أفكار وآراء

التعمين وعدم التزام بعض الشركات

19 مايو 2018
19 مايو 2018

سالم بن سيف العبدلي /كاتب ومحلل اقتصادي -

رغم الجهود المبذولة من قبل الحكومة لتهيئة مناخ وبيئة عمل مواتية للشباب العماني للعمل لدى القطاع الخاص والتي كان من أبرزها عقد العديد من الندوات وحلقات العمل والتي خرجت بنتائج وتوصيات مهمة إضافة إلى تنفيذ العديد من برامج التدريب والتأهيل والتي كلفت الدولة ملايين الريالات إضافة إلى ذلك تم تقديم حزمة من الحوافز والتسهيلات كالقروض الميسرة والإعفاءات وتغيير بعض بنود قانون العمل لصالح العامل إلا أن ثقافة العمل لدى الشباب لم تتغير؛ فالمؤشرات والبيانات المتاحة ما زالت تظهر أن الشباب العماني ما زال يفضل العمل في القطاع العام عن الخاص بل حتى العاملين في القطاع الخاص يحاولون الانتقال إلى العام بعد أن سمح لهم القانون.

يبدو أن وزارة القوى العاملة نفد صبرها مع بعض الشركات التي لم تتجاوب معها في تطبيق النسب المتفق عليها والتي ينبغي أن يشغلها عمانيون في بعض القطاعات وبالتالي اضطرت إلى اتخاذ قرارات جريئة بشأنها من خلال قرار وقف التعامل معها وآخرها قرار وقف التعامل مع 161 منشأة خاصة بسبب عدم التزامها بتشغيل القوى العاملة الوطنية حيث أكدت الوزارة أن هناك أكثر من 6959 عاملا وافدا يعملون في هذه الشركات أي بمعدل 40 عاملا في كل منشأة وان الوزارة ستعمل على اتخاذ الإجراءات القانونية.

طبعا نحن لا نعرف ملابسات هذا الإجراء إلا أننا نعتقد انه ينبغي قبل اتخاذ مثل هذا القرار دراسة تبعاته على الاقتصاد الوطني خاصة وأننا نتحدث عن عدد كبير من الشركات ثانيا لابد من معرفة أسباب عدم تجاوب هذه الشركات في توظيف الكوادر العمانية فلعل لديهم أسباب مقنعة وبالتالي لابد من مراعاتها ومحاولة إيجاد حلول وسط بشأنها مع إقرارنا بأهمية قيام هذه الشركات والمؤسسات بتوفير فرص عمل للشباب العماني والتجاوب مع توجه السلطنة فيما يخص مساهمة القطاع الخاص في توفير فرص العمل.

المركز الوطني للإحصاء أعد دراسة تشخيصية قبل حوالي سنتين أظهرت مؤشرات وحقائق تفصيلية ينبغي الوقوف عندها ودراستها من قبل جهات المختصة والمسؤولة عن التشغيل فقد أظهرت تلك الدراسة أن الغالبية العظمى من الشباب يفضلون العمل بالقطاع الحكومي ولو براتب أقل عنه في القطاع الخاص فيما كان الاستقرار وفرص الترقيات أهم المحددات عند اختيار الوظيفة كما أن ضعف الرواتب والأجور من أهم أسباب عدم الرضا الوظيفي حيث أكدت الدراسة أن حوالي 85% من الشباب ما زال يفضلون الانتقال من القطاع الخاص إلى العام .

أظهرت الدراسة كذلك أن النسبة الأعلى في تفضيل القطاع الحكومي كانت عند الباحثين عن عمل حيث بلغت 95% فيما كانت أدناها بين الطلبة المقيدين في مؤسسات التعليم العالي بنسبة 67% أما المشتغلون فيفضل 85% منهم العمل بالقطاع الحكومي مقابل 12% يفضلون العمل بالقطاع الخاص و3% يفضلون أعمالا أخرى كما أن الذكور كانوا هم الأكثر تفضيلا من الإناث للعمل بالقطاع الخاص طبعا هذه النسب تؤكد لنا عدم رضى الشباب العماني عن بيئة العمل في القطاع الخاص لأسباب مختلفة كما ذكرنا.

الدراسة أشارت إلى أن غالبية الطلاب المقيدين على مقاعد التعليم العالي والذين يفضلون القطاع الحكومي لديهم رغبة كبيرة في تغيير هذا التفضيل والعمل في القطاع الخاص إذا ما تحصلوا على فرص وظيفية تتجاوز رواتبها 25% أو 50% عن رواتب القطاع الحكومي وهذا ما يؤكد أن رواتب القطاع الخاص ما زالت قليلة مقارنة بالقطاع العام خاصة بالنسبة للخريجين الجدد فحوالي 80% من العمانيين العاملين في القطاع الخاص لا تتجاوز رواتبهم 500 ريال بينما خريج الجامعة الجديد يحصل على راتب يتجاوز 800 ريال عند التعيين على ضوء التعديلات الأخيرة التي أجريت على جدول الرواتب والأجور.

بشكل عام فقد أظهرت نتائج الدراسة أن بيئة العمل بالقطاع الخاص أقل تحفيزا للعمل لدى المشتغلين كما أن الشباب سواء الباحثين عن عمل أو طلبة التعليم العالي يرغبون في العمل بالقطاع الحكومي حتى وإن كانت رواتب هذا القطاع أقل وذلك نظرا لعدة أسباب منها الاستقرار الوظيفي والترقيات، وأن من أهم العوامل التي تحدد اختيار الوظيفة لدى الشباب العماني هو الشعور بالاستقرار والأمان الوظيفي فقد كانت درجة أهميتها 9 من مقياس يتكون من 10 درجات ثم تأتي بعدها ضرورة توافر فرص جيدة للترقي فيما كانت الرواتب والحوافز العامل الثالث.

هناك مؤشرات عديدة أظهرتها تلك الدراسة المهمة وكنا قد أفردنا لها مساحة كافية في هذه الزاوية ما يهمنا هنا هو ربط نتائج تلك الدرسة بعدم تجاوب بعض الشركات مع وزارة القوى العاملة فيما يخص توظيف الشباب العمانيين فهل ما زالت تلك الأسباب قائمة ؟ وهل واحدة من العوامل أو جميعها والتي أشارت إليها الدراسة تعتبر سببا من أسباب عزوف الشباب عن العمل في هذه الشركات؟ كل هذه الأمور ينبغي دراستها بعناية خاصة وأن بعض الشركات تعتبر التعمين بالطريقة الحالية عائقا في سبيل تطورها ونموها.