أفكار وآراء

ترامب .. وخلافات متزايدة مع الأوروبيين بشأن إيران!

11 مايو 2018
11 مايو 2018

بقلم: سمير عواد -

معروف عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تسرعه في اتخاذ القرارات السياسية وبصورة مباغتة خاصة عندما يتعلق الأمر بالاتفاقيات والقوانين التي وضعها سلفه باراك أوباما، وعزم ترامب بعد مجيئه للبيت الأبيض على أن يلغيها بأكملها ، بغض النظر عن الانتقادات الموجهة إليه. غير أن المراقبين وخاصة النخبة السياسية الأوروبية، يعتبرون قيامه بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاقية النووية المبرمة مع إيران في يوليو 2015، خطأ ارتكبه ، بل وجاء بمثابة صفعة على وجه حلفائه القادة الأوروبيين، ولاسيما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وتيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية، الذين حاولوا خلال الفترة الماضية إقناعه بالتراجع عن الانسحاب من الاتفاقية، وذكروا له عواقبها. لكن ترامب لم يعرهم أي اهتمام، وفي النهاية أخذ ادعاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالنسبة لإيران على محمل الجد، وتبنى موقف إسرائيل وأعلن انسحاب بلاده من الاتفاقية النووية بين إيران ومجموعة ( 5 1 ) ضاربا بعرض الحائط كافة التحذيرات من أن ذلك سوف يؤدي إلى سوء علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها الأوروبيين الغربيين، واحتمال أن تقوم إيران بإنعاش برنامج تخصيب اليورانيوم، وبالتالي إمكانية فتح المجال أمام التنافس على التسلح النووي في الشرق الأوسط، واحتمال حدوث مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل.

وبحسب كاي كوستنر، المحلل في القناة الأولى للتلفزيون الألماني، فقد أهمل ترامب الأوروبيين بصورة مذلة ، وغير مسبوقة، لم يعرفوها من قبل أي رئيس أمريكي. حتى ماكرون الذي احتفى به ترامب عندما زار واشنطن، ووصفه بالصديق الكبير، ظلت تحذيراته غير مسموعة في البيت الأبيض، رغم إعرابه عن الرأي بالتنازل لترامب وإعادة النظر بالاتفاقية بحيث يتم تشديد العقوبات للضغط على إيران التي قال ترامب أنه يشتبه بأنها تعمل سرا في تطوير برنامجها النووي وشبكة الصواريخ. لكن الحلفاء الأوروبيين نفوا صحة ذلك ورفضوا الظهور الاستعراضي الذي قام به رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل بضعة أيام على إعلان ترامب موقفه من الاتفاقية النووية ، وقالوا إنه تحدث عن معلومات قديمة ، يعود عهدها إلى ما قبل إبرام الاتفاقية، علما أن نتانياهو قام بهذا الاستعراض وتحدث باللغة الانجليزية التي يجيدها أكثر من اللغة العبرية، ليوصل رسالته مباشرة إلى مسامع ترامب الزعيم الغربي الوحيد الذي صدقه.

وتابع كوستنر القول إن ترامب جازف في هذا القرار بأمن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين والدول العربية المعتدلة التي لها علاقات وثيقة مع واشنطن. وأضاف الصحفي الألماني أن ترامب أغلق أذنيه للمرة الثانية للأوروبيين الذين حذروه أخيرا من خطوة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وما قد يؤدي إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة. غير أن كوستنر، كسواه من المطلعين في برلين، أكد أنه لا شيء أسوأ وأخطر من خطوة الانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران. فلا أحد يستطيع بعد اليوم - على حد قوله - تقديم ضمانات بأن إيران لن تحاول امتلاك أسلحة نووية.

ويشير المراقبون في برلين إلى أن من عواقب قرار ترامب، شعور إيران أنها لم تعد مقيدة بالاتفاقية النووية التي وقعت عليها عام 2015 مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وهي (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا) بالإضافة إلى ألمانيا، وبوسعها أيضا طرد المفتشين الدوليين، الذين سمحت لهم بعد إبرام الاتفاقية بمراقبة نشاطاتها النووية ، للتأكد من عدم قيامها بمخالفة الاتفاقية، وتقوم بتخصيب اليورانيوم. وحتى لو أن العالم لا يخشى وقوع حرب جديدة في المنطقة، فإن قرار ترامب مهد الطريق لبدء السباق على التسلح النووي في الشرق الأوسط. كما أن ترامب لم يعد قادرا على إقناع إيران بالتراجع عن نشر نفوذها في بعض الدول في العالم العربي، كما أن إسرائيل التي يقف ترامب بقوة لجانبها، لن تشعر بالأمان أكثر من فترة العمل بالاتفاقية النووية ، حتى أن كبار القادة العسكريين الإسرائيليين، حذروا من إلغاء الاتفاقية معتبرين أن إبرامها أفضل من إلغائها، وذلك على العكس من موقف نتانياهو الذي حضّر المواطنين الإسرائيليين خاصة في الجزء الشمالي من إسرائيل لمواجهة احتمال حدوث مواجهة عسكرية مع إيران التي قالت إسرائيل إنها تتوقع أن تستخدم إيران خلالها صواريخها المتعددة الأنواع والمدى مثل «فجر» و«شهاب».

وأوضحت مصادر صحفية أن محاولات إنقاذ الاتفاقية النووية مع إيران بدأها الأوروبيون قبل أشهر حين ازدادت تهديدات ترامب حدة بعد وصفه الاتفاقية بأنها «أسوأ صفقة في التاريخ»، على حد زعمه، ويسعون الآن بقيادة التحالف الثلاثي، باريس ولندن وبرلين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتفادي حدوث السيناريو الأسوأ وهو وقوع حرب جديدة في الشرق الأوسط تمتد نارها إلى أوروبا. وبالتنسيق مع روسيا والصين، ستحاول أوروبا إقناع إيران بعدم اتخاذ إجراءات انتقامية من خطوة ترامب، وضبط النفس، وفي الوقت ذاته يريد الأوروبيون بحسب مجلة «دير شبيجل» الألمانية، مواصلة علاقاتهم الاقتصادية مع إيران وبداية تجاهل رغبة ترامب بقطع صلاتهم مع إيران حسب ما غرّد سفير واشنطن الجديد لدى برلين بعد يوم واحد على استلامه منصبه، حيث دافع عن قرار ترامب ودعا الشركات الألمانية لمغادرة إيران. وبحسب الصحفية الألمانية «كريستيانه هوفمان» التي كتبت مقالا عنوانه «ساعة الأوروبيين» ذكرت فيه أن الأوروبيين أصبحوا بين نارين، من جهة يريدون إقناع ترامب بعدم تصعيد النزاع مع إيران، ومن جهة أخرى يريدون من إيران مواصلة الالتزام بالاتفاقية النووية، والتنسيق مع موسكو وبكين لإقناع إيران بالتجاوب مع رغبتهم.

في هذه الغضون لا أحد يستطيع التنبؤ عما سيحدث في الأسابيع والأشهر القادمة، وإلى أي مدى سيستمر ترامب ونتانياهو في استفزاز طهران، وخاصة القيادات المتشددة فيها، بعد أن أعاد ترامب العمل بالعقوبات التي كانت مفروضة على إيران، قبل توقيع الاتفاقية النووية في عام 2015 والتي كان الرئيس الأمريكي السابق أوباما قد رفعها بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ.