الملف السياسي

الشفافية ..تريح الجميع وتعزز الثقة !!

07 مايو 2018
07 مايو 2018

د. عبد الحميد الموافي -

من المهم والضروري دراسة كل جوانب تجربة الأشهر الماضية وتقييمها بشكل علمي بالتعاون بين وزارة القوى العاملة والجهات المعنية الأخرى ، من أجل الوصول الى خارطة طريق واضحة الملامح لمسألة الباحثين عن عمل وسبل التعامل معها بشكل مخطط ومنظم ومستمر أيضا ، وهو ما يتطلب تعاون كل الأطراف وتوفر أكبر درجة ممكنة من الشفافية والجهد الثقافي أيضا لتعميق ثقافة العمل في القطاع الخاص

عندما سألت صديقي بالمصادفة حول ما تم من تعيين أكثر من 26 ألفا من المواطنين الباحثين عن عمل في القطاع الخاص حتى 30 أبريل الماضي، أي قبل نهاية الموعد المحدد لذلك وهو نهاية مايو الجاري، لم تكن ابتسامته مريحة، وبقدر من الأسف قال إن ابني الاثنين في البيت لم يتم تعيينهما ! فقلت هل تنطبق عليهما الشروط التي اعلنتها وزارة القوى العاملة لإجراء المقابلات ؟ وهل تم استدعاؤهما للمقابلات ؟ فقطع صديق آخر الإجابة بقوله يا شباب هل تم تعيين أحد من إخوانكم ، أو اقربائكم في الفترة الأخيرة ؟ وسارع هو بالإجابة بأنه لم يتم تعيين أحد ؟ فسألت ألم تكن هناك قوائم تنشرها وزارة القوى العاملة بأسماء الذين يتم دعوتهم للاختبارات والمقابلات ، وفي كل محافظات السلطنة ؟ أجاب نعم ، ولكن هل تم الاعلان عن من تم تعيينهم بالفعل ؟ قلت نعم هناك الأرقام التي أعلنتها وزارة القوى العاملة ، أسبوعيا تقريبا منذ بدء عمليات الاختبارات في الثالث من ديسمبر الماضي ، وهذه الأرقام تفصيلية بأعداد الذين تم استدعاؤهم للمقابلات ، ومن حضر وشارك ، ومن تم تعيينه ، وبالتفصيل بشأن المؤهلات والتخصصات والقطاعات وغيرها ، وهي أرقام رسمية . ومن سياق الحوار اتضح ان هناك جانبا ، أو أكثر يحتاج بالضرورة الى مزيد من الإيضاح والتركيز والشفافية ، ليس بغرض الإعلان أو الدعاية لهذا الطرف أو ذاك ، ولكن بغرض التعريف والتنوير لأبناء المجتمع بشأن ما يحدث ، وضوابطه وشروطه ومتطلباته ، وان الأمر لم ينته بعد ، وأن من لم يتم تعيينه في هذه المرحلة من الباحثين عن عمل سيأخذ فرصته ، وفق القواعد والضوابط المعلنة أيضا ، في الأسابيع والأشهر القادمة ، وذلك حتى لا يحكم كل شخص ، أو كل أسرة من زاوية ان الابن او الابنة تم تعيينها أم لا ، بغض النظر عن أي شيء آخر . صحيح انه من المؤكد ان كل اسرة تريد ، بل تنتظر تعيين ابنها أو ابنتها بمجرد ان ينتهي او تنتهي من مرحلة التعليم ، ليس فقط ليشق كل منهم طريقه في الحياة ويبني نفسه ، ولكن ايضا ليخفف عبء الاسرة ، وليتيح لها العناية بباقي الاخوة وبشكل مناسب ، ولكن الصحيح والمهم أيضا انه من المهم أن يتفهم الجميع الوضع ، وأن يأخذ الأبناء بالاسباب أيضا ، وأن يحرصوا على الالتزام بالقواعد والضوابط المحددة للتنافس والفوز بفرص العمل المتاحة ، لسبب بسيط هو أن أعداد المتنافسين تفوق اعداد الفرص المتاحة ، مما يستوجب وضع معايير للتنافس والمفاضلة وهو أمر طبيعي ولا غنى عنه .

