روضة الصائم

لقاء متجدد: تعظيم القرآن 1

21 مايو 2018
21 مايو 2018

أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة -

لا يخفى ما في هذا الذي ذكرناه من التنويه بقدر مطلق العلم والحط من مكانة الجهل لاسيما العلم المستوحى مما أنزله الله تعالى في كتابه المبين وذكره الحكيم، فضلا عن مكانة نفس الآيات البينات التي تستوحى منها هداية الله لخلقه ومكانة أسمائه الحسنى التي لا مدلول لها إلا ذاته العلية المتصفة بجميع صفات الكمال، فإنها -بلا ريب- يجب تعظيمها وتجنيبها كل ما يشي بعدم المبالاة بها.

وكم رأينا -مع الأسف الشديد- فيما يصدر من الناس من تصرف يتنافى مع قدسية آيات الله تعالى البينات، وأسمائه الحسنى، ومع احترام العلم وتقديره وتوقيره، ولربما كان ذلك حتى بالنسبة إلى الكتاب العزيز كله، فكم رأينا الناس في المساجد يتركون المصاحف على الأرض!! غير مبالين بما تحتويه من كلام الله المصون وخطابه المقدس، ولربما دخل أحدهم المسجد وأتى بالمصحف فتركه على الأرض من بين يديه أو عن جانبه حتى يفرغ من تحية المسجد، ثم يقرأ منه، وليت شعري ما الذي يمنع هذا الداخل أن يدع المصحف في مكانه المخصص له ثم يتناوله بعد فراغه من تحية المسجد؟! وكذلك إذا عارضته في تلاوته سجدة ترك المصحف على الأرض، ولم يتركه في مكان رفيع حتى يؤدي السجدة، وقد كان الواجب عليه أن يتركه في مكان عالٍ، وإن لم يجد فليحمله في سجوده تحت إبطه، ولا يجعله في مكان تدوسه الأقدام، لأن ذلك يتنافى مع مراعاة قدسيته.

وقد نص العلماء على أن من حرمة القرآن أن لا يترك على الأرض كما قال القرطبي: «ومن حرمته أن يضعه في حجره إذا قرأه أو على شي بين يديه ولا يضعه بالأرض»، لكن الناس في غفلة عن رعاية هذه الحرمات، فكم انتهكت على مسمع ومرأى من جماهيرهم، فكأين رأينا في أيام الجمع المصاحف مبثوثة على الأرض في المساجد أمام صفوف المصلين!! ليتناول من شاء منهم مصحفا متى أراد، كأن هذه المصاحف مجرد أدوات تلقى في أي مكان كان، أو كأنها أعلاف تلقى على الأرض أمام الماشية!!.

ولا تسأل كيف يتصرف مع كتب العلم - سواء كتب التفسير أو الحديث أو الفقه أو غيرها - كأنها مستودعات لإلقاء الأشياء فيها، فترى أحدهم يخرج هاتفه النقال ويدعه فوق الكتاب، وكذلك إن خلع نظارته عن عينيه تركها على الكتاب الذي بين يديه، فضلا عن آلات الكتابة، وقد انتشرت هذه العادة بين الناس حتى تخالهم أنهم تواصوا بها، ناهيك أن الخاصة والعلماء لا يتأففون منها ولا يستنكفونها، بل يقعون فيها، وقد نبهت أحدهم على ذلك المرة بعد المرة، وكان يسلم بأن هذا التصرف خطأ، ولكن لا يلبث أن يعود إليه.