أفكار وآراء

كيم والوفاق الكوري

19 مايو 2018
19 مايو 2018

ديفيد إجنيشس - واشنطن بوست -

ترجمة قاسم مكي -

يعود إلى الرئيس ترامب فضل اقتناص فرصة التفاوض مع كوريا الشمالية. لكن بعض الوثائق التي حظيت بقدر ضئيل من الاهتمام تكشف أن كيم جونج أون ظل يخطط لعرضه بالتخلص من السلاح النووي والانفتاح على الولايات المتحدة طوال الأعوام الخمسة الماضية. والآن تتسارع خطى الدبلوماسية مع استعداد ترامب والزعيم الكوري لاجتماع قمتهما القادم. فهناك حديث بأن كوريا قد تطلق قريبا سراح ثلاثة سجناء أمريكيين. كما أعلنت بيجينج عن خطط تدمير (مسرحي) لموقع اختبار نووي أواخر الشهر الحالي في حضور مراقبين أمريكيين . كيف حدث هذا الوفاق الكوري غير العادي؟ إنها حكاية معقدة. لكن يبدو أن كيم كان المحرك الرئيسي وراء الوفاق. فقد سعى دون هوادة لتطبيق استراتيجية مزدوجة تتمثل في الحصول على سلاح نووي قابل للاستخدام ثم الانعطاف نحو الحوار وتحديث اقتصاده. انطلق كيم لاقتناء رادعه النووي بعزم يكاد يقرب من الطيش. لكنه كان ذكيا على نحو مدهش في تحوله إلى الدبلوماسية. هل كان كيم سيتجه إلى المفاوضات بصرف النظر عمن هو الرئيس (الأمريكي) ؟ لن نعلم هذا أبدا. لكن لا مجال للإنكار بأن مقاربة ترامب الصدامية أتاحت الفرصة «لدبلوماسية الأزمة» وأنه كان جريئا بما يكفي لقبول عرض كيم بإجراء محادثات مباشرة. أفادني بتلك الوثائق الكورية الشمالية روبرت كارلين، المحلل السابق لوكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية. زار كارلين كوريا الشمالية أكثر من 30 مرة منذ عام 1996. ثم تقاعد عن العمل بالحكومة في عام 2004 وظل يعمل منذ ذلك التاريخ بجامعة ستانفورد. في حواراتنا العديدة خلال العام الماضي، كان كارلين دقيقا باستمرار في التنبؤ بما سيفعله الزعيم الكوري الشمالي كيم. أوضح كيم أولا مقاربته المزدوجة والمعروفة بـ«خط بيونغجن» في خطاب ألقاه في اجتماع حزب العمال الكوري في مارس 2013 بعد ثلاثة أعوام من توليه الحكم. وقال إن كوريا الشمالية تريد تقوية قدراتها في مجال التسلح النووي ولكن أيضا تحسين اقتصادها المتخلف والفقير. لم تهتم الولايات المتحدة كثيرا بذلك لأن كيم ذكر أيضا أنه ليس مستعدا لمناقشة نزع السلاح النووي. لكن ذلك سرعان ما تغير. فنظام كيم وضع مسألة التسلح النووي على الطاولة بطريقة واضحة في بيان صدر عن اللجنة الوطنية للدفاع في 16 يونيو 2013. وعلى الرغم من أن البيان جنح إلى البلاغيات المعهودة حيث وصف في جزء منه الولايات المتحدة بانتهاج «التخريب بواسطة الحرب» إلا أنه أيضا اشتمل على العبارات اللافتة التالية : «نزع التسلح النووي من شبه الجزيرة الكورية هو الهم الشاغل لقائدنا» وأيضا «يجب تنفيذه ...... دون إخفاق.» وحث البيان أيضا على إجراء «محادثات على مستوى عال بين جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية (كوريا الشمالية) وسلطات الولايات المتحدة ... لتأسيس السلام والأمن في ربوع المنطقة.» تعززت هذه الرسالة بالمزيد من المعلومات بعد أسابيع قليلة لاحقا حين أخطر مسئول كوري شمالي سرا أمريكيين كانوا على اتصال به أن السياسة الجديدة التي عبر عنها بيان اللجنة الوطنية للدفاع «ترتكز على الموقف الإيجابي الشخصي لكيم جونج أون تجاه تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة،» حسبما ورد في ملخص منشور للمحادثة. وأكدت كوريا الشمالية على رسالتها حول نزع التسلح في بيان للناطق الرسمي الحكومي صدر في 6 يوليو 2016. سعى الناطق إلى تصوير هذه السياسة كجزء من الإرث السلالي الذي انحدر إلى كيم من والده وجده. ورد في البيان «نزع السلاح النووي في شبه الجزير ة الكورية هو ما وصى به القائد العظيم (كيم ال سونج) والجنرال الأبوي ( كيم جونج إل) والإرادة الصامدة لحزبنا وجيشنا وشعبنا.» وعلى الرغم من الحديث عن نزع السلاح النووي، اندفع نظام كيم في تحد نحو امتلاك قدرة التسلح النووي التي زعم البيان أنه على استعداد للتخلي عنها. بلغت هذه الاندفاعة ذروتها بإجراء سلسلة من اختبارات الصواريخ النووية في العام الماضي بعد أن أصبح ترامب رئيسا. وعلى الرغم من تهديدات ترامب بالويل والثبور إلا أن الكوريين الشماليين واصلوا اختباراتهم. وفي أواخر العام الماضي أيضا أعلن كيم عمليا أن « المهمة أنجزت.» فبعد إطلاق صاروخ كوري شمالي في 29 نوفمبر صرح بقوله «بكل فخر حققنا أخيرا المطلب التاريخي العظيم بإكمال القوة النووية للدولة.» وفي رأس السنة الجديدة جاءت الانعطافة حين قال كيم رغم «وجود الزر النووي في مكتبي في كل الأوقات» ورغم قدرة صواريخه على استهداف أمريكا كلها إلا أنه الآن يريد التأكيد على «بناء بلد مزدهر» والتواصل الدبلوماسي مع كوريا الجنوبية. اقترح كيم حضور (ممثلين عن) كوريا الشمالية أولمبياد بيونج شانج «للتلطيف من حدة التوتر العسكري. وإيجاد مناخ سلمي في شبه الجزيرة الكورية.» من ذلك الاقتراح انسابت السلسلة غير العادية التي اشتملت على الاجتماعات وإجراءات بناء الثقة والوعود العلنية حول نزع التسلح النووي والمسار الذي يقود الآن إلى قمة ترامب- كيم المتوقعة. وفي الشهر الماضي قال كيم في المؤتمر الجامع لحزب العمال أن «خط بيونغجين» انتصر وأنه ينتقل الآن إلى «خط استراتيجي جديد» مكرس لتعزيز الاقتصاد. إن كيم مثل الحاوي الذي يخبرك بالحيلة التي ينوي القيام بها ثم يفعلها أمام عينيك ويتحداك أن تخمن سرها. ومن جانبه ينظر ترامب إلى نفسه كصانع صفقات ذكي وصدامي. لكنه ربما وجد نده (نظيره) في شخص الشاب (كيم) القادم من بيونجيانج.