على أية حال فإن هذه المناقشة السريعة وجهت الانتباه الى أن جهودا كبيرة وملموسة ، يمكن أن يختزلها البعض في نقطة صغيرة تتصل به هو ، أو بمصلحته المباشرة ، ومع أن ذلك يمكن ان يكون مفهوما على الصعيد الإنساني الضيق ، الا أن الأمر يحتاج الى التوقف أمامه قليلا ، ولعله من الأهمية بمكان الاشارة باختصار شديد الى عدد من الجوانب ، لعل من أهمها ما يلي :

*أولا: أن حجم ، أو اعداد الباحثين عن عمل في السلطنة ، خضع على مدى الفترة الماضية للكثير من الاجتهادات والشد والجذب ، ومن منطلقات ودوافع مختلفة ، وعلى نحو مال فيه البعض الى المبالغة والتهويل في الأرقام ، ومال البعض الآخر الى التقليل منها . ومع أن الأرقام تدور حول ما يتراوح بين 30 و40 ألفا من الباحثين عن عمل سنويا ، إلا ان البعض ينظر الى المشكلة من زاوية عدد المتنافسين على وظيفة أو وظائف حكومية يتم الاعلان عنها ، ويعتقد أن المتنافسين بأعداد كبيرة كلهم باحثين عن عمل ، في حين أن القانون يتيح للعاملين في القطاع الخاص التنافس على ما قد يعلن من وظائف حكومية ، وهذا أمر من شأنه إظهار حجم مبالغ فيه لباحثين عن عمل ، بهذا المعيار على الاقل .

وعلى أية حال، فإنه بات من المهم والضروري العمل بكل السبل العلمية من اجل تحديد حجم وملامح وطبيعة وتركيب مشكلة الباحثين عن عمل في السلطنة ، وهو أمر لا تستطيع وزارة القوى العاملة وحدها القيام به ، بالرغم من أنها أنشأت سجل القوى العاملة ، ولكنها تحتاج الى تعاون المركز الوطني للاحصاء والمعلومات وشرطة عمان السلطانية ، ووزارتي التربية والتعليم و التعليم العالي ، وغيرهما من الجهات ، من اجل الإحاطة الصحيحة بهذه المشكلة ، دون مبالغة او تهوين ، وذلك في ظل حقيقة مهمة اخرى هي ان اعداد القوى العاملة الوافدة في السلطنة زادت بشكل غير مسبوق ، وهو أمر يلقي بالشك على مسألة نقص فرص العمل ، بل ان ازدياد اعداد القوى العاملة الوافدة يعني في جانب منه حيوية الاقتصاد العماني ، وقدرته على النمو والاتساع ، برغم الظروف الاقتصادية الاقليمية والعالمية المصاحبة لانخفاض أسعار النفط منذ منتصف عام 2014 ، وهو ما حاولت حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - الحد منه من خلال الحفاظ على معدلات عالية للإنفاق الحكومي والاستمرار في المشروعات الكبيرة في القطاعات المختلفة . وحتى نوفمبر 2017 بلغ إجمالي عدد القوى العاملة في القطاع الخاص مليونا وتسعمائة وستة وثلاثين ألفا واربعة وستين عاملا منهم مائتان واثنان وثلاثون ألفا وتسعمائة وسبعة وعشرون مواطنا ومواطنة ، ومليونا وسبعمائة وثلاثة آلاف ومائة وسبعة وثلاثون وافدا وبنسبة تعمين إجمالية 12 % .

ولعله من المهم الاشارة الى انه من بين 201440 منشأة ، فإن المنشآت من الدرجة الاولى فأعلى ، أي الأولى والاستشارية والممتازة والعالمية ، تشكل 15 % فقط من الإجمالي ( 29416 منشأة فقط ) وتصل نسبة التعمين فيها اكثر من 21 % ، اما المنشآت من الدرجات الثانية والثالثة والرابعة والتي يصل عددها الى 172024 منشأة بنسبة 85 % من اجمالي عدد المنشآت في القطاع الخاص ، فإن نسبة التعمين الإجمالية فيها هي فقط 1.1 % وهذا مؤشر صارخ في الواقع ، ويلقي بالكرة في ملعب القطاع الخاص ، على وجه الخصوص ، وفي المنشآت الأدنى منه ، الى جانب المنشآت من الدرجة الأولى فأعلى .

