أفكار وآراء

المؤسسات المالية ولائحة التبليغ العام «سي آر اس» عن التهرب الضريبي

16 مايو 2018
16 مايو 2018

د. عبدالقادر ورسمة غالب -

[email protected] -

قامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أو اي سي دي) بإصدار لائحة التبليغ العام، التي بموجبها ووفق أحكامها يجب أن تقوم كافة البنوك والمؤسسات المالية في كل الدول بالتبليغ التلقائي وتبادل المعلومات عن حسابات الأجانب لديهم. والغرض من هذا التبليغ التلقائي وتبادل المعلومات بين الجهات المختصة، هو العمل على تمكين سلطات الضرائب في أي بلد لمعرفة تفاصيل حسابات مواطنيهم (ذويهم) في الخارج بغية متابعة المتهربين من دفع الضرائب في بلدانهم وفق ما هو مطلوب منهم بموجب القوانين والإجراءات الصادرة في هذا الخصوص.

من دون شك، فإن التهرب الضريبي أصبح من آفات العصر ومن الجرائم الاقتصادية المالية الخطيرة التي قد تهدد بانهيار الدخل القومي للدول وفراغ الخزينة العامة من أموال الضرائب المستحقة الدفع وفق الأحكام والإجراءات القانونية المختصة في كل بلد. ومن المعلوم، أن مورد الضرائب يعتبر من موارد الدخل الرئيسية للعديد من الدول، ومن هنا تنبع الأهمية وضرورة المتابعة لرفع نسبة التحصيل الضريبي.

ولقد كشفت التقارير المعروفة بفضائح بنما (بنما ليكس) وتقارير (التاكس هيفن)، التي ظهرت أخيرا أن أعدادا كبيرة من ذوي المداخيل الكبيرة ظلت تتهرب من دفع الضرائب بل وتعمل على تهريب أموالها وذهبها ومكتنزاتها الغالية بعيدا عن الأعين وبصفة خاصة عن أيدي مفتشي الضرائب وجامعي المكوث.. وهذه التقارير المجلجلة فضحت الكثيرين من أصحاب الجيوب الكبيرة والحسابات ذات الأرقام الضخمة، وما خفي أعظم.

وما ورد في هذه التقارير وغيرها من الجهات العديدة، يدلل بوضوح تام على فشل القوانين المحلية الداخلية في كبح جماح المتهربين من دفع الضرائب وكسر أنانيتهم المتمثلة في إخفاء ما يملكون حتى لا يساهمون في رد بعض الجميل لبلدانهم وأوطانهم ومواطنيهم. ولقد ظل هذا الوضع مؤرقا للدول والحكومات والمنظمات الدولية المختصة وقبل هؤلاء الملتزمين بدفع الضرائب على “داير المليم”.

لتجاوز هذا الوضع القبيح الشاذ، كان لا بد من ابتكار وسائل وبدائل أخرى لرد أموال الضرائب المستحقة وفي هذا الإطار قامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بدراسة الوضع وتمخض عن ذلك إصدارها “لائحة التبليغ العام” التي تطلب من المؤسسات المالية التبليغ عن أموال الأجانب لديها وذلك وفق ما ورد في أحكام اللائحة. وكل هذا من أجل وسعيا نحو تضييق الفرص أمام من يرغبون في التهرب الضريبي لأن أي جهة يضع فيها أمواله ومقتنياته ستقوم بالتبليغ الفوري عنه تلقائيا وبذا فان أخباره ستصل قبل أن يرتد إليه طرفه.

وبالطبع فإن المؤسسات المالية والبنوك مستهدفة بصفة أساسية للمساعدة في هذا الأمر لأن الأموال والمكتنزات الغالية ستوضع في خزائنها السرية والمحاطة بالإجراءات الأمنية القوية على مدار الساعة. وهكذا قدر المؤسسات المالية والبنوك فهي المستهدفة من المجرمين أولا وفي نفس الوقت من متابعي المجرمين من الجهة الثانية.. والتجربة التي تمت مع الـ (فاتكا) الأمريكية ليست ببعيدة، وكانت تجربة مثيرة للقطاع المصرفي بما لها وما عليها.

