المنوعات

كتاب يبحث عن عمان في عيون المفسرين والمحدثين والفقهاء واللغويين والأطباء والمؤرخين والنسابة والجغرافيين والرحالة

12 مايو 2018
12 مايو 2018

موسوعة عُمان في التراث العربي.. في ثلاثة أجزاء -

مسقط «العمانية»: صدر للباحث الدكتور هلال بن سعيد الحجري كتاب جديد يتكون من ثلاثة أجزاء عنوانه «موسوعة عمان في التراث العربي» عن دار بيت الغشام للصحافة والنشر والترجمة والإعلان.

وقد حمل كل جزء من الأجزاء عنوانا ثانويا وفقا للموضوع الذي يتحدث عنه فقد جاء الجزء الأول تحت عنوان «موسوعة عمان في التراث العربي عيون الأدباء» وجاء الثاني تحت عنوان «موسوعة عمان في التراث العربي في عيون المفسرين والمحدثين والفقهاء واللغويين والأطباء» فيما حمل الجزء الثالث عنوان «موسوعة عمان في التراث العربي في عيون المؤرخين والنسابة والجغرافيين والرحالة».

ويذكر المؤلف في مستهل كتابه أن عُمان لم تكن مجهولة في التراث العربي فحين نتصفح مصادرَ هذا التراث تظهر لنا عُمان جُغرافيًّا ومَعرفيًّا أولَ أرضٍ تُشرقُ فيها الشمس في خارطة العالم العربي؛ ذلك أن حضورها يمتد عميقا في مختلف مَضَانِّ الثقافة العربية القديمة؛ الشعر الجاهلي، وتفاسير القرآن الكريم، ومسانيد الأحاديث الصحيحة، وأمهات تاريخ الأدب العربي، والتاريخ، والجغرافيا، وأدَب الرحلة.

ويضيف الحجري قائلا: «حاولتُ في هذا المشروع استقصاءَ حضور عمان، أرضا، وثقافة، ولغة، وعلماء، وشعراء؛ فكانت أهمُّ مصادر التراث العربي كريمةً في احتضان هذا الحضور. وكان الحضورُ ثَريّا ومضيئا يليق بهذا البلد الذي لم يكتف بشُغْلِ الخلفاءِ والأمراءِ فَحَسْب، وإنما شَغَل رموزَ التراث العربي بمختلف مشاربهم.

وقال إنها لَمَفْخَرَةٌ عظيمةٌ لعُمانَ أن يأتي ذِكْرُها على لسانِ الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث، وإنه لَشَرَفٌ لها أن يتردّدَ ذِكْرُها في أفواه صحابتِه الكرام، وإنه لتَخْليدٌ لاسمِها أن يَلْهَجَ به فطاحلُ الشعراء منذ الجاهلية إلى العصر الحديث، وإنه لكَنْزٌ عظيمٌ ما خلّفه علماءُ اللغةِ، والأدبِ، والتاريخِ، والجغرافيا، والطّبِّ، وهم يتحدثون عن لُغَةِ أهلِ عُمان، وشعرائِها، وخطبائِها، وملوكِها، وأسواقِها، ونِضالِها في مُواجهة الطامعين

والغُزاة، واستقلالِها، واتِّساعِها الجُغرافي، وجِبالِها، ومُدُنِها، وبِحارِها، وجَوَاهِرِها، ونَخيلِها، ونَباتاتِها الطبية».

ويذكر الحجري أن كل هذا الحضور سيجده القارئ في هذا العمل بأجزائه الثلاثة؛ الأول الذي يتناول حضور عمان في دواوين الشعراء، ومصادر الأدب العربي الشهيرة. والثاني الذي يتتبع حضورَها في تفاسيرِ القرآن الكريم، ومسانيدِ الأحاديثِ الشريفة والكتبِ التي تم شرحها، ومعاجمِ اللغة العربية، وكتبِ الفِقْهِ الإسلامي، وبعضِ المصادر الطبّيّة. والثالث الذي يستقصي ذِكْرَ عمان في مصادر التاريخ، والأنساب، والجغرافيا، والرحلات.

