1335293
1335293
المنوعات

وليد المغيزوي مؤلف مسرحية «الألفية»: النص ترجمة لمشاهد من الواقع الاجتماعي بكوميديا سوداء

13 مايو 2018
13 مايو 2018

كتب- عامر بن عبدالله الأنصاري -

إيجابيات كثيرة في مسابقة «إبداعات شبابية» التي تنظمها وزارة الشؤون الرياضية بشكل سنوي وفي مجالات متعددة من بينها مجال المسرح.

ومن بين الإيجابيات اكتشاف طاقات شبابية ومواهب كثيرة كان أحد أبطالها الفنان المسرحي وليد بن سالم بن حمد المغيزوي، ولكن ليس في مجال التمثيل المبدع فيه منذ عام 2011 فحسب، إنما في مجال التأليف المسرحي، لتنال مسرحية «الألفية» الجائزة الكبرى في المسابقة في أول تجربة حقيقية له في مجال التأليف المسرحي فكان بطلا في الورق وعلى خشبة المسرح برفقة زميليه ماجد المقيمي وصالح الرئيسي وفريق إعداد مميز جميعهم من الشباب.

كتب وليد النص كمحاكاة لـ1000 سنة، أي «ألفية» في قالب اجتماعي كوميدي يحمل في طياته الكثير من المشاكل ويطرحها للمتلقي، ومشاهد عديدة تتخلل تلك الفترة منها تناقضات الأسرة والمجتمع، والنظرة السلبية بين جيل وآخر، والتربية الخاطئة، وأثر وسائل التواصل الاجتماعي، وتشويه الفن، والوظائف ووضعها الحالي، والوظائف الوهمية، والرغبة في بناء المستقبل واختيار شريكة حياة وغيرها العديد من المشاهد الاجتماعية في قالب كوميدي.

وتتوالى أفكار المسرحية ومشاهدها إلى أن يصل المتلقي إلى حقيقة بأن الإنسان هو المتسبب والمتضرر، لتنتهي بتساؤل (نحن آخر ثلاثة أشخاص في البشرية هل لازم تنقرض البشرية عشان تتوقف المشاكل.. تتوقع؟؟).

شارك وليد المغيزوي في التمثيل، ودائما ما يتمنى المؤلف أن يرى نصه بشكل معين وبصورة ذهنية ذات ملامح محددة، إلا أن وليد لم يتدخل كثيرا في الإخراج، باستثناء بعض وجهات النظر التي يراها منطقية، فيطرحها على المخرج الصلت السيابي الذي وصفه بالديمقراطي، فكان العمل في بيئة أخوية تحت مظلة فرقة الشفق المسرحية بعيدا عن كل المنغصات، وتلك من الأسباب التي جعلت هذا العمل بأجوائه الأخوية قريبا إلى قلوب كل من شاهد المسرحية، فتفاعل معها وبدت علامات الرضا والإعجاب تملأ مدرجات مسرح الكلية التقنية العليا.

ويؤمن المغيزوي بأن أي عمل مهما كان لا يخلو من النقد واختلاف الآراء، إلا أنه لَمِس أعجاب الجمهور ووصول الفكرة إليهم لأنها تلامس جميع الفئات العمرية ولا تقتصر على فئة معينة.

اعتمد النص على بساطة الطرح، واللهجة العمانية الدارجة، وهو ما أضاف الكثير في صف المسرحية وربما كان معيارا للفوز بالمركز الأول في المجال المسرحي بالمسابقة.

ولا يتوقف طموح المغيزوي عند هذا الحد، فالفوز دافع له للمواصلة والصعود بخطى ثابتة نحو القمة، والوصول إلى المحافل العربية والدولية بل أبعد من ذلك، فدائما يرى المبدعون في الفوز جرعة من الطاقة وتحميلا لمسؤولية أكبر.

واعتقد أن الفوز بالمسابقة هذه المرة جاء بعد إنجازات عديدة، ما يؤكد نظرية أن الفوز عند المبدعين حافز للعطاء، فقد شارك المغيزوي في مسابقة إبداعات شبابية في أربعة مواسم، وهي المسابقة التي يرها ثاني أقوى مسابقة في السلطنة تشمل العمل المسرحي، فحصد ذات مسابقة المركز الثالث، وفي النسخة الأخيرة اكتسح الصدارة.

وعلى كل من يشكك بهذا النوع من النصوص المسرحية، بأنها عبارة عن مشاهد من الواقع وتجميع لسيناريوهات متنوعة، يرى المغيزوي أن هذا النوع من النصوص ينتمي لمدرسة من مدارس المسرح، والتي تعتمد على التركيب المجزأ، وتتسم بالسلاسة والوضوح والمباشرة، كما يتم تصنيفها بالنصوص العبثية التي تأتي ككوميديا سوداء.

وبين نص «الألفية» والنصوص الأخرى المشاركة في المسابقة، وما بين القيل والقال، يؤكد المغيزوي أن نصه لا يعلو على نص أستاذه ومعلمه عبدالرزاق الربيعي، ويرى نفسه أنه نقطة في بحر الربيعي، ولكنه في ذات الوقت يرى أن فوز نصه والعمل بمجمله يأتي انطلاقا من فكرة المسابقة، التي تعنى بفئة الشباب 30 عاما فأقل، وتجمع الطاقات الشبابية وتتكون حتى تنفجر، فأعمار فريق العمل من وجهة نظر المغيزوي لها الفضل بالفوز دعما للشباب وتطبيقا لفكرة المسابقة.

