أفكار وآراء

الانسحاب من الاتفاق النووي.. ودور المجتمع الدولي

15 مايو 2018
15 مايو 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

لا شك أن التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية الست الكبرى (مجموعة 5+1) يعد من الإنجازات الدبلوماسية المهمة التي جنبت المنطقة والعالم حربا كارثية كادت أن تقع قبل نحو ثلاث سنوات، بسبب التحريض المتواصل للكيان الصهيوني، ومن هنا جاء هذا الاتفاق ليعطي إشارات إيجابية لإحلال الأمن والاستقرار في المنطقة.

وجاء قرار الرئيس الأمريكي ترامب بالانسحاب من هذا الاتفاق، قبل أيام، ليؤكد من وجهة نظر البعض على الأقل، على أن الإدارة الأمريكية لا تلتزم بكلمتها كدولة كبرى باتفاق وقع رئيسها السابق، باراك أوباما، عليه، وتم التصديق عليه من قبل مجلس الأمن الدولي مما يعطي هذا الاتفاق المشروعية القانونية. الاتفاق يبقى على الرغم من الانسحاب الأمريكي منه، والذي أيدته إسرائيل وبعض الدول الأخرى، إلا أن الدول الغربية وغير الغربية الأخرى الموقعة على الاتفاق، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، علاوة على روسيا والصين، أبدت تمسكها بالاتفاق وكذلك إيران وهذا يعطي دلالة سياسية بأن الاتفاق كان عاملا فعالا لاستقرار وأمن المنطقة، وخدمة مصالح الأطراف المختلفة. الولايات المتحدة الأمريكية تريد إرجاع العقوبات على إيران وهذا شيء قد يكون مخالفا لروح الاتفاق، حيث إن هذا الأخير ليس اتفاقا ثنائيا بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، بل هو اتفاق بين إيران ومجموعة الدول الست الكبرى، الذين يتمتع خمس منهم بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، علاوة على دولة مهمة في أوروبا وهي ألمانيا. ومن هنا فإن انسحاب أمريكا لا يلغي الاتفاق، بل يبقى هذا الاتفاق، ومن هنا بدأ السجال السياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية من خلال الاتصالات والتصريحات المتناقضة وإصرار الدول الخمس الأخرى على التمسك بالاتفاق النووي مع إيران.

وكالة الطاقة الذرية

وكالة الطاقة الذرية الدولية ومقرها العاصمة النمساوية فيينا هي المرجعية التي تراقب مدى التزام إيران ببنود الاتفاق ومنذ توقيع هذا الأخير في عام 2015 وتقارير الوكالة تشير بأن إيران ملتزمة تماما بالاتفاق، وهناك أكثر من 12 تقريرا من وكالة الطاقة الذرية تشير إلى التزام إيران ببنود الاتفاق خاصة، وأن خبراء الوكالة يزورون إيران بشكل منتظم للتأكد من التزام إيران ومن هنا فإن الانسحاب الأمريكي يثير الشكوك، وأن هناك أهدافا خفية وراء ذلك الانسحاب والذي يجعل المنطقة عرضه للتوتر والتصعيد، وان إسرائيل كان لها الدور الأكبر في تحريض واشنطن على الانسحاب. ومن هنا فإن العالم يشهد معركه دبلوماسية كبرى بين القوى الدولية، خاصة وأن المصالح الأوروبية سوف تتأثر إذا لم تتراجع واشنطن عن تهديدها للشركات الغربية بالانسحاب من إيران في غضون ستة أشهر.

الموقف الإيراني

إيران أعلنت أنها متمسكة بالاتفاق ولكن إذا تأثرت مصالحها الاقتصادية بشكل كبير فإن طهران سوف تعود إلى التخصيب خلال فتره قصيرة، وهذا موقف واضح، حيث إن إعادة فرض العقوبات لا يتماشى مع روح الاتفاق الذي لا يزال من الناحية القانونية باقيا، وانسحاب عضو واحد لا يعني نهاية الاتفاق النووي مع إيران، وهناك عدد من الاتفاقيات انسحب منها الرئيس الأمريكي ترامب وبقيت تلك الاتفاقيات الموقعة من قبل دول العالم، ومنها اتفاقية باريس حول الاحتباس الحراري، وهناك منظمة اليونسكو، وأيضا اتفاقية التجارة الحرة مع المكسيك وكندا في أمريكا الشمالية، ومن هنا فإن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي يسري عليه مع ما حدث مع تلك الاتفاقيات المشار لها. وكما قال وزير المالية الفرنسي بأنه لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تكون شرطي الاقتصاد العالمي، وهي عبارة تعبّر عن الاستياء الغربي من مواقف إدارة ترامب في هذا الخصوص. إذن الموقف الإيراني صحيح ويتماشى مع القانون الدولي، ومع تقارير وكالة الطاقة الذرية الدولية التي كررت مرارا بأن طهران ملتزمة ببنود الاتفاق وهذا ما جعل بقية الشركاء في الاتفاق يتمسكون بالبقاء في هذا الاتفاق.

