إشراقات

التعاون

10 مايو 2018
10 مايو 2018

القاهرة: أماني أحمد -

قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) سورة المائدة الآية2. يحث المولى عز وجل المسلمين على التعاون، وهو مساعدة الناس بعضهم بعضا في الخير. والتعاون أنواع، فمنه التعاون في أمور الآخرة، وهناك التعاون في مصالح الدنيا وقضاء مصالح العباد.

ويقول الأستاذ عيد صلاح في كتاب «الأخلاق»: للتعاون فضل عظيم، فهو من ضروريات الحياة، فالفرد وحده لا يستطيع قضاء أمر إلا بمساعدة الآخرين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له». كما أن التعاون بين أفراد المجتمع يساعد على زيادة الإنتاج وإتقانه وقلة الجهد وتوفير الوقت، قال صلى الله عليه وسلم: «يد الله مع الجماعة» الترمذي.

والله عز وجل يكون دائما مع المسلم الذي يعاون الناس في قضاء حوائجهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». وفى المقابل نهى الله تعالى عن التعاون على الإثم، فقال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) سورة المائدة الآية2.

يجب أن يتعاون الناس بإخلاص وعمل وليس بالكلام فقط. وفي التعاون قوة وفي الفرقة ضعف وخسارة؛ ولذا جمع رجل كبير أولاده الثلاثة ليوصيهم، فأعطاهم حزمة من الحطب، وطلب من كل منهم أن يكسرها، فحاولوا كسرها لكنهم لم يستطيعوا لكثرتها وصلابتها، فأخذ الأب الحزمة وأعطى كل واحد منهم عودا، فكسر كل واحد منهم العود بسهولة، فقال الأب: إنكم يا أبنائي مثل هذه الحزمة، إذا اتحدتم وكنتم يد واحدة فلن يستطيع أحد أن يغلبكم، وإن تفرقتم فسوف يتمكن منكم عدوكم، فعليكم بالتعاون، فإن في التعاون قوة.

على المسلم أن يتعاون مع كل الناس فيما فيه الخير والصلاح، فقد رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رجلا من اليهود كبير السن يطلب من الناس المال، فسأله عمر: لم تفعل ذلك؟ فقال الرجل: لكي أدفع الجزية لبيت المال. فرق له عمر، وأخذه، وأعطاه المال، وطلب ألا تؤخذ الجزية منه ومن أمثاله من كبار السن والمحتاجين، وقال: لقد كنا نأخذ منه المال وهو شاب، فلا نأخذ منه عند الكبر، والصدقة تكون للفقراء والمساكين، وهذا من مساكين أهل الكتاب.

أمر الله تعالى الناس بالتعاون على البر والتقوى، فقال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) سورة المائدة؛ ولذا لما بعث الله تعالى موسى -عليه السلام- نبيا أمره أن يدعو فرعون إلى التوحيد. ولكن موسى عليه السلام طلب من الله تعالى أن يجعل أخاه هارون نبيا ويرسله معه إلى فرعون ليعاونه في تبليغ الرسالة، وليكون عونا له على طاعة الله. فاستجاب الله لطلب موسى عليه السلام وجعل هارون عليه السلام نبيا، فتعاون موسى وهارون -عليهما السلام- في الدعوة إلى الله وطاعته.

ومن الجدير بالذكر أن التعاون يجعل العمل الكبير هينا سهلا على المتعاونين، فقد علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقدوم جيش المشركين لغزو المدينة. فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق حول المدينة لحمايتها من جيش المشركين فوافق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمر صحابته بحفر الخندق، وتعاون كل المسلمين في حفر الخندق، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- معهم يساعدهم في حفر الخندق. وبفضل التعاون انتهى المسلمون من حفر الخندق في أيام قليلة، ونصرهم الله تعالى على عدوهم.

التعاون من أخلاق الأنبياء عليهم السلام؛ ولذا لما أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام ببناء الكعبة، استجاب إبراهيم -عليه السلام- واخبر ابنه إسماعيل -عليه السلام- بما أمر الله تعالى. وتعاون إسماعيل مع أبيه إبراهيم -عليهما السلام- في بناء البيت الحرام، فكان إسماعيل -عليه السلام- يجمع الحجارة ويعطيها لأبيه، وكان إبراهيم -عليه السلام- يقوم ببناء الحجارة التي يحضرها إسماعيل حتى انتهى بناء الكعبة.

في التعاون بركة. قال صلى الله عليه وسلم: «يد الله مع الجماعة». يحكى أن أبا هريرة -رضي الله عنه- كان يقسم الليل إلى ثلاثة أقسام، فكان يصلي لله حتى ثلث الليل الأول، ثم ينام بعد أن يوقظ زوجته لتصلي لله في ثلث الليل الثاني، ثم تنام الزوجة بعد أن توقظ الخادم ليصلي لله في ثلث الليل الأخير، وهكذا كل يوم يتعاونون على طاعة الله تعالى.

نهى الله تعالى عن التعاون على الشر، فقال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) سورة المائدة الآية 2. ولذلك لما أرسل أمير اليمن يعلى بن أمية إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، يستشيره في أمر جماعة من الناس تعاونوا على قتل غلام أرسل إليه عمر: إنه يجب أن يقتلوا جميعا. ثم أقسم بالله أنه لو أن أهل صنعاء اشتركوا في قتله لقتلهم أجمعين، فالتعاون لا يكون على الإثم والعدوان.

من التعاون أن تكون في حاجة أخيك، فالله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه؛ ولذا يحكى أن ربيعة الأسلمي لما أراد أن يتزوج -وكان رجلا فقيرا لا يملك مهرا- ذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخبره، فأمر صلى الله عليه وسلم صحابته بالتعاون معه في أمر الزواج. فجمعوا له مقدارا من المال، فقدمه ربيعة صداقا إلى المرأة التي سيتزوجها . ثم أخبر ربيعة النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يستطيع أن يصنع وليمة عرسه. فأعطاه أحد الصحابة شاة ليذبحها وليمة. وتم زواج ربيعة بتعاون المسلمين.

على المؤمنين جميعا أن يتكافلوا فيما بينهم حتى لا يضيع الفقير، فقد كان سلمان الفارسي عبدا مملوكا لرجل يهودي، فطلب منه سيده أن يزرع له ثلاثمائة نخلة ويدفع له أربعين أوقية ذهبا، لكى يحرره من العبودية. فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة أن يجمعوا لسلمان ثلاثمائة نخلة صغيرة، ثم أمر صلى الله عليه وسلم الصحابة وسلمان أن يحفروا لغرس النخل الصغير، وذهب النبي صلى الله عليه وسلم يزرع النخل مع سلمان، ثم أعطى النبي صلى الله عليه وسلم لسلمان قطعة من الذهب تعدل أربعين أوقية، فقدمها سلمان لسيده فأعتقه.

وينبغي على الزوجة أن تعين زوجها، فقد تزوج الزبير بن العوام رضى الله عنه من السيدة أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها، وكان الزبير يومها فقيرا لا يملك غير فرس، وكانت السيدة أسماء تقوم بمساعدة زوجها في رعاية فرسه بجانب خدمتها للبيت من إعداد الطعام وغيره، وظلت السيدة أسماء تتعاون مع زوجها حتى رزقهما الله تعالى مالا كثيرا، وأصبح الزبير من أغنياء الصحابة.