1332587
1332587
المنوعات

ندوة النقَّاش عبدالله بن قاسم الهميمي تناقش السمات العامة لمدرسته المعمارية

09 مايو 2018
09 مايو 2018

سماء عيسى: مدرسة التجريب الفني لازمت الهميمي إبداعه وتجاربه -

استعرضت دور المستشرقين في توثيق المساجد -

نزوى - سيف بن زاهر العبري -

نظم النادي الثقافي مساء أمس الأول على مسرح مركز نزوى الثقافي ندوة فكرية عن النقَّاش العماني عبدالله بن قاسم الهميمي، وذلك ضمن سلسلة الندوات التي يقدمها النادي الثقافي سنويا تحت عنوان «من أعلامنا»، لتسليط الضوء على الشخصيات العمانية المبدعة في مختلف المجالات بهدف الاحتفاء بها وإبراز أهم إنجازاتها. وقد شارك في الندوة كل من الكاتب سماء عيسى، والباحث زكريا بن عامر الهميمي، والكاتب محمد بن سليمان الحضرمي، وأدارها الباحث هاشم بن حمد الشامسي. وقد بدأت الندوة بتقديم ورقة العمل الأولى للكاتب سماء عيسى تناول فيها دور المستشرقين الأوروبيين في توثيق المساجد الأثرية والمحاريب المزخرفة منذ أعوام السبعينات الماضية، ونشر بحوثهم في كتب مستقلة، إذ عرض الكاتب في ورقته دراسة تجاربه في نقش محاريب خمسة مساجد باقية حتى اليوم، وهي مساجد العالي والشراة والعين بولاية منح، ومسجد الشرجة بولاية نزوى، ومسجد الجامع القديم بولاية بهلا، مقارنا بين تطور إنجازه والتجربة الرائدة التي سبقته بثلاثين عاما في نقش وترميم محراب جامع سعال بنزوى، كما استعرض في ورقته تجارب النقاشين العمانيين عامة، اعتماد الهميمي على مدرسة التجريب الفني، وهي سمة لازمت إبداعه وتجاربه، مضيفا عليها التنوع والابتكار والتميز، وعرضا لآراء كل من إيروس بلديرا، وبارولوكوستا، ودراسة الدكتور عبدالرحمن السالمي، وهاينز جوي، ولوزنز كورن.

صانع المحاريب العمانية

بعد ذلك قدم الباحث زكريا بن عامر الهميمي ورقة عنوانها «صانع المحاريب العمانية النقَّاش عبدالله بن قاسم بن محمد الهميمي (ق 10هـ /‏‏ 16 م) السيرة الذاتية»، تناول فيها مولد النقَّاش ونشأته، والسيرة الذاتية لشخصيته، كما ستتطرق إلى السمات العامة لمدرسته الفنية المعمارية العمانية. وقال الباحث في ورقته: عمان وطن معطاء ما فتئ ينتج أعلاما ساهموا في نهضته الفكرية والثقافية والحضارية على مدى التاريخ، ومن أبرزهم صاحب مدرسة النقش المتميزة في القرنين التاسع والعاشر الهجري، إنه الفنان العماني والإسلامي النقاش عبدالله بن قاسم بن محمد الهميمي، فهو صانع المحاريب العمانية الجميلة، فن العمارة الدينية العمانية، لا يعرف شيئا عن تاريخ مولده، لكنه نشأ في منح، وينسب إليه بالمنحي كما يظهر ذلك جليا في كتاباته المنقوشة على بعض المحاريب التي قام بصنعها في عمان، فقد كتب على محراب مسجد الشرجة وفي مسجد العين بنزوى ومسجد الشراة ومسجد العالي بمنح. وهو من شخصيات القرن التاسع والعاشر الهجريين، وربما يعود سبب ظهور فن نقش المحاريب إلى النصف الأول من القرن العاشر الهجري زمن حكم الإمام محمد بن إسماعيل وابنه بركات، وهي فترة شهدت فيها عمان استقرارا وحكما قويا له أثر في ظهور نشاط معماري ذي شأن. وامتدت فترة نتاج صناعة المحاريب لدى النقاش الهميمي وعددها 5 محاريب لمدة 15 عاما تقريبا، ابتدأها بتصميم محراب مسجد العالي ومسجد العين ومسجد الشراة بمنح، وكذلك جامع بهلا ومسجد الشرجة بنزوى، مما يدل على أن الفنان الهميمي عاصر الجزء الأول من الفترة الثالثة من الإمامة الخامسة فترة حكم الإمام محمد بن إسماعيل الإسماعيلي (906- 942 هجري). وتبرز سيرته الذاتية من خلال نتاجه الفني المعماري التي اتسمت بالجودة والإبداع والابتكار والتفاعل الحضاري مع جمال الطبيعة وإعمال العقل الجمالي وتوظيف خامات البيئة المحلية وإبراز قدسية المكان الدينية وأهمية الشخصية في المحراب وتوظيف الخط العربي والاهتمام بفكر التجريب الفني والتوثيق التاريخي والتواضع النفسي.