إن عضوية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تشمل تقريبا كل الدول الأوروبية وأمريكا واليابان وكندا واستراليا وكوريا وغيرهم، ومن هذا يتضح أنها تقريبا تشمل كل اقتصاد العالم. وفي هذا الخصوص، وبصفة خاصة فإن عدد الدول التي أقرت واعتمدت لائحة التبليغ العام (سي آر أس) يتجاوز المائة بلد من ضمنهم دول الخليج، وهذا ما يهمنا لأن اللائحة ستطبق وتنفذ في دول الخليج حتي تكون المنطقة نظيفة وخالية من هذه الجرائم الخبيثة.

وكمثال، نلاحظ أن مصرف البحرين المركزي أصدر توجيها في 30 يناير 2017 وآخر في 10 أبريل 2017، لكل المؤسسات المالية المرخصة للالتزام بتطبيق ما ورد في لائحة التبليغ العام (سي آر أس)، وذلك يتمثل في التقديم التلقائي للمعلومات المطلوبة عن وبخصوص حسابات واستثمارات وأموال الأجانب المودعة والمستثمرة لديهم . وبعد الحصول على المعلومات المطلوبة سيقوم مصرف البحرين المركزي بإبلاغ الجهات الأجنبية المختصة. وهكذا تكتمل دورة المتابعة والملاحقة.

وهذا الإجراء يوضح أن المؤسسات المالية بالبحرين ستقوم بما هو مطلوب منها وفق “لائحة التبليغ العام” الصادرة من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتنفيذا للتوجيه الصادر من مصرف البحرين المركزي ليتم تطبيق الاتفاقية التي وقعتها حكومة البحرين في هذا الخصوص.

من دون شك، فإن تطبيق ما ورد في لائحة التبليغ العام بواسطة المؤسسات المالية في البحرين له التزامات يتم تحملها والإعداد لها. من ضمن هذه الالتزامات إعداد ووضع البرامج التقنية الإلكترونية الضرورية للتنفيذ، إعداد اللوائح والمستندات الخاصة بالحسابات المصرفية أو الاستثمارات المالية، اتخاذ الخطوات القانونية الضرورية من حيث الحصول على موافقة الزبائن وكيفية التعامل بما يحفظ الحقوق القانونية للمؤسسات المالية، إعداد الكفاءات البشرية وتدريبها التدريب اللازم للقيام بهذا العمل بصورة سليمة.. وكل هذا يحتاج للمال وللعمل المتواصل وللوقت الثمين وربما توظيف الكفاءات.. وغيره. ولكن، أملنا كبير في أن تجتاز المؤسسات المالية هذه المرحلة بسلام مستفيدين من التجارب السابقة خاصة تجربة تطبيق الـ (فاتكا) الأمريكية.

إن التهرب الضريبي يعتبر من الجرائم المالية الاقتصادية المضرة، ويجب على الجميع التصدي لها وحشد كل الإمكانيات المادية والبشرية في مواجهتها. والمؤسسات المالية وخاصة البنوك، لعبت دورا كبيرا في التصدي للعديد من الجرائم المالية الاقتصادية مثل جرائم غسل الأموال وجرائم تمويل الإرهاب.. وكانت تجربة البنوك في هذا الصدد ناجحة وكل هذا النجاح والتجارب المتتالية المكتنزة ستمكن البنوك والقائمين عليها من استيعاب اللوائح والإجراءات الخاصة بمكافحة ومنع التهرب الضريبي.. وقطعا، سيضاف ما تقوم به المؤسسات المالية لإنجازاتها المهنية المتواصلة دوما.

إن جريمة التهرب الضريبي من الجرائم عابرة الحدود ومواجهتها تتطلب التعاون والتكاتف الدولي، وإلا لن تتوقف وسيستمر المجرمون في استنزاف الأموال واكتنازها لتحقيق مآربهم الشخصية على حساب بلدانهم ومواطنيهم. وهذا يجب الاصطفاف في مواجهته صفا واحدا وقلبا واحدا ويدا واحدة.. وإلا سيتسرب الماء عبر المسالك السهلة غير المحصنة. ولذا، فإنه على كافة المؤسسات المالية والبنوك الاستعداد وإعداد العدة اللازمة لخوض هذه المعركة لكسبها دون خسائر تذكر.. وعليكم بذل الجهد والاستعانة بالمختصين في هذه المجالات الحساسة تجنبا للمخاطر القانونية وغيرها.