روضة الصائم

الشيخ سيف السبتي.. أحد المراجع القضائية وعلم الأحكــــام والفتاوى في عمان

20 مايو 2018
20 مايو 2018

الشيخ سيف السبتي[/caption]

درس العلوم الشرعية في مدرسة الإمام الخليلي وتتلمذ على كبار علماء عصره « 1-2»

كتب - سالم بن حمدان الحسيني -

الحديث عن سير أهل العلم والعدل والصلاح وكفاحهم في الحياة، ومعرفة قصص تضحياتهم وبذلهم في إعلاء الدين حديث ذو شجون؛ لعظم أهميته، فكيف بهؤلاء العلماء العمانيين الذين كافحوا وجاهدوا في طلب العلم في حقبة تاريخية مريرة، عاشوها في السنوات الأخيرة قبل وأثناء بزوغ فجر النهضة المباركة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد - حفظه الله - وما مرت به هذه الأرض الطيبة من فتن ومحن وحروب أهلية أدت إلى تشتت البعض وعزلتهم، وإلى انتشار الفقر والمرض والجهل، مما دفع ببعض أبنائها للهجرة إلى الدول المجاورة هرباً من الفقر، وطلباً للعيش الكريم. وكذلك ندرة دور العلم، اللهم إلا في بعض الأمصار والمدن في عمان، التي تخرج منها العلماء والقضاة والفقهاء كمدينتي نزوى ومسقط، وغيرها في أماكن متفرقة يصعب على طالب العلم الوصول إليها إلا بعناء ومشقة. فمن الواجب تجاه هؤلاء الذين نذروا أنفسهم لخدمة الدين والعلم والقضاء أن تُخَلد أسماؤهم، تكريماً لخدماتهم ومجهوداتهم الجليلة.. ذلك ما استفتحت به حفصة بنت سيف السبتية الحديث عن حياة أبيها الشيخ سيف بن حمدان بن سعيد السبتي.

 وأضافت متحدثة إلينا عن قصة كفاح أبيها وعن سيرته العلمية والعملية فتقول: ينحدر الشيخ الوالد من سلالة عرفت بالعلم وبتوارث القضاء، فأجداده علماء متسلسلون توارثوا العلم أبًا عن جد، وبعض من تقلّد القضاء منهم: جده الأول العلامة خلف بن سنان السبتي والشيخ عمر بن خلف بن سنان السبتي والشيخ عبدالله بن عمر بن خلف السبتي والشيخ سنان بن عبدالله بن عمر السبتي وهو من فقهاء القرن الثاني عشر، وقد نسخ له كتاب «المعتبر» عام 1197هـ - 1783م، والشيخ الفقيه ناصر بن عبدالله بن عمر بن أحمد السبتي الفنجوي: من فقهاء القرن الثاني عشر، والشيخ أحمد بن ناصر بن عبدالله السبتي: قاضي في عمان وزنجبار في عهد السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي (804-856 م)، سلطان مسقط وزنجبار، وله إجازة بذلك من السيد سعيد بن سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، أن يكاتب بين المسلمين، وقد نسخ له كتاب زكاة النعم وهو مطبوع ومحقق، يوجد في مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، وفي مكتبة جامعة السلطان قابوس.

أما عن تاريخ ولادته فأشارت إلى أن هناك اختلافا في المصادر التي دونت تاريخ ولادته ففي الوثائق الرسمية ولد عام 1350هـ - 1932م، وقد ذكر الشيخ سيف بن محمد الفارسي في [حياتي، ص201] «انه ولد سنة 1345هـ حسب ما يتحراه بنفسه»، ببلدة فنجاء حي الجانب الشرقي حارة السِيَب، التي تميزت بمياه عيونها المعدنية الداوودية الحارّة العذبة، المنسلة من عمق جبالها الشماء كاللآلئ. والشيخ سيف هو الأخ الثاني بعد أخيه من أمه الشيخ العلامة حمد بن زهير الفارسي، وله أخت شقيقة فقط، وأخ وأخت من الأب. ومن أجداده الشيخ سيف بن أحمد بن ناصر السبتي: الذي تقلد وظيفة القضاء في زمن السلطان ثويني بن سعيد آل سعيد (1856-1866) في ولاية بركاء، وفي زمن السلطان برغش بن سعيد آل سعيد (1870-1888م) في زنجبار. كما تقلد القضاء أيضا في زمن الإمام عزان بن قيس (1868-1871).

وأضافت: وجدت هذه القصيدة الحماسية يدعو فيها العرب للوحدة ونبذ الخلاف فيما بينهم، وتكوين جيش موحد من جميع الأقطار العربية لمواجهة العدو، وهذه الأبيات بخط الوالد ولا أحسبه إلا هو قائلها كون أسلوبه في الكتابة، يؤكد ذلك مطلعها:

ليوث العرب ما هذي الكتابة

      وما هذا الركود عن الحرابة

ليوث العرب كنتم خير خلق        وللأمجاد من أعلى عصابة

ليوث العرب كم خضتم منايا              وكأس تستـــــحلون شرابـــــــــــه

ليوث العرب ما لكم تركتم

           سبيل العز لا تلجون بابه

ليوث العرب ما بالي أراكم

      تقاطعتم ولم ترعوا القرابة

وعاد عدوكم يبغي حماكم

         ويقصده ويقترب اقترابه

وأنتم في تقاطعكم نيام

 عن الأعداء وما عمدوا ارتكابه

ولما حان وقت الشر منهم

  وجاء الجيش يهلك من أصابه

تخاذلتم وقلتــــــم ذاك غـــــــدر

    وذلك اقصى ما جدتم جوابه

ذروا البغضاء عنكم واستقيموا

    وكونوا نهجكم نهج الصحابة

ولا ترضوا عن التقوى بديلا

       فتقوى الله أفلح من أصابه.

