المجالس - من شبه الخاصة إلى العامة - على اختلاف آراء الناس، وتصوراتهم حول الاجتماع البشري، وأنشطة المجتمع وهي بالذات ميزة متفردة عن التجمعات السكانية بالداخلية. ما يميز هذه الحارة هو تلك السلالم الصخرية التي تقود بالزائر إلى أعلى قمة فيها، راسمة البيوت في شكل هرمي، واستخدم الناس في بناء بيوت الطين والحجر، وبعضهم استخدم الجص والصاروج، ورغم تزاحم البيوت التي تبدو بمساحات صغيرة، إلا أن الناس حاولت أن تضفي على خشونة الحجر لمسات جمالية، من خلال النقش على الأسقف، لتبدو بعض الغرف داخل الحارة أنيقة، تسرح العين في جنباتها. ورغم هجران الناس لبيوت الحارة، وبنائهم لبيوت حديثة الطراز في أطراف القرية، إلا أن ساقية الفلج ما تزال ترفد بالماء إلى الضواحي المتوارية خلف الحارة، كشريان يمد المكان بالماء والنماء.