روضة الصائم

لقاء متجدد: حضيض الجاهلية «3 - 3 »

20 مايو 2018
20 مايو 2018

أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة -

البعض عندما يصاب لهم مولود بشيء من الأسقام، فإنهم لا يكادون يصدقون أن هذه سنة من سنن الحياة، وأن كل إنسان منذ ولادته يستقبل الحياة بحلوها ومرها وسعدها ونحسها، فإنهم لحرمانهم من العقل الهادي، وبعدهم عن الإيمان بالله وقدره، وجهلهم بسنته في الحياة، لا يكادون يصدقون أن ما يصاب به الأطفال إنما هو ابتلاء من الله تعالى لآبائهم وأمهاتهم، وإنما يستبد بهم الجزع، فيهرعون إلى الدجالين، طالبين منهم كشف الضر عن أطفالهم، وينسون الله تعالى فلا يدعونه لكشف الضر، كما ينسون سنته في الحياة في وصل المسببات بأسبابها، وما شرعه لعباده من علاج الأدواء بدوائها، وهم إن سعوا إلى العلاج الطبيعي فإنهم يسعون إليه ونفوسهم خالية من الرجاء بنجاحه، وإنما يعلقون النجاح على دجل الدجالين وشعوذة المشعوذين، فكم أغنوا من دجال بما يمطرونهم به من أموالهم التي هم شحاح بها إلا في هذا السبيل.

ولا يبالي الدجالون المشعوذون أن يستغلوا هذه العقلية الضالة أسوأ استغلال، فيستحوذوا على آخر ما عسى أن يتبقى عندهم من مال، ولا يكفيهم ذلك، بل يضاعفون من إضلال عقولهم حتى يغرسوا فيهم عداوة من هم أحب الناس لهم، وأكثرهم صفاء، وأعظمهم حقا، وأبرهم قلبا، فقد نما إلى سمعي منذ عقود من السنين أن رجلا من هؤلاء البلهاء المغفلين مرض له طفل، فذهب به إلى أحد المشعوذين، فما كان منه إلا أن أجابه بأن امرأة عجوزا ساحرة هي مصدر ضره وسبب بلائه، فخيل إليه الشيطان أن تلك العجوز هي أمه، وعندما عاد إلى بيته حاملا طفله كانت الأم المسكينة أول من يستقبله بشفقتها وحنانها، وعطفها على حفيدها الطفل المصاب، فما كان منه إلا أن قابلها بأشد قسوة وأعظم جفاء، إذ دفعها بيده بكل ما يملك من قوة، فوقعت على الأرض وهوت في حفرة كانت بجنبها، وكال لها من الشتائم والكلام القاذع ما لو خوطبت به الجبال لتصدعت، ولو وزع على أهل الأرض لملأ صدورهم أسى وقلوبهم حزنا.

فيا ترى؛ هل كان هذا التصرف الأحمق الأرعن إلا ثمرة للجهل، وانحسار الإيمان، وتصديق الأوهام، وتكذيب الحق اليقين؟ فلو أن هذا الرجل كان على خوف من ربه، وبصيرة في دينه، لما صدق هذا الإفك الذي انتحله الدجال ليفرق بينه وبين أمه، وهي أحب الناس له وأبرهم به وأشفقهم عليه، ولكن ما تراكم على عقله وقلبه من الضلال والجهل أنساه قول الله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل: ٦٥، وأعماه عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول... فقد برئ مما أنزل على محمد»، وأنى يكون مؤمنا بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يصدق من يدعي علم الغيب الذي استأثر الله نفسه به وحده، فلم يجعل منه نصيبا لأحد من خلقه، حتى أنبيائه المصطفين الأخيار إلا أن يكون ذلك وحيا أوحاه الله إليهم؟! كما قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) الجن: ٢٦ - ٢٧.