 طلبه للعلم

أما عن حياته العلمية فأشارت الى أنه نشأ نشأة دينية علمية واجتماعية، في أسرة أولته الاهتمام البالغ منذ كان طفلاً، ونشأته تلك التي كان والده يحثه ويشجعه عليها أسهمت في صقل شخصيته وبلوغ مكانته العلمية الرفيعة، فقد اجتهد والده في تعليمه وتثقيفه على هدي القرآن والسنة ومختلف علوم اللغة والدين فلا يكون همه سوى طلب العلم النافع. حيث قضى طفولته في تلقي العلم فأرسله بداية عند بعض المعلمين الموجودين في فنجاء في تلك الحقبة من الزمن لتعلم القرآن الكريم وعلومه، والخط والكتابة، ثم القراءة في كتاب تلقين الصبيان للشيخ نور الدين السالمي، فظهرت بوادر نبوغه في فهمه وحفظه لكتاب الله منذ صغره، مما شجع والده رحمه الله على أن يشد عزم ولده ليلتحق بمدرسة بيضة الإسلام (نزوى) عام 1361هـ، لينهل من علومها في النحو والأدب والبلاغة وعلوم الشريعة والفقه، وغالباً ما يكون برفقة أخيه لأمه الشيخ الفقيه القاضي حمد بن زهير الفارسي، رحمة الله عليهم جميعًا. وقد التقى في نزوى بإمام المسلمين محمد بن عبدالله الخليلي وبقي عنده، لما رأى فيه من نجابة وفطنة. وقد أخذ علم النحو هناك عن سيبويه زمانه الشيخ حامد بن ناصر، المدرس المشهور بجامع نزوى، ثم أخذ علم البلاغة من معاني وبيان وبديع، من العلامة الشيخ سالم بن سيف البوسعيدي، ثم درس الأثر بعد ذلك مع بعض علماء نزوى أمثال الشيخ منصور بن ناصر الفارسي، وكان يحضر مجالس الإمام الخليلي وقضاءه في فصل الأحكام والفتاوى التي ترد إليهم.

وأضافت: وكان الشيخ الوالد سريع الحفظ والإدراك في تحصيله للعلوم، وبقي يتردد إلى نزوى فوفقه الله ونوّر بصره وبصيرته وفتح سريرته، ثم في عام 1366هـ، اتجه إلى مسقط ليزداد نهلاً من علوم علمائها، خاصة علم الأثر، حيث لازم هناك الشيخ العلامة أبا عبيد حمد بن عبيد السليمي بمسجد الخور بمسقط، يأخذ منه ما يروي ظمأه من طلبٍ للعلم. وبعد أن قطع شوطاً في طلب العلم يؤهله لتقلّد مسؤولية القضاء، عُين قاضياً في عهد السلطان سعيد بن تيمور عام 1375هــ، ومن ثم عاش قاضياَ متنقلاً بين عدد من ولايات السلطنة. وقد نبغ في العديد من العلوم: منها علوم العقيدة والفقه والميراث وعلوم اللغة، واستمر في طلب العلم حتى أخذ من العلم ما شاء الله، فصار مناراً للعلم، وتخصص في علم الأحكام والقضاء، فكان أحد المراجع القضائية في عمان، يُرجع إليه في كثير من الفتاوى الشرعية.

حياته العملية

أما عن حياته العملية فأوضحت قائلة: بعد أن نال والدي قسطاً وافراً من العلم أهّله أن يكون من الثقات عند السلطان سعيد بن تيمور، بأن عينه قاضياً في عهده وهو في العشرينات من عمره، وعمل كقاضٍ لفترة طويلة لم يتخللها فترة انقطاع منذ توليه مسؤولية القضاء. وقد بدأ العمل في عدد من ولايات محافظة الباطنة، فكان أول تعيين للقضاء له في ولاية السويق عام 1948م، ثم في ولاية شناص، ثم ولاية لوى، وهكذا تنقل بين عدد من ولايات المحافظة خاصة ولاية صحم، حيث كان لها النصيب الأوفر، فلبث فيها في المرة الأولى (11) إحدى عشرة سنة في عهد السلطان سعيد بن تيمور، وكذلك هو الحال في العهد المزدهر لصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله - حيث كان ما يلبث أن يُعين في ولاية من ولايات السلطنة لفترة حتى يعود مرة أخرى إلى ولاية صحم، التي لبث فيها عدة فترات. وقد كانت ولاية إزكي آخر محطة قضائية له بعدها طالب بإحالته للتقاعد نظراً لضعف حالته الصحية، ومتأثرا نتيجة لتعرضه سابقاً لحادث سيرٍ أليمٍ في جبال محافظة ظفار أدى إلى تدهور وضعه الصحي، وقد أجيب طلبه فأحيل للتقاعد ابتداءً من الأول من يناير عام 1994م.