Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :شهر التحديات .. بلا منازع

18 مايو 2018
18 مايو 2018

بقلم: أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

ليس يسيرا كما أعتقد أن تتبلور نية كثير منا بمقابلة شهر الصيام بكل مقتضياته التعبدية، والسلوكية، بشيء من الأريحية المطلقة كأي أمر عادي، من مختلف أمور حياتنا اليومية المعتادة، وبشيء من البساطة في التعامل مع هذا الضيف الجديد، على اعتبار أنه أمر في غاية البساطة؛ مع التسليم المطلق بأن هذا الشهر فريضة على كل مسلم ومسلمة؛ وبلا منازع؛ فلا بد من أن تساور النفس بعض من الوخزات، وهي وخزات تستشعر عظمة المكانة، وعظمة المسؤولية، وعظمة التكليف، وهذه الحالة في صورتها هذه هي حالة صحية بكل امتياز؛ لأن استشعار المسؤولية إن لم يجد مثل هذا النوع من ردات الفعل؛ لن يكون بذلك السمو، وبذلك الاهتمام؛ وهو الاهتمام المفضي إلى مزيد من الإخلاص، ومن الإجادة، ومن التحرير الدقيق لمجريات العبادة، ولن تكون بذلك المبتغى كذلك، وبالأهمية التي يفترض أن يتعامل معها الإنسان المسلم، المعني خصيصا بها، لعوائدها العظيمة على النفس والمجتمع على حد سواء، وأتصور أنه من وحي هذه الخصوصية، ومن هذه الأهمية؛ يأتي تكريم الله عز وجل للصائم، وهو تكريم ينزله الله سبحانه وتعالى المنزلة الخاصة فـ«الصوم لي وأنا أجزي به». يعيش أحدنا أحدى عشر شهرا في السنة يأتي من خلالها بكل ما يود أن يقوم به حلالا وحراما، مباحا وممنوعا، رغبة وحاجة، في يسر وفي عسر، ملزم أو من غير إلزام، حيث تتسع الممارسات على امتداد الأفق، ليلا ونهارا، رضي هذا الضمير أو لم يرض، اقتنعت هذه النفس أو لم تقتنع، في غفلة أو في كامل الوعي، وفي خضم هذه التفاعلات كلها: الوجدانية والسلوكية، القولية منها والفعلية يأتي شهر الصيام ليرفع لا فتة حمراء تقول للجميع: كفى؛ حيث يبدأ سلوك جديد، سلوك فيه من التوازن بين متطلبات النفس، والجسد، وفيه من الممارسات التي لا تبعد الإنسان عن واقعه، وفيه ما تجعل هذا الإنسان حاضرا في حضرة رب العالمين؛ حيث يستجمع كل قواه الذهنية ليقف معظما، ومناجيا، ومرتلا، وداعيا، ومتوكلا، وربما تكون هذه الحالة حالة من الدهشة في أول الأمر، ولكن لا تلبث هذه الدهشة أن تزول شيئا فشيئا مع توالي الأيام، حيث تأخذ النفس المطمئنة دورة حياتها في الصيام بكل سهولة ويسر، وحيث تترسخ القناعة أكبر أن ما عند الله أكثر وأكبر.

فمن هذا الفرد المسلم الذي يستطيع أن ينعتق من متعلقات الـ(11) شهرا هكذا مرة واحدة، إنه التحدي الذي يعيشه الإنسان مع نفسه، ومن خلال انتصاره فيه تظهر حقيقته الإيمانية، وهي الموجودة أصلا، فقط كانت تحتاج إلى ناطق يستنطقها، ويحررها من عقال عبودية الذات التي تسربل مفاصلها في غفلة صاحبها المستمرة، لأنه يعي أن لذلك مقابلا ليس له حدود من العطاء والمكاسب، تعهد بها الله سبحانه لعباده الصائمين «الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي».

ومع هذه الحقيقة، لا يزال هناك أناس ينحازون إلى أنفسهم الأمارة بالسوء، ويأتون بالموبقات في الخفاء، حيث لن تكون لهم القدرة على المجاهرة بالفعل الآثم، ولذلك هم يتسترون؛ غباء؛ لأن المعني بهذا الصيام هو الله سبحانه وتعالى، وهو المطلع على خبايا النفوس قبل الوصول إلى ممارسة الأفعال، ولكن لأنهم (ران على قلوبهم ما كانوا يفعلون) وهذه قصة أخرى من قصص بني آدم، الذي يعيش الغفلة في كل لحظات حياته. فطوبى للذين يرون في شهر رمضان الخير كله، وطوبى لآخرين يرون فيه مزرعة من مزارع الآخرة، وطوبى لمن عاش رمضان طوال أشهر السنة، وطوبى لمن يجد في رمضان الفرص السانحة للتعويض عما اقترفت يداه طوال أشهر السنة الأخرى، طوبى لكل هؤلاء وغيرهم بأنهم سوف يحظون برضا الله عنهم، وغفرانه لذنوبهم مهما تعاظمت (وما عند الله خير وأبقى).