الفوضى السياسية

الإدارة الأمريكية، ومن خلال انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران ونقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى مدينة القدس تتسبب في حدوث فوضى سياسي، أولا لشرعنة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وأيضا إيجاد توتر قد يفضي إلى حرب مدمرة في المنطقة، وبالطبع تسويق السلاح من مصانعها والحصول على المزيد من الأموال من دول المنطقة الغنية، ومن هنا فإن بقاء الاتفاق النووي واستقرار المنطقة ليحقق أهداف واشنطن وتل أبيب مما يجعل من خلط الأوراق في الشرق الأوسط أمرا أساسيا، ويجعل إسرائيل هي القوة التي تهيمن على مقدرات المنطقة وتطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الإسرائيلي وبالتالي يمكن أن تصبح الأسواق العربية مفتوحة أمام المنتجات الإسرائيلية وتتحقق الاستراتيجية الأمريكية حول الشرق الأوسط الجديد. إن محاولة إدارة ترامب عزل إيران في المنطقة والعالم قد لا تنجح وعلى المجتمع الدولي أن يوقف المخطط الإسرائيلي المتهور، والذي يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، حيث إن أي حرب محتملة بين إيران من جانب وإسرائيل وبالطبع الولايات المتحدة الأمريكية التي ستبادر إلى دعم إسرائيل، سوف يحول المنطقة إلى كارثة حقيقيه قد لا تختلف عن الذي حدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا.

منطقة الخليج والكارثة

منطقة الخليج هي منطقة حساسة ومهمة للعالم اقتصاديا واستراتيجيا حيث وجود الطاقة والسوق الاستهلاكي القوي لكل منتجات العالم، وقد عانت هذه المنطقة بسبب عدة حروب كارثية خلال العقود الأربعة الأخيرة، وكانت النتائج سلبية بصورة كبيرة، ومن هنا فان الانسياق وراء المشروع الإسرائيلي المدعوم أمريكيا، والذي يريد افتعال كوارث في المنطقة قد تؤدي إلى اندلاع حرب، سوف تدفع دول المنطقة نتيجتها الكارثية، حيث إن الحرب لن تكون على الأراضي الأمريكية بل ستكون ساحتها الأساسية منطقة الخليج، وستكون كارثية على الجميع، إيران ودول المنطقة، وذلك نظرا لعوامل عدة من أهمها القرب الجغرافي ووجود الصواريخ المدمرة والطيران، مع كل الأطراف. فهل هناك استعداد لتحمل هذه الحرب الكارثية ؟إن المنطق السياسي الموضوعي يقول بأن الحوار الخليجي الإيراني هو أفضل الخيارات لإيجاد قواسم مشتركة تضمن أمن استقرار المنطقة وان الحروب سوف تدمر الجميع وتكون الأجيال الجديدة هي الخاسر الأكبر وتعمق تلك العداوات المزيد من الكراهية والميل إلى الانتقام بين الشعوب، وهذا رأيناه بشكل مباشر نتيجة الأزمة الخليجية التي تدخل عامها الثاني خلال أسبوعين تقريبا. إن إسرائيل هي من دعاة الحرب والفتنة بين العرب أنفسهم، ومن هنا فإن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي هو مقدمة سلبية، وحشد سياسي للدخول في مزيد من الحروب العبثية، فالمنطقة العربية لا تحتمل المزيد من الحروب وان الجهود المبذولة للإبقاء على الاتفاق النووي هي خطوة مهمة، فقرار واشنطن هو قرار فردي غير ملزم لأحد وتبقى القوى الدولية والأمم المتحدة محافظة على هذا المنجز الدبلوماسي المهم حسبما وصفه عدد من قادة العالم والذي جنب المنطقة والعالم كوارث حروب محتملة.

الدبلوماسية هي الخيار

وأمام هذا التحدي الذي يواجه العالم بفعل التصرفات الأمريكية فإن على الدبلوماسية أن تكون هي صمام الأمان، وهي الخيار الأهم لاحتواء تلك التصرفات المربكة وعلى مجلس الأمن الدولي مسؤولية كبيرة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين -مهمته الأساسية- علي ضوء ميثاق الأمم المتحدة، فلا يمكن السماح لإدارة ترامب أن تؤثر على هذا النحو على مقدرات العالم، ولدول العالم أن يكون لها موقف حتى يتجنب العالم المزيد من كوارث الحروب المحتملة، ومن هنا فإن التحركات الحالية والجهود التي تبذل لاحتواء ذلك الانسحاب الأمريكي تعد على قدر كبير من الأهمية. إن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران يمكن أن يؤدي إلى ظهور شكوك حول أي اتفاق قادم توقعه إدارة ترامب، وهذا ما تحدث عنه عدد من السياسيين في الولايات المتحدة وعدد من أعضاء الكونجرس والمنظمات ورجال الصحافة والإعلام في أمريكا وخارجها، فالانسحاب من التعهدات لدول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية هو أمر غير مألوف، ومع ذلك فإن الدبلوماسية هي التي يعول عليها العالم لتصحيح المسار في مجال الأزمات الإقليمية والدولية، وان يكون القانون الدولي والاتفاقيات الموقعة محل احترام والتزام من يوقعها كدول وحكومات.