أفكار وآراء

دور مارتن لوثر ونابليون بونابارت في إنشاء إسرائيل !!

11 مايو 2018
11 مايو 2018

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

ذكرى مؤلمة ولا شك تلك التي تمر على الأمة العربية والإسلامية في هذه الأيام ، أنها ذكرى مرور سبعين عاما على ضياع الأرض الفلسطينية من أصحابها الشرعيين، ولا يزال هذا الحق ضائعا .

سبعة عقود استمرت فيها إسرائيل في اقتطاع الأراضي من الشعب الفلسطيني يوما تلو الآخر، وخاضت فيها أربعة حروب رسمية وعشرات من العمليات المسلحة المستترة من وراء الستار، ما كبد دول المواجهة ثمنا فادحا من المال والبشر ، ومن فرص التنمية التي توارت في الخلف لصالح موازنات الموت والخراب والدمار.

أسئلة عديدة جدا تثار في الأذهان هذه الأيام ، والباحث المحقق والمدقق يدرك أن المشهد ربما يكون على خلاف ما يتصور الجميع سيما وان هناك تنظيرات فكرية اتخذت صبغة دينية ما ، كانت وراء قيام دولة إسرائيل ونكبة الشعب الفلسطيني، وهناك كذلك دول أخرى بعينها فعلت الأمر نفسه وهي تسعى لتحقيق مصالحها الاستراتيجية حول العالم ودون أدنى التفاتة لحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وحياته وتراثه وتاريخه .

يمكن التأصيل للمتسببين الحقيقيين في نكبة الشعب الفلسطيني إلى زمن ما أطلق عليه الإصلاح الديني في أوروبا في القرن السادس عشر ، وهو شعار حق يراد به باطل ، فما حدث لم يكن إصلاحا ولا دينيا ، وإنما محاولة اختراقية لتفتيت منظومة دينية كانت هي الأقدم والأهم في أوروبا وعموم العالم القديم.

حين ثأر «مارتن لوثر» ثورته على المؤسسة الرومانية الكاثوليكية كان لابد له من أن يجد حليفا في عموم أوروبا يدعم انشقاقه المزعوم بصورة أو بأخرى، ولم يكن أقرب من يهود أوروبا الأعداء التاريخيين لتلك المؤسسة فاقترب منهم وتودد إليهم ، وعمد إلى إعادة قراءة للنصوص الدينية التوراتية خاصة، ومن ثم تأويلها لصالح كل ما هو يهودي .

في هذا الإطار كان لوثر يؤلف كتابه الأول المسمى « عيسى ولد يهوديا »، وكأنه يبعث لمسيحي العالم الغربي برسالة مفادها أنكم جميعا مدينون لهذا اليهودي الذي جاءكم بالمسيحية، وأخذ يفسر برؤى منقوصة كل ما يتصل بتاريخ الشعب الإسرائيلي، ويعزز طرح حتمية العودة إلى أرض فلسطين وإقامة وطن دولي لليهود هناك.

غير أنه وبعد نحو عشرين عاما من التعاطي مع يهود أوروبا، اكتشف «لوثر» أن الأخيرين هؤلاء قد سخروه لصالح تحقيق أغراضهم المختلفة، وأنهم لم يكونوا داعمين لانشقاقه غير المحمود ، وإنما اتخذوا منه جسرا وقنطرة للعبور من عليه إلى حلمهم إلى «أرض الميعاد» التي كانت كذلك ذات يوم ، وقد انتهى زمن الوعد بانتفاء الدور الذي كان مرسوما لهذا الشعب .

لاحقا كتب لوثر كتابه الثاني الشهير وعنوانه « اليهود وأكاذيبهم » وفيه تراجع عن كل ما جاء به في كتابه الأول، وبيّن للعالم الأوروبي وقتها أن هؤلاء شعب مليء بالمراوغة ولا يلتزم الحق، وإنما يسعى إلى مصالح غير شرعية .

