Untitled-1
Untitled-1
روضة الصائم

سوق طاقة شاهد على حضارة عريقة وازدهار تجاري

17 مايو 2018
17 مايو 2018

ملتقى الأهالي لتعزيز روح الجماعة -

طاقة: أحمد المعشني -

تعتبر مدينة طاقة الساحلية في محافظة ظفار قبل عهد النهضة المباركة مرفأ بحريا مشهورا في غرب المحيط الهندي وبحر العرب. وفي الفتوح وهي المدة من شهر أكتوبر إلى شهر مايو كانت فرضة طاقة مقصدا للمراكب العمانية (الخشب) المشحونة بالبضائع لتجار المدينة من العراق والخليج وبومباي وعدن ورسائل من المغتربين إلى ذويهم وحوالات مالية لهم وهدايا. ويستبشر التجار بقدوم بضائعهم والأهالي يستبشرون بقدوم السفن من الخليج بعد انقطاع مدة الخريف (نحو ثلاثة أشهر) لعلها قدمت برسالة من ذي قربى في المهجر أو بمبلغ من المال منه أو ببضاعة أرسلها لهم. وقد بلغ عدد العمانيين الذين هاجروا إلى بلدان الخليج طلبا للرزق قبل عام 1970 حوالي سبعين ألفا. .

والخريف في تقويم ظفار يوافق الصيف الفلكي في نصف الكرة الشمالي حيث تهطل الأمطار الموسمية الجنوبية الغربية هطولا خفيفا نافعا دون انقطاع تقريبا مدة الفصل (21 يونيو- 21 سبتمبر) ويهيج البحر هيجانا شديدا، بسبب التيارات الصاعدة، لا يسمح بولوج السنابيق (ومفردها سنبوق) أو رسو السفن. وفي هذا الصدد استعمل سكان محافظة ظفار تقويما لضبط تواريخ المواسم لأغراض الزراعة والملاحة والتنبؤ بالطقس ضبطا دقيقا يثير الإعجاب. ويسمون هذا التقويم بحساب النجوم أو الحساب الفلكي وقد وضع أصله في زمن الدولة الحميرية في اليمن العالي نحو 570 سنة قبل الميلاد. ومنه أخذنا كلمة الخريف وأصلها (ذو خراف) وكلمة الصرب وأصلها (ذو صراب). هذا وقد تم لاحقا مؤاقتته بالتقويم الميلادي المعروف اليوم. وكان الراحل احمد بن حسين اليافعي أشهر الحساب في طاقة ومرجعهم.

ويتم إنزال البضائع والمسافرين من السفن الراسية خلف مكسر الموج الى البر بواسطة سنبوق الفرضة الذي يجدف به ثمانية تاسعهم الربان. وهو قارب كبير مفلطح القاعة لا تدخل في صناعته أية مسامير معدنية وإنما تخاط أجزاؤه كلها بحبال الكمبار خياطة محكمة وهي حبال متينة دقيقة من ألياف ثمرة جوز الهند اليابسة. ويقلفط السنبوق بمخلوط من القار (الزفت) وزيت الساردين (الصيفة) وعيدان دقيقة من الخشب. أما أخشابه فكانت من الأشجار التي تزدهر في مرتفعات ظفار المتأثرة بالأمطار الموسمية وأهمها الصغوت والكليت والآثيب والآرير. وقد عدَّ المؤرخون السنبوق الظفاري أقدم المراكب العمانية وعزوا بقاءه إلى تصميمه المرن الذي يغالب الأمواج. واستعملت السنابيق التي يملكها الأهالي وليس جمرك الفرضة استعملت في صيد الأسماك والسردين بالشبكة الصغيرة (الغديف) وصيد الساردين بكميات تجارية (الضواغي) بالشبكة الكبيرة (الجريف) والسفر الى قرى الساحل المجاورة. والى جانب استعماله خيوطا للسنابيق فتلت من الكمبار كذلك حبال الأسرة (ومفردها سرير) التي كانت تصنع محليا وحبال الجريف وحبال المدروج التي كانت تستعمل لربط جرائد النارجيل ببعضها البعض لبناء العرش التي كانت تتخذ سكنا.

وكلمة السنبوق كلمة سامية قديمة (السمبوق بالميم لا بالنون) يعود أصلها إلى اللغة السنسكريتية لغة الهند القديمة.

