أفكار وآراء

الصحافة ورؤية عمان 2040

20 مايو 2018
20 مايو 2018

أ.د. حسني محمد نصر -

بدعوة كريمة من وزارة الإعلام شاركت بورقة عمل في ندوة «إعلام المستقبل» التي نظمها مكتب رؤية عمان 2040 بجامعة السلطان قابوس الأسبوع الماضي، في إطار جهوده الكبيرة والمقدرة لتحقيق النهج التشاركي والتوافق المجتمعي حول الرؤية المستقبلية للسلطنة، تنفيذا لتوجيهات صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه.

وقد أسعد المشاركين في هذه الندوة ذلك الحضور الفاعل سواء من جانب كبار المسؤولين عن الإعلام، وعلى رأسهم معالي الدكتور عبد المنعم الحسني وزير الإعلام، وسعادة ناصر السيباني نائب رئيس الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ورؤساء تحرير الصحف، وعدد كبير من الصحفيين والإعلاميين ومديري الإعلام بالوزارات والهيئات الحكومية المختلفة، أو من جانب رئيس وأعضاء اللجنة الفنية ورؤساء اللجان الرئيسية في رؤية عُمان المستقبلية. وكانت الحلقة النقاشية التي ضمت هؤلاء المسؤولين، في حوار لم تنقصه الصراحة، أفضل ختام للندوة التي شهدت أيضا تقديم أربع أوراق عمل لأكاديميين ومتخصصين تناولت مستقبل الإعلام بوجه عام، والإعلام العماني علي وجه الخصوص. ورغم أن جهود المكتب في التواصل المباشر مع ذوي الاختصاص في القطاعات المختلفة، وإشراك مختلف شرائح المجتمع في صياغة الرؤية المستقبلية، ليست هي موضوع هذا المقال، الذي يركز على استراتيجية الإعلام والاتصال في الرؤية المستقبلية، فإن من الضروري ان نذكر القراء الأعزاء ان هذه الرؤية، كما قال سعادة طلال بن سليمان الرحبي رئيس اللجنة الفنية أمام الندوة، تشمل ثلاثة محاور رئيسية، هي الإنسان والمجتمع، والاقتصاد والتنمية، والحوكمة والأداء المؤسسي. وللاستماع إلى مختلف وجهات النظر وتحقيق التوافق في المحاور الثلاثة، عمل المكتب في إطار مبادرة «كل عُمان» على مدار الفترة الماضية على عقد الندوات في جميع محافظات السلطنة للتعريف بالرؤية وأهدافها ومجالاتها، استمع خلالها وسجل مرئيات المشاركين الذي تجاوز عددهم الثلاثة آلاف مشارك، بالإضافة إلى أكثر من عشرة آلاف آخرين شاركوا في حملة «المختبرات الافتراضية» التي تمت باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والاستطلاعات الإلكترونية. والواقع أن الاهتمام بالمشاركة الشعبية الواسعة في النقاش حول ملامح الرؤية المستقبلية للسلطنة، سوف يكون له مردودات إيجابية عديدة في وضع تصورات مستقبلية قابلة للتحقق والقياس من جانب، ومعبرة عن الاحتياجات الفعلية للمجتمع العماني من جانب آخر.

إذا عدنا إلى المحور الرئيسي في الندوة وهو «إعلام المستقبل» نستطيع أن نقول إن المسؤولين عن الإعلام وكذلك القائمين على مشروع الرؤية لديهم قناعة كبيرة وواضحة بالأهمية البالغة للإعلام ودوره في مستقبل السلطنة، مثلما كان له وما زال أهمية بالغة في نهضتها وازدهار تجربتها الحالية. هذه القناعة هي ما جعلت الحوار شفافا وصريحا حول أمرين لا ينفصلان، الأول هو دور الإعلام في صياغة الرؤية ومتابعة الحوار المجتمعي حولها والترويج لها ثم متابعة تنفيذها بعد إقرارها، والثاني هو هوية وشكل الإعلام الذي تنتظره عُمان في العشرين عاما القادمة هي عمر الرؤية المستقبلية التي نتحدث عنها. في الأمر الأول لم يكن هناك خلاف حول قيام وسائل الإعلام في السلطنة بدورها المهم في تغطية جهود مكتب الرؤية ومتابعة أنشطته في مختلف المحافظات. ولعل هذا ما عبر عنه رئيس اللجنة الفنية للرؤية عندما أشاد بدور الإعلام في تغطية فعاليات الرؤية في كافة الوسائل الإعلامية عامة، وفي تغطية مبادرة كل عُمان بشكل خاص. وقد بلغ حجم هذه التغطية 155 تغطية في وسائل الإعلام التقليدي، منها 65 تغطية صحفية، و56 تغطية تلفزيونية، و34 تغطية إذاعية. أما في الأمر الثاني فقد شهدت الندوة طروحات جديدة مهمة، يجب التوقف أمامها ومراجعتها، خاصة وأنها تناولت عددا من القضايا التي تحتاج إلى حسم حتى تأتي استراتيجية الإعلام في الرؤية المستقبلية كاملة ومحققة للأهداف الوطنية.