*ثانيا : إنه في ظل ما أكدت عليه حكومة حضرة صاحب الجلالة ، من أن القطاع الحكومي قد تشبع في الواقع ، وانه يتم التعويل على القطاع الخاص ليكون القطاع الاساسي لاستيعاب الباحثين عن عمل ، فإنه تم اتخاذ العديد من الخطوات والاجراءات للحد من فجوة الامتيازات بين القطاعين الحكومي والخاص ، بما في ذلك تحديد الحد الادنى للأجور للقوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص ، وتوحيد الإجازات الاسبوعية والرسمية ، وتحديد العلاوات السنوية بما لا يقل عن 3 % من الراتب الاساسي ، وتحسين مزايا التأمينات الاجتماعية ، وتحديث قانون العمل ، والعناية بالتدريب ، ووقف تأشيرات العمل للقوى العاملة الوافدة في عدد كبير من الانشطة ، وتطوير منظومة التشغيل الالكتروني .

وبالرغم من ان تلك الإجراءات وغيرها قد زادت من جاذبية القطاع الخاص ، فإن الاعلان عن هدف تشغيل 25 ألفا من الباحثين عن عمل في القطاع الخاص كمرحلة اولى ، خلال ستة اشهر تبدأ من 3 ديسمبر الماضي حتى نهاية مايو الجاري كانت بالفعل خطوة كبيرة ، بل ان النجاح فيها كان اقرب للتحدي بالنسبة لكل الاطراف ، القطاع الخاص ، والحكومة والباحثين عن عمل . فهذه هي المرة الاولى التي تقوم فيها وزارة القوى العاملة بإدارة عملية التشغيل في القطاع الخاص وبشكل مركزي ، وقد اقتضى ذلك في الواقع تنسيقا وتعاونا كبيرا ومستمرا ايضا بين وزارة القوى العاملة ، وبين مؤسسات وشركات القطاع الخاص بدرجاتها المختلفة ، وهو تعاون ضروري في الواقع لنجاح هذه العملية في هذه المرحلة والمراحل القادمة بالطبع .

واذا كان القطاع الخاص العماني قد اسهم على مدى السنوات الماضية بنصيب غير قليل في استيعاب المزيد من الباحثين عن عمل ، وهو ما اشاد به جلالة السلطان المعظم من قبل ، فانه من المؤكد انه- أي القطاع الخاص العماني - يستحق هذه المرة ايضا الإشادة به ، وبتعاونه واستعداده وبشعوره بالمسؤولية الوطنية ، خاصة وانه أبدى استعدادا وتعاونا مع وزارة القوى العاملة سواء من خلال اللجان القطاعية للتعمين ، أو من خلال المشاركة الفعالة في تكوين بنك فرص العمل الشاغرة في القطاع الخاص ، والتعاون الايجابي في عمليات الاختبارات ، والالتزام والجدية في تعيين الباحثين عن عمل الذين يقع عليهم الاختيار ، وفي توفير درجة عالية من الشفافية في الافصاح عن الوظائف الشاغرة وتحديثها ايضا .

وعلى الجانب الآخر فإن وزارة القوى العاملة قامت بجهد كبير في الواقع في العمل على تنفيذ هذه المهمة الوطنية ، وفق ضوابط واضحة ومحددة ومعلنة ، وعلى أكبر قدر ممكن من الشفافية ، خاصة وانه ليست هناك مفاضلة بين باحث عن عمل وآخر ، إلا بالقدرات والشروط واجتياز الاختبارات المحددة . وقد احسنت وزارة القوى العاملة بالإعلان عن اسماء المطلوبين لإجراء الاختبارات ، والنجاح في عقد الاختبارات في المحافظات المختلفة ، وليس في مقر وزارة القوى العاملة في مسقط فقط ، وهو ما يسهم في توفير جهد ووقت الباحثين عن عمل . ومع إدراك وتفهم ان التجربة الأولى في هذا المجال يمكن ان يقع فيها بعض الأخطاء ، الا ان ما يقلل من ذلك انه كانت هناك جدية وحرص ومتابعة دائمة لهذه العملية من جانب معالي الشيخ وزير القوى العاملة وطاقم من المعاونين من كبار العاملين في الوزارة ، واتصال مباشر أيضا مع الباحثين عن عمل ومناقشتهم ، والعمل على حل أية مشكلات قد تصادفهم ، وبذلك تم في الواقع التغلب على الكثير من المشكلات ، خلال الأشهر الماضية .