أما طريقتهم في استخراج زيت السردين (الصيفة) فإن السردين الطري يوضع في مكان مائل رطب عند خور من الأخوار. وقد أثبتت هذه المواضع انها لا تشرب الزيت الذي ينزل من السردين فيسيل إلى موضع التجميع. وكانت طاقة تصدر سنويا أربعة آلاف كيلوجرام من الصيفة.

ولا تنقل البضائع إلى الدكاكين والمخازن إلا بعد تحصيل الرسوم الجمركية وتقييد البضائع في سجلات الجمرك. وقد بدأت السلطنة العمل بنظام الجمارك في عهد السلطان تيمور بن فيصل عام 1920. وأول من تولى مأمورية جمرك طاقة العام هو محمد بن عبدالرحمن العليان ثم عوض بن سعيد محيسون الحمومي ثم عوض بن جبران اليافعي ثم عبدالقوي بن صالح اليافعي ثم في عام 1952 عبدالله بن عبدالرحمن العليان. وكان مقر الجمرك عريشا من جريد النخل حتى عام 1942من حكم السلطان سعيد بن تيمور الذي أمر ببناء البناء الحالي. والفرضة (بضم الفاء) تعني بالعربية الفصحى محطة السفن. وقد أغلق مبنى جمرك فرضة طاقة عام 1980 وكان آخر مأمور للفرضة سليمان بن عبدالله الشكيلي وهو من سكان طاقة. وتنقل البضائع من الفرضة إلى الدكاكين والمخازن على الجمال مقابل أجرة يتفق عليها التاجر وصاحب الجمل. ويستمر نقل البضائع إلى الليل. والعملة المتداولة آنذاك كانت دولار (ماريا تيريزا) النمساوي أو ريال الفرنس كما يسميه الأهالي وهو يعادل نحو ريالين عمانيين بالأسعار السائدة حاليا. كما كانوا يتداولون عملات معدنية من صك السلطنة من بينها الريال الظفاري والبيسة وألانه (العانة). وفي مايو عام 1970 صدرت أول عملة ورقية هي الريال السعيدي الذي تم استبداله عام 1971 بالريال العماني.

أما سوق طاقة فكان عبارة عن حجرات لبيوت أرضية مقابلة للحصن ومسجد الشيخ العفيف. وهو أيضا محل اجتماعات الأهالي يتبادلون فيها الحديث.

وهذا التقليد كان من أسباب تراحمهم وتعزيز روح الجماعة بينهم.

وكانت طاقة تصدر إلى موانئ مسقط وعدن وبومباي الذرة الصفراء (الدنجو) والفاصوليا الظفارية (الدجر) والبازلاء الظفارية (المنج) والسمن البلدي وزيت السردين (الصيفة) والجلود وثمار جوز الهند اليابسة وحبال الكمبار (فحس السنابيق) والسمك المجفف ونبات (المحلب الشحري) واللبان الظفاري وتقدر صادراتها بالأسعار السائدة حاليا بنحو خمسة عشر ألف ريال. وكان السمن البلدي يصدر في علب من القصدير (التنكة) سعتها عشرون كيلو جراما.

وفي الفتوح يتراوح نشاط أهالي طاقة في إبراز بضائع السفن التجارية ونقلها إلى الدكاكين والزراعة وحصاد الحبوب خاصة القمح (البر) وأعمال الضواغي (ومفردها ضاغية) وهو صيد السردين بكميات تجارية بشبكة الصيد الكبيرة (الجريف) بتعاون عدد كبير من الرجال مقابل حصة من المحصول. ويسمى هؤلاء الرجال بالمهاجرين وهم الذين يسحبون الشبكة الكبيرة (الجريف) من عرض البحر إلى الشاطئ عندما تمتلئ بالسردين. ثم ينقلونها من الجريف إلى اليابسة ولكل امرأة حضرت الضاغية ملء قفير من السردين دون مقابل. وكانت هذه العادة من أعمال الرحمة التي صاحبت موسم الضواغي. ثم ينقل السردين على الجمال إلى مواقع التجفيف التي تحرسها النساء مقابل حصة من السردين المجفف. ويباع السردين المجفف علفا للماشية خاصة الأبقار كما انه يؤكل مع التمر.