أفكار وآراء

صناعة النفايات والمخلفات

19 مايو 2018
19 مايو 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

يؤدي الاستهلاك الكبير من الأطعمة في هذا الشهر المبارك وغيرها من المناسبات الأخرى إلى فرز العديد من المخلفات نتيجة لهذا الكم الهائل من الاستهلاك اليومي. ويتم التخلص منها من خلال رميها في أكياس القمامة في صناديق البلديات المتوافرة في الحارات انتظارا لنقلها بسيارات الشحن التابعة لها إلى الأماكن المتخصصة ليتم ردمها. وحتى اليوم فان المواطن والوافد لم يقدّر قيمة هذه الخدمة من الناحية المادية والمعنوية، وهذا ما يدفع ببعض المهتمين بإثارة هذه القضية في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال طرح موضوع نفايات ومخلفات الطعام في السلطنة، فالبعض يقدّر قيمة مخلفات الطعام بنحو 45 مليون ريال عماني (117 مليون دولار) سنويا، بينما أرقام الشركة العمانية القابضة لخدمات البيئة “بيئة” تشير إلى أن قيمة مخلفات الطعام سنويا تزيد عن 50 مليون ريال عماني (130 مليون دولار) على أساس حسبة تكلفة الكيلو بنحو 100 بيسة. وأن معظم هذا الغذاء يتم التخلص منه كنفايات. وهذه القضية لا تمس السلطنة فحسب، بل مثارة أيضا في بقية دول مجلس التعاون الخليجي، بجانب بعض الدول العربية والإسلامية.

بعض الإحصاءات التي تناولت هذه القضية من مختلف جوانبها لشركة “بيئة”، لعام 2013م تشير إلى أن مخلفات الطعام تشكّل النسبة الأكبر من النفايات المنتجة بالسلطنة وتقدر بنسبة 27% من إجمالي النفايات المنتجة سنويا، تليها المواد البلاستيكية بنسبة 21%، في الوقت الذي وضعت فيه الشركة أهدافا طموحة لتحويل 60% من النفايات القادمة من المرادم الهندسية إلى منتجات يعاد تدويرها أو استخراج الطاقة منها بحلول عام 2020 و80% بحلول عام 2030، الأمر الذي سيعود بالنفع والفائدة على الاقتصاد الوطني. وهذه إحدى الوسائل الفعالة والناجعة للاستفادة من النفايات التي تتزايد كمياتها السنوية عاما بعد عام، الأمر الذي يدفع بالشركة المعنية للعمل على فرز جميع تلك النفايات في كل المحافظات العمانية واستغلالها بطريقة اقتصادية يستفيد منها البلاد والعباد.

واليوم، كما نعرف جميعا، فان غالبية خدمات إدارة النفايات في العالم يتم التعامل بها بالدفع الشهري أو السنوي، بينما مازالت هذه الخدمات في المنطقة وفي السلطنة مدعومة من قبل الحكومات، وهناك تفكير بفرض رسوم على بعض خدمات إدارة النفايات وفق ما تم طرحه في هذا الصدد من قبل القائمين على المشروع خلال السنوات الماضية، وما تم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الخصوص، حيث طُلب من الشركة المعنية وضع دراسة عن تكاليف القطاع وكيفية إيجاد مصادر أخرى للإيرادات، خاصة وأن تكاليف إدارة قطاع النفايات عالية جدا، بعكس ما يعتقد البعض بأن دخولات كبيرة تمكن من بيع أي مواد ممكن إعادة تدويرها. وفي هذا الصدد، تؤكد الشركة المعنية بأن جميع دول العالم تعتمد على أحد أو خليط من المصادر من أجل تغطية تكلفة إدارة النفايات كالدعم الحكومي أو الضرائب أو الرسوم. والدراسة التي أعدتها شركة “بيئة” تشير إلى أن التكلفة الإجمالية لإدارة النفايات البلدية في السلطنة تصل ما بين 90-100 مليون ريال عماني سنويا، مع العلم أن هذه أرقام سابقة، واليوم فان التكلفة ستكون أكبر من ذلك، أي أن متوسط تكلفة إدارة النفايات البلدية (الناتجة من المنازل) تعادل 1.6 ريال عماني للفرد الواحد شهريا، وبواقع 20 ريالا في السنة تقريبا. وفي حالة وجود 10 أشخاص في المنزل فان تكلفة إدارة النفايات لهم سوف تصل في حدود 200 ريال عماني سنويا.