*ثالثا : ان النجاح في تعيين 26103 من الباحثين عن عمل حتى 30 أبريل الماضي ، وهو ما يزيد بنحو 4 % عن الهدف المحدد وهو تعيين 25 ألفا حتى نهاية مايو الجاري ، هو في الواقع انجاز على جانب كبير من الاهمية والدلالة ، ليس فقط لأنه اتاح المجال لاستيعاب أكثر من 26 ألفا من الباحثين عن عمل وإدخالهم الى دولاب العمل ليتشرفوا بالإسهام في جهود التنمية الوطنية في مختلف المجالات ، بكل ما يعنيه ذلك اجتماعيا واقتصاديا لهؤلاء وأسرهم ، ولكن ايضا لأن هذه العملية قد نجحت في إرساء هيكل ،أو نموذج وآلية متكاملة ، لإدارة عملية توفير فرص العمل في القطاع الخاص ، واستيعاب الباحثين عن عمل فيها ، وفق خطوات محددة ومعلنة وغير شخصانية ايضا ، وهو ما عزز التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص ، ويوفر قدرا من التفهم المتبادل لاحتياجات كل طرف ، لأن الهدف في النهاية هو خدمة المجتمع والمواطن والتنمية العمانية اليوم وغدا وليس مجرد تسكين الشباب في وظائف ما .

ومع الوضع في الاعتبار انه تم الاعلان بشكل واضح ومتكرر عن اعداد المعينين ومؤهلاتهم ، والقطاعات التي تم استيعابهم فيها ، فانه مع قرب انتهاء موعد المرحلة الاولى ، فلعله من الاهمية بمكان ان تعمل وزارة القوى العاملة على نشر واعلان وايضاح ما تم خلال الاشهر الماضية ، سواء عبر مؤتمر صحفي او ندوات وحوارات مجتمعية في محافظات السلطنة المختلفة ، أو عبر وسائل أخرى ، من أجل الوقوف على وجهات نظر مختلف الاطراف المعنية ، في القطاع الخاص والباحثين عن عمل واسرهم ، ومن أجل تقييم المرحلة الاولى ، والاستفادة من دروسها ، ومن أية أخطاء تكون قد حدثت ، وهو امر طبيعي في مثل هذه المهام الكبيرة ، ومن أجل الحصول على اية مقترحات لإرساء أسس وهيكل وآلية معروفة وشفافة وقادرة على العمل بفاعلية لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الباحثين عن عمل خلال المرحلة القادمة .

واذا كانت المرحلة الاولى على وشك الانتهاء ، ومع ان وزارة القوى العاملة اعلنت عن استمرارها في استدعاء الباحثين عن عمل لاجراء الاختبارات ، والتعاون مع القطاع الخاص لتوفير مزيد من فرص العمل ، فانه من المهم تحديد سبل العمل خلال الفترة القادمة ، وهل يتم عبر استدعاء مجموعات متتالية من الباحثين عن عمل ، أو وضع هدف محدد للعمل على انجازه خلال مدة زمنية محددة ، كما انه من المهم والضروري دراسة كل جوانب تجربة الاشهر الماضية وتقييمها بشكل علمي بالتعاون بين وزارة القوى العاملة والجهات المعنية الاخرى ، من اجل الوصول الى خارطة طريق واضحة الملامح لمسألة الباحثين عن عمل وسبل التعامل معها بشكل مخطط ومنظم ومستمر ايضا ، وهو ما يتطلب تعاون كل الأطراف وتوفر اكبر درجة ممكنة من الشفافية والجهد الثقافي ايضا لتعميق ثقافة العمل في القطاع الخاص وإنشاء المشروعات الخاصة لدى الشباب لبناء حياتهم ومستقبلهم حسبما يتطلعون مع توفير كل التسهيلات الممكنة لهم ، خاصة وأن دورهم حاسم في انجاح التجربة وزيادة فاعليتها .