ويعقب الحجري بالقول: «لا أزعم بهذا العمل أني أحَطتُ بكُلِّ ذِكْرٍ لعُمانَ في مصادر التراث العربي، ولكني بذلتُ قُصارى جُهْدي في استقصاء ذلك؛ ولا شكَّ عندي أن ثَمّةَ مصادرَ أخرى تحدثتْ عن عُمانَ ولم أطّلِعْ عليها، ولَعَلّ الطّبعات اللاحقة لهذا العمل ستستدرك هذا النقص. لم يكنْ الاشتغالُ على هذا المشروع سهلا؛ فقد استغرق سنوات من الجهد في تتبع عمان في مصادر التراث، ورغم أن كثيرا من هذه المصادر أصبح متوفرا

إلكترونيا مما سهّل علي عملية التحقق والنقل، فإن بعضها غير متوفر وقد استلزم ذلك وقتا كثير في الكتابة والتوثيق. وكطبيعة أي عمل موسوعي، لم أشتغل في هذا العمل بتحليل النصوص الواردة فيه؛ وإنما كان وَكْدي استقصاء ذكر عمان في هذه النصوص، وحسبي منه أنه يحقق هدفين مهمين: أحدهما أنّ عُمَانَ ليستْ بلدا طارئا في خارطة العالَم العربي؛ بل هي ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، وثانيهما أنّ العُزْلة التي فرضتها الجُغرافيا على عُمان لم تكن عائقا لاتصالها بحواضر العالم الإسلامي، بل كانت نفسها حاضرة من هذه الحواضر التي اشتعلتْ بنور الله وجهودِ علمائها ومثقّفيها».

ومن الصور التي تشكلت عن عمان في التراث العربي ما يسميه الحجري بـ«صورة الملاذ الآمن»، وهو يتحدث عن ذلك قائلا: ربما لبعدها ونأيها عن نفوذ السلطات المستبدة خاصة في العصرين الأموي والعباسي؛ كانت عمان ملاذا آمنا لبعض الشعراء العرب الذين فرّوا إليها خوفا من البطش والظلم. ولعل أول شاعر هاجر إلى عمان حقنا للدماء وطلبا للأمن هو قيس بن زهير العبسي الذي هاجر إلى عمان بعد حرب داحس والغبراء

في الجاهلية. ذكر هجرته هذه ابن منظور في لسان العرب، حيث يقول: « وشاعَكم السلامُ كما تقول عليكم السلامُ، وهذا إِنما يقوله الرجل لأَصحابه إذا أَراد أَن يفارقهم كما قال قيس بن زهير لما اصطلح القوم: يا بني عبس شاعكم السلامُ فلا نظرْتُ في وجهِ ذُبْيانية قَتَلْتُ أَباها وأَخاها، وسار إِلى ناحية عُمان وهناك اليوم عقِبُه وولده». ويؤكد هجرة قيس أيضا ابن الأثير في كتابه «الكامل في التاريخ» ولكن بتفصيل آخر. يقول:« وقيل: إن قيس بن زهير لم يسر مع عبس إلى ذبيان وقال: لا تراني غطفانيةٌ أبداً وقد قتلت أخاها أو زوجها أو ولدها أو ابن عمها، ولكني سأتوب إلى ربي، فتنصر وساح في الأرض حتى انتهى إلى عمان فترهب بها زماناً، فلقيه حوج بن مالك العبدي فعرفه فقتله وقال: لا رحمني الله إن رحمتك» .

وفي العصر الأموي كثر الشعراء الذين فروا من بطش الحجاج بن يوسف وغيره من ولاة بني أمية، فكان الملاذَ الآمنَ لهم في الغالب عُمَانُ وإن طالتهم أيدي الحجاج أحيانا. من هؤلاء الشعراء عِمْرَان بن حطّان، وهو شاعر كما ذكر أبو الفرج الأصفهاني في أغانيه خرج من العراق «فنزل بعُمان بقوم يكثرون ذكر أبي بلال مرداس بن أدية ويثنون عليه ويذكرون فضله فأظهر فضله ويسر أمره عندهم وبلغ الحجاج مكانه فطلبه فهرب فنزل في روذميسان- طسّوج من طساسيج السواد إلى جانب الكوفة - فلم يزل به حتى مات وقد كان نازلاً هناك على رجل من الأزد فقال في ذلك:

نزلت بحمد الله في خير أسرةٍ أسر بما فيهم من الإنس والخفرْ

نزلت بقومٍ يجمع الله شملهم وما لهم عودٌ سوى المجد يعتصر

من الأزد، إن الأزد أكرمُ أسرةٍ يمانيةٍ قربوا إذا نُسب البـشـر

وأصبحت فيهم آمناً لا كمعشرٍ بدوني فقالوا من ربيعة أو مضر

أو الحيِّ قحطانٍ وتلك سفاهةٌ كما قال لي روحٌ وصاحبه زفر

وما منهم إلا يُسرُّ بنسبةٍ تقربني منـهـم وإن كـان ذا نـفـر

فنحن بنو الإسلام والله واحدٌ وأولى عباد الله بالله مـن شـكـر. ومنهم سَوّار بن المِضَرَّب السعدي من بني سعد بن زيد مناه بن تميم. عارض الحكم الأموي أيام الحجاج بن يوسف الثقفي في الكوفة، فطلبه الحجاج ليقتله، فاستطاع أن يهرب وينجو منه إلى عُمَان كما يؤكد ذلك المبرد في كتابه الكامل. وهو يقول في ذلك:

أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقـــومـــي تـــمـــيمٌ والـــفـــــــلاة ورائيا

وقد أورد الأخفش الأصغر في «كتاب الاختيارين» لسوّار بن المضرب هذه القصيدة التي يحن فيها إلى المواطن التي وجد فيها السكن والأمن في عُمان:

ألم تَـرَنـي وَإِن أَنـبَـأتُ أَنّي طَوَيتُ الكَشحَ عَن طَلَبِ الغَواني

أُحِـبُّ عُـمـانَ مِـن حُـبّـي سُلَيمى وَمــا طِـبي بِـحُـبِّ قُـرى عُـمـانِ

عَـلاقَـةَ عـاشِـقٍ وَهَـوىً مُـتاحاً فَـمـا أَنـا وَالهَـوى مُتَدانِيانِ

تَـذَكَـرُّ مـا تَـذَكَّرـ مِـن سُلَيمى وَلَكِــنَّ المَــزارَ بِــهــا نَـآنـي

فَـلا أَنـسى لَيالِيَ بِالكَلَندى فَـنـيـنَ وَكُـلُّ هَـذا العَـيشِ فانِ

وَيَـومـاً بِـالمَـجازَةِ يَوم صِدقٍ وَيَـومـاً بَـيـنَ ضَـنـكَ وَصَـومَـحانِ

أَلا يَـا سَـلمَ سَيِّدَةَ الغَواني أَمـا يُـفـدى بِـأَرضِـكِ تِـلكَ عانِ

وَما عَانيكِ يا اِبنَةَ آلِ قَيس بِــمَـفـحـوشٍ عَـلَيـهِ وَلا مُـهـانِ

أَمِن أَهلِ النَقا طَرَقَت سُلَيمى طَـريـداً بَـيـنَ شُـنـظُبَ وَالثَمانِ

سَـرى مِـن لَيـلِهِ حَـتّى إِذا ما تَـدَلّى النَـجمُ كَالأُدمِ الهِجانِ

رَمـى بَـلَدٌ بِـهِ بَـلَداً فَأَضحى بِـظَـمأى الريحِ خاشِعَة القِنانِ

ومن هؤلاء الشعراء الذين هربوا إلى عمان ساعةَ المِحْنة والخوف على النفس كعب بن معدان الأشقري. قال أبو الفرج في أغانيه: «ونسخت من كتاب النضر بن حديد لمّا عُزِل يزيدُ بن المهلب عن خراسان ووليها قتيبة بن مسلم مدحه كعب الأشقري ونال من يزيد وثلبه ثم بلغته ولاية يزيد على خراسان فهرب إلى عُمان على طريق الطبسين وقال:

وإنِّي تاركٌ مَرْواً ورائي إلى الطَّبَسَيْنِ معتامٌ عُمانا

لآوِي معقِلاً فيها وحِرْزاً فَكُنَّا أهلَ ثروتها زمانا

ومنهم أيضا السَمْهَري العُكلي، وهو شاعر فتّاك كانت له غارات على القوافل، وقبض عليه وسجن أكثر من مرة وانتهى أمره بالقتل، له قصائد في أشعار اللصوص وأخبارهم. يقول في أبيات يمتدح فيها حاجب بن المفضل بن المهلب بن أبي صفرة عامل عُمان لعمر بن عبد العزيز، حيث ضاقت به الدنيا فلم يجد متسعا يفر فيه من ملاحقة الشرطة له:

أَقولُ لأَدنَـى صاحِبَـيَّ نَصيحَـةً وَلِلأَسْمَـرِ المِغـوارِ مَـا تَـرَيـانِ

فَقالَ الَّذِي أَبدَى لِي النُّصحَ مِنهُمَـا أَرَى الرَّأيَ أَن تَجتازَ نَحـوَ عُمـانِ

فَإِن لا تَكُن فِي حاجِـبٍ وَبِـلادِهِ نَجاةٌ فَقَد زَلَّـت بِـكَ القَدَمـانِ

فَتَى مِن بَنِي الخَطَّابِ يَهتَـزُّ لِلنَّـدى كَما اهتَزَّ عَصبُ الشَّفرَتَيـنِ يَمـانِ

هُوَ السَّيفُ إِن لا يَنَتـهُ لانَ مَسُّـهُ وَغَـربـاهُ إِن خَاشَنتَـهُ خَشِنـانِ»

ويذكر الدكتور هلال الحجري صورة أخرى تشكلت عن عمان في التراث العربي هي «صورة الرزق و طيب العيش»، حيث يقول: «ثَمّة حديث مُتَدَاوَل في مصادر التراث العربي و هو «مَنْ تَعذّر عليه الرزقُ فعليه بعُمان».

ونجد في ديوان الشعر العربي أمثلة عديدة تؤكد أن بعض الشعراء العرب جاء إلى عُمان طلبا للرزق ونشدانا للحياة الكريمة. ولعل الشاعر الجاهلي أعشى قيس كان أول الشعراء العرب الذين فاءوا إلى عُمان طلبا للرزق والحياة الكريمة؛ فقصائده تثبت أنه زار الجلندى بن كركر ملك عمان أواخر الجاهلية ومدحه طلبا في كرمه وعطاياه. وهذا ليس بمستبعد لأن الجلندى كان أيضا شاعرا وملكا مشهورا شأنه شأن المناذرة في العراق والمنذر بن ساوى في البحرين، وكانت سيطرته على سوقي دَبَا وصُحار، وهما من أسواق العرب الشهيرة آنذاك، فكان يعشر التجّارَ فيهما، ولا يَبيع الناس في هاتين السوقين حتىّ يبيع الجلندى ما لديه من بضاعة. يقول الأعشى:

وَصَـحِـبـنـا مِـن آلِ جَـفنَةَ أَملاكاً كِراماً بِالشامِ ذاتِ الرَفيفِ

وَبَني المُنذِرِ الأَشاهِبِ بِالحيرَةِ يَــمــشـونَ غُـدوَةً كَـالسُـيـوفِ

وَجُـلُنـداءَ فـي عُـمـانَ مُـقـيـماً ثُـمَّ قَـيـسـاً في حَضرَمَوتَ المُنيفِ

وفي قصيدة ميمية من بحر المتقارب يمدح بها قيسَ بن معدي كرب، يدور هذا الحوار بين الأعشى وابنته:

تَقولُ اِبنَتي حينَ جَدَّ الرَحيلُ أَرانـا سَـواءً وَمَن قَد يَتِم

أَبـانـا فَـلا رِمـتَ مِن عِندِنا فَـإِنّـا بِـخَـيرٍ إِذا لَم تَرِم

وَيـا أَبَـتـا لا تَـزَل عِـنـدَنا فَـإِنّـا نَـخـافُ بِـأَن تُـختَرَم

أَرانـا إِذا أَضـمَـرَتـكَ البِلادُ نُجفى وَتُقطَعُ مِنّا الرَحِم

أَفـي الطَـوفِ خِفتِ عَلَيَّ الرَدى وَكَـم مِـن رَدٍ أَهلَهُ لَم يَرِم

وَقَــد طُــفــتُ لِلمـالِ آفـاقَـهُ عُـمـانَ فَـحِـمـصَ فَـأوريـشَـلِم