غير انه وكما يقال في علوم الاقتصاد فان العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة وهكذا استطاعت أفكار لوثر المسيئة لفلسطين ولأرضها وللشعوب الأصلية الساكنة فيها أن تخترق الرئاسات والامبراطوريات الأوروبية ، ووجدت طريقها بنوع خاص إلى أوروبا، التي اقتنع نجمها الأكبر لاحقا « نابليون بونابارت » بأفكار لوثر ، وعليه فقد نادى بأن تكون فلسطين وطنا لليهود، قبل أكثر من مائة عام من وعد بلفور الانجليزي أو اعتراف روزفلت الأمريكي ... ما الذي جرى على وجه الدقة ؟

الجواب ربما يستدعي إعادة قراءة لما ذكرته المؤلفة « ريجينا الشريف » في كتابها المتميز « الصهيونية غير اليهودية ...جذورها في التاريخ الغربي » حيث تفرد لنا رسالة نابليون إلى اليهود والتي يدعوهم فيها إلى حمل السلاح والذهاب للقتال في فلسطين ، فيقول :

« من نابليون القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في إفريقيا وآسيا إلى ورثة فلسطين الشرعية.

أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، الذين لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبهم اسمهم ووجودهم القومي، وإن كانت قد سلبتهم أرض الأجداد فقط.

انهضوا وأظهروا أن قوة الطغاة القاهرة لم تخمد شجاعة أحفاد هؤلاء الأبطال الذين كان تحالفهم الأخوي شرفا لأسبارطة وروما ، وأن معاملة العبودية التي دامت ألفي عام لم تفلح في إخمادها .

ويكمل بونابرت بالقول: «سارعوا .. أن هذه هي اللحظة المناسبة التي قد لا تتكرر لآلاف السنين، للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم ، تلك الحقوق التي سلبت منكم لآلاف السنين وهي وجودكم السياسي كاملا بين الأمم ، وحقكم الطبيعي المطلق في عبادة يهوه، طبقا لعقيدتكم، علنا وإلى الأبد».

ماذا يعني الحديث المتقدم ؟

الشاهد أن قلة قليلة فقط هم الذين يعرفون أن نابليون بونابارت كان أول رجل دولة يقترح إقامة دولة يهودية في فلسطين قبل وعد بلفور بـ 118 سنة ، بل إن وايزمان وصف نابليون بانه «أول الصهيونيين الحديثين غير اليهود».

لماذا فعل نابليون ذلك ؟

السؤال يعود بنا ومن جديد إلى فكرة التلاعب بالأفكار ذات الرؤى الدينية من أجل تحقق مصالح اقتصادية سياسية وعسكرية تتسق وروح الإمبريالية الغربية التقليدية .

لقد اختار نابليون الوقت الذي كان فيه سورية ضمن حملته الكبرى على الشرق للاعتراف بحقوق اليهود. وفي ربيع عام 1799 اصدر بيانا طلب فيه من يهود إفريقيا وآسيا أن يقاتلوا تحت لوائه لإعادة إنشاء مملكة القدس القديمة. وقد اتضح أن البيان الذي ادعى انه صادر عن « قيادة نابليون في القدس » لم يكن أكثر من من زهو حربي لأن نابليون لم يقترب بفرقته قط من المدينة، بل تقهقرت من فلسطين إلى مصر بحرا بعد هزيمته في عكا في شهر مايو 1799 ، ولم يكن هناك أي أمل في أن يفي بوعده الذي قطعه في بيانه».

يفهم من هذا السياق أن نابليون لم يكن يتحدث عن إقامة الدولة اليهودية في فلسطين أو إرجاع الأرض المقدسة لليهود إيمانا واحتسابا من قبله لهم ، أو لأنه مؤمن شديد الورع والتقوى والتمسك بنصوص العهد القديم ، سيما وأن القاصي والداني يعلمان تمام العلم أن بونابارت لم يكن سوى ماسوني مغرق في كراهيته لكل الكتب السماوية، وإنما كان لغرضِ الغزل الفرنسي وقتها من قبل نابليون ليهود أوروبا أمران: الأول، وهو الذي راود مخيلة السياسيين الأوربيين طويلا جدا ويتصل بإفراغ أوروبا من اليهود والخلاص من إشكالياتهم وأكاذيبهم بحسب مارتن لوثر.