أولى هذه القضايا تتعلق بفلسفة الإعلام العماني المستقبلية، وما إذا كان من الأنسب في ظل تطور تكنولوجيا الاتصال والإعلام من جانب والمنافسة الإعلامية الشرسة التي تواجهها وسائل الإعلام العمانية، والتي من المتوقع ان تزداد في السنوات القادمة من جانب آخر ، أن يبقى الإعلام العُماني على فلسفته القائمة علي نظرية الإعلام التنموي أم أن يتبني فلسفة جديدة يجب البحث عنها، تجعله قادرا على الصمود في وجه الطوفان الإعلامي القادم من الخارج والحفاظ علي السيادة الإعلامية للدولة على أراضيها، وتلبية احتياجات المواطنين الإعلامية المتزايدة وعدم تركهم فريسة لوسائل الإعلام الإقليمية والعالمية الأخرى التي تحمل أجندات مختلفة، وفي الوقت نفسه قادرا على الحفاظ على أدواره الأساسية كرافعة تنموية ودعامة قوية للحفاظ علي تماسك المجتمع واستقراره، وناقل أمين للتراث الثقافي بين الأجيال، هذه الموازنة تبدو دقيقة وتحتاج الى دراسة مفصلة للوصول الى تركيبة فلسفية إعلامية جديدة تحدد هوية وملامح إعلام المستقبل في السلطنة. وهناك تجارب عالمية عديدة في هذا المجال يمكن الاستفادة منها لدول انتقلت بسلاسة من نظرية الإعلام التنموي الى نظرية التمكين الإعلامي، ومن إعلام الحكومة الى إعلام الدولة، ومن الإعلام المركزي الذي تسيطر فيه العواصم علي كل المنافذ الإعلامية الى إعلام محلي قادر على إشباع حاجات جميع أفراد المجتمع.

في تقديري أن الوصول إلى توافق حول الفلسفة الإعلامية المحركة لإعلام المستقبل في السلطنة، سوف يجعل كل القضايا المستقبلية الأخرى قابلة للنقاش والتوافق المجتمعي. فوفقا لهذه الفلسفة يمكن رسم وتحديد علاقة وسائل الإعلام بالحكومة والدولة والمؤسسات والمواطنين، كما يمكن وضع الاستراتيجيات التفصيلية لمواجهة التحديات التنظيمية والإدارية والتحريرية والبشرية التي تواجه الإعلام العُماني في المستقبل، وكذلك مواكبة التوجهات الإعلامية العالمية الجديدة. وفي هذا الإطار سيكون من السهل الوصول الى توافق حول قوانين تنظيم الإعلام سواء التقليدي أو الجديد، وكذلك تحديد الخيار الوطني وما إذا كان من الأفضل توزيع المسؤوليات الإعلامية علي اكثر من جهة، كما هو قائم حاليا، أم دمج تلك المسؤوليات في جهة واحدة تماشيا مع فلسفة الاندماج الإعلامي المسيطرة في العالم، وأيضا هل نبقي على وسائل إعلامنا موزعة على كيانات إعلامية صغيرة وضعيفة أم نتجه الى تكوين كيانات إعلامية كبيرة وقوية قادرة ليس فقط على حمل الرسالة الإعلامية للمواطنين والمقيمين على ارض السلطنة ولكن الى العالم كله. إن ندوة «إعلام المستقبل» وما دار فيها من نقاش صريح يمكن ان تمثل انطلاقة قوية لنقاش أوسع حول الإعلام الذي نريده في المستقبل، وهو إعلام من المؤكد لن يكون مشابها للإعلام الحالي. لقد خلص المشاركون في الندوة الى ان التخطيط لمستقبل الإعلام يجب ان يكون خالصا لوجه الله والوطن، خاصة وأننا أو معظمنا لن نكون شهودا عليه، إذ سيكون إعلاما للأبناء والأحفاد الذين ولدوا في عصر السماوات المفتوحة والفضائيات والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وبالتالي لن يقنعوا في المستقبل بما كان يرضي طموح الآباء والأجداد إعلاميا. ولعل هذا ما يستوجب أن لا يتوقف النقاش حول «إعلام المستقبل» عند حد هذه الندوة، التي يجب أن تكون بداية لندوات أخرى مشابهة ولمجموعات عمل متخصصة تعمل على رسم ملامح الإعلام العماني في المستقبل.