إشراقات

الإصلاح ومواجهة الفساد

10 مايو 2018
10 مايو 2018

إعداد: نادر أبو الفتوح -

أكد الشيخ محمد أبو حطب من علماء وزارة الأوقاف المصرية أن الإصلاح هو منهج ديني ووطني وأخلاقي، وتحقيق الإصلاح للمجتمع هو مسؤولية كل من يعيش داخله، وقد حثت الشريعة الإسلامية على الإصلاح، وكل الشرائع السماوية أكدت على أهمية الإصلاح، ودوره في تقدم وازدهار المجتمع؛ ولذلك فهو ضرورة دينية، كما أنه ضرورة أخلاقية؛ لأن النفس السوية تهدف دائما للصلاح والإصلاح، وبجانب كون الإصلاح ضرورة دينية، فهو أيضا ضرورة وطنية؛ لأن الأوطان تتقدم وتنهض بالإصلاح، ومن كل ذلك يتضح أن الإصلاح هو أحد متطلبات المواطنة، وهو واجب على كل أبناء الوطن، مسلمين وغير مسلمين، والتقصير في أداء هذا الحق يخالف تعاليم الشريعة الإسلامية، كما يخالف الفطرة السليمة؛ لأن الإنسان مطالب دائما بأن يصلح في الأرض، ويحقق الرسالة التي خلق من أجلها.

ويشير إلى أن أغلب التحديات التي تواجه المجتمعات، في الوقت الحالي تأتي لغياب أو تراجع قيمة الإصلاح كأحد حقوق الوطن، وأحد أهم الواجبات التي يجب أن يؤديها، كل أبناء المجتمع، لأننا في الوقت الحالي نرى صورا سلبية تظهر وتنتشر في المجتمع مثل: انتشار الرشوة والغش والاحتكار وغيرها، وكل هذه الأمور هي نتيجة طبيعية لغياب قيمة الإصلاح، وعدم وجود منظومة ترسخ هذه القيم الوطنية والدينية؛ لأن التاريخ يشهد بأن كثيرا من الأمم والحضارات انهارت لغياب هذه القيمة، وعدم استجابة الناس لدعوات الإصلاح.

موضحا أن الشريعة الإسلامية حملت توجيهات ومبادئ تهدف إلى تحقيق الإصلاح في المجتمع، وذلك حتى يتمكن الإنسان من العمل والعبادة في هدوء وسكينة، وحذر الإسلام من كل صور الفساد والإفساد في الأرض، فقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [الآيات 204- 205 سورة البقرة]،وهذه الآيات الكريمة تؤكد أن الإصلاح مطلب شرعي، وقد أمر الله عز وجل بذلك، وكل الأنبياء أمروا قومهم بالإصلاح، لأن الأمم والمجتمعات تقوم على الإصلاح، وتنهار بالفساد والإهمال.

مؤكدا أن مواجهة الفساد والإفساد، من أهم أسس المواطنة في الإسلام، وهذه القيمة التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، يجب أن يتحلى بها كل أفراد المجتمع؛ لأن التاريخ يشهد على أن كثيرا من الأمم والمجتمعات سقطت وانهارت بالفساد والإهمال، والحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [الآيات 116- 117 سورة هود]،ولذلك كانت دعوة الإسلام واضحة، في مواجهة كل صور الخروج على هذه القيم، لتحذير الناس من مخاطر انتشار الفساد، والحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الآية 41 سورة الروم]،كما أن دعوة الإسلام لمواجهة الفساد هي دعوة لإصلاح شامل في المجتمع، وهذه الدعوة تحقق السعادة والرفاهية، لكل أبناء الوطن مسلمين وغير مسلمين؛ لأن المجتمع يحتاج جهود الجميع، والكل يجب أن يتصدى لأي صورة من صور الفساد أو إهمال .

وشدد على أن الشريعة الإسلامية حذرت من الفساد؛ لأنه يؤثر على القيم الإنسانية، ويدمر العلاقات بين أبناء المجتمع الواحد، وعندما ينتشر الفساد تسود السلبية والإهمال، وتضعف العلاقات بين أبناء الوطن الواحد، فيحقد الغنى على الفقير، وتنهار العلاقات بين الجميع، وكل ذلك يؤثر على مستقبل الوطن؛ ولذلك جاءت دعوة الإسلام للتصدي للمفسدين وتحقيق الإصلاح، وجعلت ذلك من أهم حقوق الوطن التي يجب أن يؤديها كل أفراد المجتمع، فكل إنسان في موقعه يمكن أن يعمل على تحقيق الإصلاح ومواجهة الفساد وكل الصور السلبية، فكل من يساند الفاسدين ويتستر عليهم فهو شريك لهم في الإثم، وقد نهى الله عز وجل عن ذلك السلوك في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الآية 2 سورة المائدة).

وطالب بضرورة ترسيخ قيمة الإصلاح ومواجهة الفساد والإفساد، من خلال الأسرة والمدرسة والجامعة ودور العبادة؛ لأن المجتمع في حاجة لجهود كل هذه المؤسسات لتربية الأجيال الجديدة على هذه القيم الوطنية والأخلاقية والإنسانية، وكذلك يجب أن تقوم وسائل الإعلام بدورها في ترسيخ هذه القيمة النبيلة من ناحية، وكشف الفساد والمفسدين من ناحية أخرى، وأيضا هناك دور مهم يقع على عاتق الدعاة وخطباء المساجد؛ لأن التصدي للفساد والمفسدين هي مسؤولية كل أفراد المجتمع، ويجب أن يقوم كل إنسان بدوره في مواجهة كل صور الانحراف والإهمال في المجتمع، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف: (مَن رَأى مِنكُم مُنكَرَا فَليُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِقَلبِه، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ)، وهذا الحديث الشريف يحمل دعوة صريحة لمواجهة السلبية والرشوة والفساد، وكل السلبيات التي تعرقل تقدم المجتمع.