والثاني، هو استخدامهم كبيادق على رقعة شطرنج الشرق الأوسط لصالح معاركه العسكرية الدائرة هناك إبان حملاته العسكرية.

ومن الأهمية بمكان أن مقدمة بيان نابليون تخاطب اليهود بشكل مباشر على انهم « الورثة الشرعيون لفلسطين » وتعيد للأذهان نبوؤات اشعياء ويوئيل التوراتية عن عودة اليهود إلى صهيون، والأهم من ذلك أن الرسالة التي لم تكن تحمل توقيعا تحدثت عن حدود دولة إسرائيل المقترحة بعبارات تجارية أكثر منها توراتية ، فتقول :

« إن الدولة التي ننوي إقامتها ستشمل بالاتفاق مع فرنسا مصر السفلى بالإضافة إلى منطقة يحدها خط يمتد من عكا إلى البحر الميت ... وهذا الموقع الذي يعد أكثر المواقع فائدة في العالم سيجعلنا عن طريق السيطرة على ملاحة البحر الأحمر ، سادة تجار الهند والجزيرة العربية، وجنوب وشرق أفريقيا والحبشة وأثيوبيا».

قراءة التاريخ السياسي القديم لأوروبا تكاد تلقي بظلالها على عالمنا المعاصر ..كيف ذلك ؟ لقد راقت الفكرة الصهيونية لنابليون، حيث إنها كانت تنسجم مع مفهومه الرومنطيقي عن القومية، واهتمامه السياسي الشخصي باستغلال اليهود في خططه الاستعمارية، وجاء في مذكراته التي كتبها حين كان في سانت هيلانه:

«كان التكتل وهو تجميع الشعب الذي توحده الجغرافيا وتفرقه الثورات والعمل السياسي أحد مثلي العليا. ففي أوروبا 30 مليون فرنسي و 15 مليون إسباني، و15 مليون إيطالي، و30 مليون ألماني. لقد كان في نيتي أن أجمع كلا من هذه الشعوب في دولة قومية مستقلة».

على هذا فقد كان بيان نابليون بمثابة اعتراف دولي بوجود قومي يهودي، واعتقاد ببعث أمة يهودية في فلسطين، فملايين اليهود المشتتين في أوروبا يجب أن يجمعوا في نهاية المطاف في دولة يهودية في فلسطين تخدم المصالح الاستعمارية الفرنسية عن رضى .

لا يختلف الماضي كثيرا عن الحاضر ، فقد كان وراء قيام الدولة الإسرائيلية أهداف سياسية عريضة من قبل القوى الغربية، وفي المقدمة منها قيام دولة بالوكالة للغرب تكون أشبه ما تكون برأس حربه جنوب شرق الاتحاد السوفيتي، وقاعدة له في منطقة حيوية من العالم تشرف عبر البحر الأحمر والبحر المتوسط على حركة الملاحة الدولية حول العالم .

يعن لنا هنا أن نذكر يهود العالم بأمرين :

الأول هو انه في الوقت الذي كانوا يعانون فيه في أوروبا من الاضطهاد كانوا يعيشون أفضل أيامهم بين جنبات العرب والمسلمين في كافة أرجاء العالم العربي من الشمال إلى الجنوب .

الثاني « هو أن العرب ارتضوا خيار السلام منذ سبعينات القرن الماضي، مع الالتزام بإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش في أمن وأمان بجانب الدولة الإسرائيلية، غير أن إسرائيل تراوغ حتى الساعة، وتقطع الطريق على السلام الشامل والعادل .

وما بين الأمرين تستمر النكبة الفلسطينية ويزايد المزايدون على حق أصحاب الأرض الأصليين.