المساجد الأثرية العمانية

جاءت ورقة العمل الثالثة بعنوان «المساجد الأثرية العمانية.. نقاطٌ مُضيئةٌ من التراثِ الثقافي الإسلامي»، قدمها الزميل الكاتب محمد بن سليمان الحضرمي، بدأها بالحديث عن المَساجد الأثرية بما تحمِلهُ مِن رُوحانياتٍ إسلاميةٍ كونُها بيوتَ الله، وبما شهدته صُحونها ومحاريبُها من صَلوات وقراءات قرآنيةٍ ترتيلا وتجويدا، وبعضُها تعليما لعلوم العربية والشريعة وغير ذلك، تمثلُ نقاطَ نورٍ مضيئةً من التراثِ الإسلامي والثقافي والتعليمي في عمان، ولأن أهلَ عُمان دخلوا في الإسلام منذ فجر الدعوة، فإن بناءَ المساجدِ كان إحدى الثمار المباركة لدخولهم الإسلام؛ ولذلك تسردُ لنا كتبُ التاريخ العُماني عن بناء أوَّلِ مسجدٍ في عمان، ألا وهو (مسجدُ المِضمار) في سَمائل، بعد إسلام مازن بن غضوبة في السنة السادسة للهجرة، ثم تلاه بناء مسجدِ الشواذنة، الواقعِ في حارة العقر بولاية نزوى، هذا المسجد يقال: إنه أسِّسَ في السنة التاسعة للهجرة، ثم تلاه بناء جامِع بهلا في عام 150 هجرية؛ أي بعد ما يقرب من قرن ونصف القرن. مشيرا إلى أن أقدم زخرفة مِحْرابية في مِحرابِ جامع سعال بنزوى، إذ يعود إلى القرن السابع الهجري/‏‏ الثالث عشر الميلادي، والزخرفة التي على محرابهِ تم تنقيشها عام: (650هـ .. الموافق/‏‏ 1252م)، وهو المِحراب الوحيد المُتبقي من تلك الفترة، ولا توجدُ آثارٌ مكتوبةٌ عن جوامِعَ أخرى تهدَّمت أو هدمت، كجامع سَمَد في نزوى على سبيل المثال، الذي هدم في عهد الإمام محمد بن عبدالله الخليلي، ولا توجد آثارٌ مَكتوبة عن مِحرابه، حتى نقارِنَها بمحراب جامع سعال.

ظهور حركة النقش على المحاريب

وتناول الزميل محمد الحضرمي مرحلة متقدمة تمتد لثلاثة قرونٍ، حتى نصلَ إلى مَطلعِ القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي، خلال هذا القرن شهدتْ حركة النقش على مَحاريبِ الجَوامعِ والمَساجد نموا وازديادا، وعُرفت مجموعةٌ من النقاشين العُمانيين، تمرَّسوا في هذه الصَّنعَة الفنية، وظهر منهم النقاش عبدالله بن قاسِم بن محمد الهميمي، الذي عاشَ بين القرنين التاسع والعاشر الهجريين، وكذلك النقاش مشملُ بن عُمَرَ بن محمدٍ المَنحِي، وجاء من بعده ابنه طالبُ بن مشمل، وحفيده عليُّ بن طالبِ بن مَشمل، وكذلك النقاشُ عيسى بن عبدالله بنِ يوسف، وغيرهم، ما تزال آثارُهم النقشيةُ باقيةً إلى اليوم. واللافتُ للنظر أنَّ أكثرَ المحاريبِ العُمانيةِ تم تنقيشها خلال القرن العاشِر الهجري، وهناك قائمةٌ بهذه المَحاريبِ تتضمنُ 14 مِحرابا، رتبها الباحث علي بن سعيد العدوي، بعنوان: (المَحاريب الجَصِّية في سلطنة عمان – القرن العاشر الهجري). تتركزُ في ولايات: منح ونزوى وبهلا وأدم ونخل وسمائل، ووادي بني خالد)، إلى جانب محراب مسجد القصْر بقرية منال التابعة لولاية سمائل، ليرتفعَ عددُ المحاريبِ المُنقشةِ خلال القرنِ العاشر الهجري إلى 15 مِحْرابا.

المحاريب المزخرفة

وأشار الكاتب محمد الحضرمي إلى أن عدد المحاريب التي تمت زخرفتها يفوق الأربعة عشر، حيث أضاف إلى القائمةِ محراب مسجد القصر بقرية منال، إذ أنَّ المَصادرَ تشيرُ إلى أنَّ المِحرابَ صُنع في عام 974هـ/‏‏ 1567م، وهو نفس العام الذي فرغ فيه النقاش طالب بن مشمل بن عمر بن محمد المنحي، من تنقيش محراب مسجد المزارعة بسمائل، وقبل هذه الفترة بأربعة أعوامٍ قام النقاش طالب بتنقيش محراب مسجد الصَّاروج داخل سمائل أيضا، وهذه المحاريبُ الثلاثة متشابهة حَدَّ التطابق، هل يكون محراب مسجد (القصر) بقرية منال من صنع النقاش طالب بن مشمل؟. سؤال بحاجةٍ إلى بحث ودراسة من خلال المقارنة بين المحاريب التي أنجزها هذا النقاش. أما المحاريبُ الأربعةُ عشر التي تمت زخرفتها في القرن العاشِر الهجري فتوجد في ولاية منح أربعة محاريبَ قائمةٌ إلى اليوم: مسجد (العالي) 909هـ/‏‏ و(العين) 911هـ/‏‏ و(الشراه) 922هـ، وهذه المحاريبُ الثلاثة من إبداع النقاش عبدالله بن قاسم الهميمي.

وفي ختام الندوة قدم الزميل محمد الحضرمي عرضا مرئيا لعشرات الصور الضوئية التي التقطها بآلة التصوير لمختلف المساجد الأثرية والمحاريب المزخرفة نقلت الحضور إلى ذلك العالم الجميل الذي رسمه النقاش الفنان عبدالله بن قاسم الهميمي في القرن العاشر الهجري.