وفي المشهد الأشمل، المسرح بشكله العام، يجد وليد المغيزوي نفسه في ركب المسرح في سلطنة عمان، ذلك المسرح الذي يقارع الدول العربية وهو منتعش لأبعد الحدود، إلا أنه في ذات الوقت يعيش في تحديات كونه مسرحا عمانيا، من أبرز تلك التحديات، والتي بلا شك يشترك معه فيها عدد كبير من المسرحيين العمانيين، الدعم والاهتمام والإنصات أولا من الجهات المعنية وتهيئة الجو الملائم والبساط الأحمدي لكي ينطلق المبدعون والمسرحيون نحو سماء المجتمع ليوصلوا رسالة سامية بأحلى وأبهى صورة، ومن التحديات كذلك الصورة النمطية للمجتمع تجاه المسرحي، ويتمنى وليد أن تنقشع تلك الصورة النمطية بأن المسرحي مجنون ومهرج، ويؤكد من خلال أي محفل وأية خشبة يصعد عليها بأن المسرحي يضحي من أجل أن يرسم على الشفاه ابتسامة أو يبدل الوضع من حال إلى حال أو أن يطرح قضية حقيقية، مضحيا بكل ما يملك إيمانا منه بالمقولة «أعطني مسرحا أعطيك شعبا مثقفا»، بتلك المقولة تتجسد التحديات التي يمكن أن تصنف على صنفين إحداها للجهات المسؤولة، والأخرى للمجتمع.

كما يؤمن وليد بالعمل الاجتماعي ومؤسسات المجتمع المدني، والتي في غالب الأحيان لا تملك من المقومات الكثير، إنما تصعد وترقى بمبادرات أعضائها سواء من مجالس الإدارة أو المنتسبين، فيرى أن الجمعية العمانية للمسرح، وهو أحد أعضاها، تقوم بأعمال جبارة، وتسعى جاهدة لتطوير المسرح والوصول به إلى بر الأمان وتعمل بشكل متواصل وفعال.

ويتمنى من الجمعية أن تحصر المهرجانات وتقللها، فهو يرى أن كثرة تلك المهرجانات تُفقدها جودتها وجودة العروض المشاركة ويصبح الضغط مضاعفا لكافة الفرق.

ولم تتوقف أمنيات المغيزوي عند الجمعية العمانية للمسرح، كذلك يرى أن وزارة التراث والثقافة تسعى جاهدة لتطوير المسرح وكل ما يختص بالمسرح واستمرار الحركة المسرحية في السلطنة، ويتأمل منها أن تقيم مهرجان المسرح العماني بشكل سنوي، بدلا مما هو عليه الآن كل سنتين، كما يتأمل أن تتوسع المنافسة فيها لتكون على شكل تصفيات أو أن تكون بعدد الفرق الموجودة في السلطنة.

وبعد هذا السرد عن وليد المغيزوي، نرجع قليلا إلى الوراء، حيث بداياته مع تلك الخشبة، فكانت البدايات من أيام المدرسة، وتحديدا تعرف المغيزوي على المسرح منذ أن كان في الصف السادس الابتدائي حتى الثانوية العامة، أو ما يسمى بالوقت الحالي الدبلوم العام.

تطور الوضع مع المغيزوي ليواصل مشوار المسرح بعد أن خرج من أجواء المدرسة، فكان أحد أركان جماعة المسرح بالكلية التقنية العليا بمسقط منذ عام ٢٠١١، ولا زال بالجماعة حتى الآن، ولكن بعد عام من التحاقه بالجماعة، التحق كذلك بفرقة الشفق المسرحية.

قدم العديد من العروض من عام 2011، ربما يكون العرض الجاد والحقيقي الأول له مسرحية بعنوان «بر الوالدين» ونال حينها جائزة أفضل ممثل أول، وبعد ذلك شارك في مسرحية عنوانها «إلى متى؟» في عام ٢٠١٢ وحصد جائزة لجنة التحكيم التشجيعية كأفضل ممثل أول.

وشارك المغيزوي في مهرجان «آفاق» المسرحي وحصد عملهم المركز الأول سنة ٢٠١٣.

كما شارك في العديد من الأعمال المسرحية منذ عام 2011 إلى الوقت الحالي، ومن الأعمال «الحرافيش»، و«عيسى بن عامر»، و «انتيجون»، و «المزبلة الفاضلة»، و «العاصفة»، و «سفر الهوامش»، و«المزار».

ويبقى الكثير في عالم المسرح، ويبقى المبدعون مواصلين لعطائهم، مواصلين لإبداعهم متى ما توافرت الفرصة السانحة، ومتى ما توفرت العوامل المؤدية للنجاح، من دعم، واهتمام، وإنصات، ومجتمع واع، يزيل غبار الحجر، ذلك الحجر الذي صدحت به مسرحية «الألفية» في أغنيتها التي لا زالت تراودني إلى الآن، أغنية للتفاؤل، فمهما كان الحجر قاسيا، انفض غباره حتى يبدو لامعا وجميلا، وكأنني أختم الموضوع مستمعا لأنغام تلك الموسيقى:

«ذات يوم في فصل الشتاء..

تحت ظل ضجيج المطر..

غمرتني دموع الحياة..

وأزالت غبار الحجر..

زقزق بلبلٌ وقتها..

عندما دثرته الشجر ..

فطربت لشدو الطيور..

واهتززت اهتزاز الوتر».