وإذا كانت النفايات المنزلية تشكّل عبئا ماليا على الدولة، فان هناك اليوم الكثير من النفايات الأخرى التي تخلفها الشركات والمؤسسات العاملة في مختلف المشاريع في البلاد والتي تمثل عبئا آخر على الدولة. وهذا ما حدا بشركة “بيئة” بفرض رسوم على عدد من الخدمات التي تقدمها حاليا لردم النفايات التي تأتي من تلك الشركات الخاصة التي تشمل الفنادق والمراكز التجارية والمجمعات السكنية الخاصة وغيرها، إلا أن هذه الرسوم لا تغطي إلا نسبة بسيطة من التكلفة الإجمالية للردم، في حين فرضت الشركة رسوما من أجل معالجة نفايات الرعاية الصحية من دون الحاجة إلى دعم الحكومة. وإن نجاح الشركة في معالجة هذه القضايا أدى بها أن تأسيس عدد من المرادم في مختلف أنحاء السلطنة لخدمة إدارة النفايات البلدية من حيث تجميع ونقل وتحويل النفايات والتخلص منها لاحقا. وتستخدم في هذه العملية الشاحنات المطلوبة لتجميع ونقل تلك النفايات، ومن ثم نقلها إلى المرادم الهندسية للتخلص منها بالشكل السليم. وفيما يتعلق بالنفايات الصناعية، فاستراتيجية شركة “بيئة” تعمل على إنشاء مرفق متكامل لمعالجة النفايات الصناعية بطرق مبتكرة وآمنة في شمال الباطنة، ومردم آخر للنفايات الصناعية في مدينة الدقم التي تعج اليوم بمختلف المشاريع والخدمات وذلك بالتعاون مع هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، الأمر الذي يحقق المزيد فيما يتعلق برؤية الشركة من حيث صون بيئة عمان وتوفير بيئة صالحة للأخيال المقبلة، بالإضافة إلى سعيها في ضخ السوق بمشاريع جدوى اقتصادية كبيرة توفّر مزيدا من فرص العمل للعمانيين الباحثين عن العمل، منها مشروع تحويل النفايات إلى طاقة واستخدامها في تحلية المياه، ومشروع إنتاج وحدة الغاز الحيوي لمعالجة النفايات العضوية بهدف إنتاج الغاز الحيوي، ومشروع استرداد القيمة من الإطارات منتهية الصلاحية وغيرها من المشاريع التي من شأنها تحقيق أهداف الشركة خلال الفترة المقبلة.

إن إدارة النفايات في أي مكان تعتبر تحديا للجهات المعنية نتيجة لآثارها السلبيه التي تترك على البيئه والصحه العامه. ومع تزايد عدد السكان في العالم فان مقدار النفايات التي يخلفها البشر تزداد هي الأخرى. ونصيب الفرد من انتاج النفايات في المنطقة عالية جدا بحكم ارتفاع دخل الفرد. وفي السلطنة فان كمية نفايات الفرد تبلغ أكثر من 1.5 كجم يوميا وفق دراسةEco Mena، وتعد من بين أعلى المعدلات في جميع أنحاء العالم، فيما تتميز بعض النفايات الصلبة في السلطنة بأن نسبة عالية منها قابلة لإعادة التدوير. فنفايات الورق تعد في المقام الأول وتشكل ما نسبته 26%، يليها بلاستيك بنسبة 12%، ثم معادن 11% وأخيرا الزجاج بنسبة 5%. وجميع هذه النفايات تتميز بإمكانية عالية لإعادة تدوير نفاياتها، وغير مرخصة لدفنها بحيث لا توجد قضايا بيئية وصحية للبشر مستقبلا. وترى هذه المؤسسة بأن إدارة النفايات الصلبة هي من بين أولويات الحكومة العُمانية التي وضعت استراتيجية متينه لحل مشكلة إدارة النفايات من خلال المشاريع الحديثة التي نفذتها في هذا القطاع سواء من المكبات أو محطات تحويل النفايات أو محطات معالجتها، غير أن هناك فرصا لاستثمار المزيد من الأموال ما مجموعه 2.5 مليار ريال عماني لوضع استراتيجية جيدة لإدارة النفايات. فالتحديات كبيرة ومتنوعة فيما يتعلق بإنتاج هذه النفايات وخاصة الصلبة منها، حيث تواجه الحكومات والمجتمعات المحلية تحديات كبيرة. وهذا هو الحال في جميع دول مجلس التعاون الخليجي باعتبار أن معدلات انتاج الفرد للنفايات الصلبة عالية مقارنة بباقي الدول الأخرى نتيجة للنمو الصناعي الكبير في المنطقة، ووجود أيد عاملة وافدة تتزايد أعدادها كل عام، الأمر الذي ينتج عن ذلك وجود كميات كبيرة من المخلفات والنفايات البشرية. وهذا التحدي يحتاج إلى أطر وهيكل عمل واضح لإدارة قطاع النفايات بصورة عامة خاصة الصلبة منها، مع ضرورة إيجاد مزيد من الأطر التشريعية الفعالة والشاملة لتنظيم قطاع النفايات، مع ضرورة إيجاد القدرات البشرية والتنظيمية والكفاءات المتخصصة لتشغيل هذا القطاع المهم.